من أكبر إنجازات قائد الانقلاب الدموي عبد الفتاح السيسي، خلال الـ6 سنوات الماضية، خنق الصحافة وقمع الصحفيين وحجب أكثر من 570 موقعا إخباريا، وإغلاق عشرات الصحف والقنوات الفضائية، وتكبيل حرية الرأي والتعبير، واعتقال مئات الصحفيين، بجانب "تشميع" نقابة الصحفيين واستبدالها بما يسمى "المجلس الأعلى للإعلام"، وعلى رأسه مكرم محمد أحمد وتلميذه كرم جبر الذى يتولى رئاسة ما يسمى "الهيئة الوطنية للصحافة" .
وأصبحت الصحافة مهنة طاردة فى عهد العسكر؛ بسبب القمع والملاحقات والاعتقالات التى لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتحاكم الصحفيين عليها بالمخالفة للقوانين والدستور .
من جانبها وصفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، مصر في عهد السيسي بأنها واحدة من أكبر سجون الصحفيين بالمنطقة.
وقالت المنظمة، في تقرير لها عن حرية الإعلام وأسباب تراجع الصحافة المصرية، إن سلطات العسكر تستخدم مبدأ مكافحة "الأخبار الزائفة" ذريعة لتبرير حجب الصفحات والمواقع الإلكترونية من جهة، وسحب بطاقات اعتماد الصحفيين من جهة أخرى.
وأشار التقرير إلى أن دولة العسكر تحتل المرتبة 166 بين 180 بلدا على مؤشر حرية الصحافة على مستوى العالم، موضحا أن دولة العسكر لا تتقدم في هذا المؤشر إلا على خمس دول عربية فقط هي اليمن والبحرين والسعودية وسوريا وجيبوتي، وذلك من إجمالي 22 دولة.
وأضاف أن معظم إفريقيا "54 دولة" تتقدم على مصر الأعرق في تاريخ الصحافة، باستثناء دولتين فقط هما إريتريا وجيبوتي.
سجن للمعارضين
وانتقدت صحيفة «الموندو» الإسبانية محاولات سلطات الانقلاب الرامية الى تضييق الخناق على الصحفيين والنشطاء وإخماد أصواتهم المعارضة للنظام.
وقالت الصحيفة، في تقرير لها، إن ممارسات نظام العسكر حوّلت بلاد الفراعنة إلى سجن للمعارضين في الهواء الطلق.
وأشارت إلى أن حملات الاعتقالات ومنع الكثيرين من مغادرة البلاد أسهمت في ترهيب العدد القليل من النشطاء الذين تمكنوا من تحصين أنفسهم من القمع المتنامي في دولة العسكر.
وأكدت الصحيفة أن المصريين لم يحققوا الثورة التي تطلعوا إليها، حيث يواصل النظام الحالي تطبيق نفس السياسات القمعية. كما يعد النظام الذي يحكم المصريين في الوقت الراهن بمثابة الثورة المضادة، مشيرة إلى أن قوات أمن الانقلاب تمكنت بالاستناد الى تشريع سلسلة من القوانين القمعية، من ملاحقة وإخماد كل أنواع المعارضة السلمية.
وشددت على أن انتقاد نظام السيسي خلال هذه الفترة يُعد أكثر خطورة من أي وقت مضى. مؤكدة أن حكومة الانقلاب تعامل المواطنين على أنهم مجرمون بمجرد تعبيرهم عن «آرائهم بطريقة سلمية».
ولفتت إلى أن برلمان العسكر صادق على ثلاثة قوانين بحجة مكافحة الأخبار الكاذبة والزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي نفس الحجة التي استخدمها نظام المخلوع مبارك لتضييق الخناق على وسائل الإعلام فى السابق، موضحة أنه بموجب هذه القوانين يمكن حجب المواقع الإلكترونية أو الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها على خمسة آلاف شخص في حالة نشر أخبار زائفة أو التحريض على العنف والتشجيع على الكراهية والعنصرية.
أسوأ من مبارك
وأكد خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، أن الفترة الحالية هي الأشد سوءا في أوضاع الصحافة والصحفيين والانتهاكات التي يتعرضون لها، وكذلك هي أسوأ أوضاع يمر بها الإعلام من محاولات للسيطرة عليه.
وأشار البلشي، فى تصريحات صحفية، إلى أن لجنة الحريات والدفاع عن الصحفيين رصدت في آخر تقرير لها، أن عدد الصحفيين المعتقلين والذين يمارسون مهنة الصحافة يزيدون على 70 صحفيا، لافتا إلى أنه تم اعتقال عدد من الصحفيين بالفترة الأخيرة ولم يتم حصرهم بالتقرير.
وأضاف: البعض يوثّق العاملين بالمؤسسات الإعلامية على أنهم صحفيون، لكن الواقع أنهم سجناء رأي ومواطنون صحفيون؛ فالصحفي هو من يمارس مهنة الصحافة.
وأعرب البلشي عن أسفه لأن دور نقابة الصحفيين غائب تماما، وهناك تنصّل غريب في الدفاع عن الزملاء المعتقلين، منتقدا تصريحات النقابة التى تقول إنه لا يوجد صحفيون معتقلون، ولا سجناء رأي بمصر، وهو ما يخالف التقارير التي أصدرتها لجنة الحريات بالنقابة من قبل .
وشدد عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، على أن النقابة لا تمارس الحد الأدنى من دورها وهو الدفاع عن أعضائها، قائلاً: ولا ننتظر منها هذا الدور.
ولفت إلى أن هناك جهودا فردية من عدد من الصحفيين للتضامن مع زملائهم المعتقلين، حيث يتعرضون لانتهاكات أبرزها أنهم تجاوزوا فترة حبسهم الاحتياطي ومع ذلك يتم التجديد لهم.
وأشار البلشي إلى أن هناك عددًا من الصحفيين تجاوزوا فترة حبسهم الاحتياطي ولم يُحالوا إلى محاكمات بعد، لافتا إلى أن عددا من الصحفيين المعتقلين يعانون أوضاعا صحية شديدة السوء ويحتاجون إلى العلاج ولم يحصلوا عليه.
وقال إنهم يطالبون بالبديهيات والأساسيات فيما يتعلق بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين وعدم تجاوزهم فترات حبسهم الاحتياطي وتقديم الرعاية الصحية لهم. وتابع: “نقول طبقوا القانون الجائر؛ فما نطالب به بديهيات ولم نطالب مثلا بقضايا حرية النشر التي باتت رفاهية الآن.
وأوضح البلشي أن جبهة الدفاع عن الصحفيين، تتضامن مع الصحفيين المعتقلين وتطالب بحقوقهم، لافتا إلى أن التجارب أثبتت أن معظم المعتقلين يقضون شهورا وسنوات رهن الاعتقال، وبعد ذلك يحصلون على براءات.
خلف القضبان
وقالت سلمى أشرف، مسئولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور، إن المنظمة رصدت اعتقال مئات الصحفيين بسجون العسكر منذ أحداث 3 يوليو 2013 وحتى الآن.
وأشارت أشرف، فى تصريحات صحفية، إلى أن الصحفيين فى عهد السيسي يواجهون سياسة تكميم الأفواه؛ فلا تكاد تجد صحفيًّا يكتب عن مواضيع سياسية يعبر فيها عن رأيه أو ينقل آراء المواطنين بحرية إلا وجدته خلف القضبان.
ولفتت إلى أن سلطات الانقلاب تستهدف الصحفيين بهدف إيقاف إيصال الحقيقة للعالم وتقويض حرية الرأي والتعبير، مشيرة إلى أن الإعلام هو أحد الأدوات القوية لنقل الصورة عن حقيقة ما يجري في البلاد التي يهيمن عليها حكم عسكري مثل مصر .
وتابعت أشرف: لا يعتقل فقط من يكتب في السياسة إنما يعتقل كل من كان له رأي مؤثر ومستقل، وقد تتجاوز فترات الحبس الاحتياطي السنتين وأكثر مثلما حدث مع الصحفي هشام جعفر.
وأشارت إلى أن هشام جعفر وغيره اضطروا للدخول فى إضراب عن الطعام اعتراضا على الانتهاكات الجسيمة التي يواجهونها، مؤكدة أن السجن يهدف إلى كسر إرادة الإنسان في التعبير عن رأيه وممارسة حقه فيها.
وكشفت مسئولة الملف المصري بهيومن رايتس مونيتور، عن أنّ نظام السيسي يمنع الصحفيين المعتقلين من التواصل مع العالم الخارجي أو من زيارات الأهالي، وتصادر الأقلام والأوراق؛ وهذا انتهاك جسيم لأبسط حقوقهم في حرية الرأي والتعبير وحقوقهم كسجناء.
