لماذا أصبحت تركيا العدو الأول في نظر إسرائيل وبعض العرب؟

- ‎فيعربي ودولي

قد تكون مؤيدًا لسياسات الرئيس التركي الطيب أردوغان أو معارضا لها، لكن تحليلك العلمي غير المبني على الأحكام المسبقة وعلى موقفك من الاستقطاب، سيقودك بالتأكيد إلى أن هذا الرجل ليس حاكمًا تقليديًا ممن “يحب” الطغاة العرب التعامل معه، لذلك فإنهم يكرهونه، ولهذا بالضبط فإن ثوار الربيع العربي يحبونه.

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، لعبت تركيا دورًا مهما ومحوريا في دعم هذه الثورات، واحتضان جميع المناوئين للأنظمة غير الديمقراطية في العالم العربي وتقديم كافة أشكال الدعم لهم، وهذا بالتالي يشكل امتدادا لسياسة تركيا الجديدة في عهد أردوغان، فلطالما سعت تركيا بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وتوليه السلطة منذ عام 2003، إلى التفاهم مع العالم العربي والاقتراب أكثر من الشارع العربي والمسلم.

وهذا في النتيجة يعتبر انعكاسا لنتائج الانتخابات الديمقراطية التي أوصلت حزبا محافظا ومنفتحا على العالم، وفي نفس الوقت لا يعارض العلمانية مثل حزب العدالة والتنمية، إلى سدة الحكم، فنظرة الأحزاب الإسلامية في تركيا إلى العالم العربي مختلفة تماما عن نظرة الأحزاب السياسية اليسارية أو العلمانية، ففي حين تركز الأولى على التاريخ المشترك والوحدة الدينية وروابط الأخوة بين شعوب المنطقة فإن الثانية لا ترى في العرب إلا قمّة التخلف والتبعية.

الصفر مشاكل

وفي ذروة التغيرات الهائلة والمتسارعة في السياسات الدولية، كان لا بد للدولة التركية أن تبذل جهدا هائلا للتكيف مع هذه المتغيرات العالمية والمحلية، وخصوصا في المنطقة العربية، وبعد قيام ثورات الربيع العربي، وتداعيات هذه الثورات على علاقات الدول مع بعضها في المنطقة، ما استدعاها للتحول من سياسة الصفر مشاكل إلى سياسة النظام الإقليمي المتوازن، حيث شكّلت الظروف والتحديات التي عاشتها المنطقة بدءا بنهاية الحرب الباردة وحرب العراق والعلاقة مع إيران، ومرورا بالأزمة المالية العالمية، وانتهاء بثورات الربيع العربي، والمصالح المتداخلة والمتشابكة في المنطقة جميعها أسهمت في إعادة تشكيل وصياغة السياسة الخارجية التركية، حيث تأكدت أنقرة أنه لا مفر من حدوث التغيير وأن التغيير ذاته يمكن استثماره بطرق ناجعة للتأقلم مع التغيّر الإقليمي والعالمي.

ومن أجل تحقيق ذلك، بدأت تركيا بالتوجه نحو المنطقة العربية، حيث تمكّنت من أن تسدّ فراغا كبيرا في القيادة في العالم العربي، وساعد على ذلك الرئيس التركي من خلال الكاريزما التي يتمتع بها، والتي أثّرت بقسم لا يستهان به من شريحة الشباب العربي، حيث استطاع النهوض بتركيا والوصول بها إلى مصافي الدول الصناعية والمتقدمة في العالم، كما أنه أسهم في خلق دور إيجابي كبير لتركيا من أجل تحقيق السلام والأمن في المنطقة.

وبذلك استطاعت تركيا لعب دور فعال في المنطقة العربية وبالأخص منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى القوة الناعمة التي تستخدمها بشكل رئيس في رسم سياساتها الخارجية، وأكبر مثال على ذلك الجدال العلني بين أردوغان ورئيس الكيان الصهيوني آنذاك شيمون بيريز، بالإضافة إلى إرسال أسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة، ودعم تركيا ثورات الربيع العربي، واستضافتها لأكثر من ستة ملايين عربي يعيشون على أراضيها، حوالي أكثر من 3.5 مليون منهم من اللاجئين السوريين.

ولذلك فإن الطغاة العرب من المحيط للخليج يكرهون أردوغان؛ لأنه يتعامل مع الغرب ومع الدول الكبرى باعتباره قائدا لدولة كبيرة، دولة إقليمية ذات قدرات ونفوذ و”كرامة” بدلا من التعامل بتبعية ومهانة، ويبدو هذا واضحا من خلال رد تركيا على العقوبات الأمريكية على وزيرين تركيين بفرض عقوبات مماثلة على وزيرين أمريكيين، وكذلك بقرار أنقرة رفع التعرفة على واردات أمريكية ردا على إجراءات أمريكية مماثلة.

في مثل هذه الحالات، فإن السياسي الأمريكي يفترض أن على تركيا الرضوخ والبحث عن إرضاء القوة الأمريكية العظمى، ولكن أردوغان “يخيب ” أملهم باتخاذ إجراءات فيها نوع من التحدي الذي لم يعتادوا عليه في ديناميات التعامل مع الدول “الصغيرة”، وخصوصا في الشرق الأوسط. 

سياسة عقلانية

أردوغان بالرغم من تحديه لقراراتهم، إلا أنه يعرف حدود هذا التحدي، ويعرف حدود قوة بلاده في ظل فلسفة العالم الجديد بعد تشكيل الدولة الوطنية، وبالتالي فإنه ينفذ سياسة عقلانية لا تمنحهم القدرة على تصنيف تركيا دولة مارقة يسهل نبذها وحصارها دوليا، كما حدث مع إيران وكوريا الشمالية ومع العراق إبان حكم صدام حسين.

وتحب الدول الكبرى أن تتعامل مع نوعين من الدول ذات السياسة الواضحة، تلك الدول التي يمكن توقع ردّات فعلها، وهي إما الدول الخانعة التابعة، وإما الدول المتمردة غير العقلانية التي يسهل تصنيفها دول مارقة.

أما ما يزعجهم بأردوغان، فهو أنه يمتلك قدرة على التمرد عندما تسنح الفرصة والحسابات السياسية، ولكنه يمتلك القدرة على التراجع أيضا عندما يدرك أن حدود قوة دولته لا تؤهله للاستمرار.

فهو يرد على العقوبات الأمريكية باتخاذ إجراءات بالمثل، وفي الوقت نفسه يفتح الباب للسياسة بإرسال وفود لواشنطن لبحث حلول سياسية دبلوماسية، بينما يحب الغرب أن يتعامل مع قادة خانعين أو غير عقلانيين، وهو ما لا ينطبق على أردوغان.

ويملك أردوغان كل خيوط اللعبة في بلاده، ويسيطر على القرار بكل مفاصله، ولكنه في الوقت نفسه ليس ديكتاتورا، لأنه يأتي بانتخابات نزيهة بنسبة تتجاوز 50% بقليل، وبمنافسة شديدة مع منافسيه، ولأنه يعمل وفق دستور مستفتى عليه شعبيا.

بينما الطغاة العرب يرغبون بالتعامل مع أمثالهم من طغاة غير منتخبين، ديكتاتورين حقيقيين، ويتحدى أردوغان قرارات الغرب المتصهين ومقاومته لإجراءاتهم تنطلق من حسابات سياسية تدرك قوة بلاده، فهو يدرك أهمية بلاده لأوروبا فيما يتعلق بالحدود والهجرة ومكافحة الإرهاب، ويدرك أهمية بلاده في العالم بسبب قوتها الاقتصادية وعضويتها لمجموعة العشرين، بينما يحب الغرب أن يكون من يتحداهم ضعيفا يسهل سحقه والقضاء عليه مثل السفاح عبد الفتاح السيسي.