زيارة “القومى لحقوق الإنسان” للمعتقلين السياسيين مسرحية هزلية

- ‎فيتقارير

بعد صمته 3 أشهر على مجازر الانقلاب 

 

خبراء وسياسيون: منظمات المجتمع المدنى بمصر.. صمت وتواطؤ وتجميل للانقلاب

ماذا ننتظر من "مجلس" لم يحرك ساكنًا لاستشهاد 5 آلاف واعتقال 10 آلاف آخرين؟

•إبراهيم يسرى: كيان وهمى متواطئ وجزء من منظومة تجميل وجهه الانقلاب الدموى

•فيصل السيد: تمثيلية هزلية لن تكشف حجم الانتهاكات والتجاوزات ضد المعتقلين 

•د. حسام عقل: ضميرهم الأخلاق مات سريريًا ومتآمرون بصمتهم مع الانقلاب


سامية خليل

تعرض رافضو الانقلاب ومؤيدو الشرعية لحملات ممنهجة وسياسات أمنية قمعية واسعة خلفت ما لا يقل عن خمسة آلاف شهيد وأكثر من 10 آلاف معتقل وأكثر من 20 ألف مصاب، وبينما ارتقى الشهداء لربهم، ظلت أنّات المصابين بإصابتهم المختلفة وكذلك استمرت معاناة المعتقلين فى مقرات الاحتجاز والذين تعرضوا للقبض العشوائى ولائحة اتهام واحدة ومضحكة بلا سند قانونى، ويتعرضون للانتهاكات الحقوقية والإنسانية والطبية، بجانب ما يجدونه من سلطات الانقلاب من تجاوزات وإيذاء بدنى ولفظى وحرمان من العلاج، والاحتجاز بأماكن ضيقة وغير صحية وغير آدمية.

ويؤكد خبراء وسياسيون لـ"الحرية والعدالة" أنه على الرغم من استمرار مأساة المعتقلين رافض الانقلاب لأكثر من 3 أشهر إلا أن معظم منظمات حقوق الإنسان لم تحرك ساكنا واتخذت موقفا مخزيا وصمتا وصفوه بالتواطؤ، معتبرين إياهم جزءا من منظومة الانقلاب وتجميلا صورته الدموية.

وأوضحوا أن الزيارة الأخيرة لأعضاء من المجلس القومى لحقوق الإنسان للمعتقلين السياسيين تعد مجرد تمثيلية هزلية من كيانات وهمية، لم تنتفض للمجازر وعمليات الإبادة الجماعية، ولم تنتفض حتى بعد وقوع شهداء داخل مقار الاحتجاز، وشددوا على أن جرائم الانقلاب لا تسقط بالتقادم وتقتضى المساءلة والمحاسبة.

ضحايا التعذيب والإهمال المتعمد

ولم تكن واقعة استشهاد الدكتور صلاح أحمد يوسف أبو الليل " 30 عامًا" الأولى وربما ليست الأخيرة والذى اعتقل من قوات أمن الانقلاب بسجن المنيا العمومى وتوفى بسبب تعذيب شديد نقل على إثره إلى العناية المركزة نتيجة دخوله فى غيبوبة توفى على إثرها بعدما منعت سلطات الانقلاب عنه الزيارة. 

وفى نهاية سبتمبر توفى الدكتور صفوت خليل القيادى بجماعة الإخوان المسلمين والذى اعتقل فى سجن المنصورة من داخلية الانقلاب، وكان مريضا بالسرطان ويأخذ جرعات علاج كيماوى وأجرى عملية بتر جزء من قدمه.

وقال المقربون من الفقيد إن سبب الوفاة هو الإهمال الصحى الشديد والتعنت فى استمرار حبسه رغم مرضه.

كيانات وهمية

فى البداية أوضح السفير إبراهيم يسرى –رئيس جبهة الضمير- أنه بعد الانقلاب من الناحية العملية والواقعية لا يوجد كيان اسمه "المجلس القومى لحقوق الإنسان" فهو مجرد كيان وهمى لا ينتظر منه خيرا، وبالتالى لا تعليق عليه أو أيا من أعماله.

ووصف "يسرى" غالبية منظمات حقوق الإنسان فى مصر بـ"بوتيكات" وكيانات ممولة من الخارج والداخل ولا تقوم بأى دور حقيقى، والغريب ولكنه منطقى بالوقت نفسه أن تؤخذ جميعها فى عضوية ما يسمى بـ"المجلس القومى لحقوق الإنسان".

تواطؤ وتجميل

وقال يسرى إن هذا المجلس أصبح كله متواطئا مع اعتبارات غير وطنية وغير إنسانية، وأصبح المجلس ومعظم باقى منظمات حقوق الإنسان جزءا من منظومة الاستبداد والانقلاب وتدعيمه وتجميله.

واعتبر المحامى والمحكم الدولى، زيارة "القومى لحقوق الإنسان" تمثيلية لإبداء أن هناك شىء اسمه "مجلس" والزعم بأن هناك احتراما لحقوق الإنسان بالسجون ولكن هذا كذب وتضليل واضح، وهى حقيقة يعلمها الجميع، والطفل يعلم أنه لا وجود له ولا قيمة له.

وأضاف أن هذا "المجلس" حتى فى حالة رؤيته للتجاوزات وحتى لو نظر فيها وتحدث بشأنها ودخل السجون ورأى الانتهاكات والتعذيب الذى يعيش فيه المعتقلون فلن يعلق ولن يتخذ موقفًا فقط قد يشير بجملة أو سطر يطالب فقط بـ"تحسين المعاملة". مشيرا إلى أن كل ما يفعله "المجلس" لا قيمة له وهو نفاق ليس أكثر.

وأشار رئيس جبهة الضمير، إلى أن مصر من الأساس لم يعد بها قانون أو دستور، ولا توجد بها حدود فاصلة بين الشرطة القمعية والنيابة والقضاء، لافتا إلى أنه برغم هذا الوضع إلا أنه فرح جدا بوجود قضاة شرفاء من القضاة الشامخين حين تنحت المحكمة عن نظر قضية فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع ونائبيه وعدد من قيادات الإخوان.

مسرحية هزلية

بدوره وصف المحامى فيصل السيد -عضو اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة- زيارة وفد "المجلس القومى لحقوق الإنسان لبعض المعتقلين السياسيين يوم الثلاثاء الماضى بمشاهد تمثيلية مثل نظام المخلوع مبارك تماما وكأننا فى مسرحية هزلية.

وقال السيد: "المجلس الحقوقى قبل بانقلاب أطاح بجميع الحقوق والحريات، فعدنا لوجود مؤسسات كرتونية فارغة المضمون والمفعول، فهم بطريقهم لسجن طره مروا بسياراتهم على دماء الشهداء التى لم يصدروا بشأنها ولو بيان استنكار تجاه الجهات الانقلابية التى سلبت الناس أرواجهم دون أى معيار قانونى، وذهب "المجلس" لالتقاط الصور التليفزيونية للترويج فقط"، مدللا على ذلك بتخاذل "المجلس" تجاه قتل الشهداء بالميادين والساحات وبلطجية بالجامعات والطلقات الحية.

انتهاكات متصاعدة

وأضاف عضو اللجنة القانونية، أنه لم تحرك منظمات حقوق الإنسان ساكنا إزاء اعتقال ما يزيد عن 10 آلاف معتقل، وعدد منهم سلبت منه حياته، محذرا من تعدد أشكال التجاوزات داخل مقار الاحتجاز والسجن ومن استخدام كل وسائل التعذيب اللفظى والبدنى، وسب بكلمات خادشة، و"حفلات استقبال"، وتجويع، ومقار احتجاز غير آدمية وبها حشرات وتصيب بالأمراض، ومعاملة غير آدمية، واعتداء بالضرب، وهناك حالات احتجاز لمصابين كانوا بمستشفيات تم حبسهم قبل إتمام علاجهم وتم نقلهم بإصاباتهم لمعسكرات الأمن ورفضوا حقهم فى استكمال علاجهم، مشيرا إلى أن جميع المعتقلين يعانون من سوء المعاملة بدنيا ومعنويا ولفظيا.

وأوضح السيد أن هؤلاء المعتقلين من رافضى الانقلاب تم القبض عليهم دون مبرر قانونى، كذلك احتجازهم هو أيضا غير قانونى وغير آدمى حيث يتم وضع عدد كبير منهم بمكان واحد ضيق للغاية وغير جيد التهوية، والمصابون منهم يعانون حالة من التعنت ويظلون بلا علاج ولا إخلاء سبيل.

جرائم متعددة

وحول استشهاد الطبيب "صلاح أبو الليل"-الذى ارتقى لربه فى محبسه بالسجن العمومى بالمنيا- قال السيد إن مقتله جريمة تصنف على أنها ضرب وتعذيب أفضى إلى موت، وإهمال أفضى إلى موت، لأنه وفقا للقانون كان بالإمكان إسعاف الجريح أو المصاب لو لديه مرض ما ولكن تركه للموت أو إهماله بالترك بشكل متعمد حتى تهدر حياته وتسلب روحه، وهذه جريمة يضاف لها جريمة احتجاز غير قانونى يؤدى لمضاعفات بالإصابات بأماكن غير صحية بلا علاج.

وأشار إلى أن حالة "أبو الليل" ليست الوحيدة بل إن ما لا نعلمه أكثر وأعظم وأضخم، حيث تقع انتهاكات تفوق التصور، يرويها شهود عيان منها ما يتعلق بمجازر الفض فى اعتصامى رابعة العدوية والنهضة.. حيث يتم قتل كل إنسان يمر برصاصة بالرأس، والمصابون تم حرقهم أحياء كلهم!

وشدد السيد فى الوقت نفسه على أن جميع جرائم الانقلاب يمكن مقاضاتهم بشأنها وهى لا تسقط بالتقادم، فجرائم التعذيب بكل الدساتير والقوانين لا تسقط بالتقادم عاجلا أم آجلا سيتم محاسبته. 

مجازر غير مسبوقة وصمت مخزٍ

من جانبه يرى الدكتور حسام عقل -رئيس المكتب السياسى لحزب البديل الحضارى- أنه بلا شك أن سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان بالأشهر الثلاث الماضية قد يكون هو الأسوأ على الإطلاق عربيا وإفريقيا ولا نبالغ إذا قلنا ودوليا بالنظر إلى أنه لا توجد دولة بالعالم قتل فيها ما يقرب من  3000 إنسان فى أسبوع واحد، وإذا أضفنا لذلك الغياب الكامل لأى صكوك قانونية أو دستورية على نحو ما تمثل فى تعطيل كامل للدستور المصرى وإبعاد للمواد القانونية التى تكرس الحريات والحقوق فضلا عن عمليات الاعتقال العشوائية التى تفتقر لأى سند قانونى، وعمليات القتل الممنهج بدم بارد مثل مذبحة عربة ترحيلات سجن أبو زعبل، فضلا عن عدم السماح بتلقى العلاج للمصابين والمرضى من المعتقلين والتضييق عليهم   وسقوط شهداء لهذا السبب، مما يدل على عودة الدولة البوليسية بدرجة غير مسبوقة وعلى نحو يعيدنا لما قبل حقبة مبارك.

وتوقف عقل، عند توقيت زيارة "المجلس القومى لحقوق الإنسان" وهى بلا معنى حيث جاءت بعد مرور 3 أشهر على الانقلاب صمتوا خلالها حتى يتم الذبح والتطهير العرقى بالكامل لمؤيدى الشرعية ورافضى الانقلاب، مضيفًا أنه يبرز هنا تساؤل مهم: لماذا لم تتذكر دورها إلا بعد مرور أكثر من 3 أشهر كاملة ولماذا لم تنتفض مكاتبها لأحداث الحرس الجمهورى والمنصة أو مجازر الفض بميدانى رابعة والنهضة التى أثارت اشمئزازا وغضبا عالميا، ولماذا ظلت تصدع الرءوس عاما كاملا بأساطير "حمادة المسحول" بينما مارست صمتا مخزيا وتآمرا إزاء عمليات القتل الممنهج واستهداف الرءوس والصدور، وقتل المتظاهرين بزخّات الرصاص الحى فى كل الحواضر والأقاليم المصرية، وعمليات الاعتقال على الهوية التى لا تخضع لأى إجراءات قانونية سليمة أو سند قانونى يبرر ذلك، ووضع كل المعتقلين بالحبس تحت تهمتين مضحكتين هما التحريض على السلطات وإهانة القضاء فى محاولة واضحة لتكميم الأفواه.

ونبه رئيس المكتب السياسى لحزب البديل، إلى أنه نجم عن هذه الأوضاع الحقوقية المزرية وتراجع حقوق الإنسان والحريات سقوط الدولة المصرية فى عزلة غير مسبوقة حيث امتنعت معظم دول العالم عن الاعتراف بنظام الانقلاب الجديد، وتواترت عمليات الإدانة لهذه السياسات القمعية غير المسبوقة من قبل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومين رايتس ووتش ومنظمات الأمم المتحدة، ومعظم المنظمات الحقوقية فى العواصم العالمية الكبرى، وهو ما يفسر إحجام الانقلابيين الآن عن السفر للدول الأجنبية خشية الملاحقات الجنائية الدولية عن  المجازر وجرائم الحرب والتطهير العرقى.

ووجه "عقل" سؤالا لحقوقيين وناشطين بالمجلس القومى لحقوق الإنسان: أين كانت أصواتكم منذ 3 شهور حيث كانت عجلة الذبح والسحل تدور على قد وساق وكانت مواد الدستور تنتهك؟، وأين هم من رياضى متفوق يحال للتحقيق وتحجب عنه الميدالة الذهبية العالمية لمجرد إبداء رأى سياسى؟.

وقال "عقل" لقد كشفت الأزمة عن موت النخبة وافتضح نفاقها، بل إن هناك نشطاء وحقوقيين كانوا بقمة النشوة والسعادة لمجرد ذبح خصومهم السياسيين، معتبرا أن من أسوأ أمراض مصر بسبب الانقلاب ما أسماه "الموت السريرى للضمير الأخلاقى والصمت المتآمر على جرائم الانقلاب".