عبر الأمن والأموال.. طريق نواب العسكر لـ”المقاعد” على أشلاء المصريين

- ‎فيتقارير

في ظل الانقلاب العسكري، انقلبت موازين كل شيء في مصر، ومعها قواعد العمل العام والسياسي والمجتمعي، وأصبحت مخالفة لكل قواعد العقل والمنطق، وتحول الخطأ إلى صواب والجنون إلى "عين العقل". 

وهو الانقلاب الذي عاينه المصريون خلال سنوات الانقلاب العسكري السبع، حيث تم تشكيل مجالس نيابية غير ممثلة للشعب بل لسلطة الانقلاب؛ فجاءت تشريعات برلمان العسكر، الذي اختتم دور انعقاده الأخير قبل أيام، مخيبة لإرادة ومطالب الشعب المصري، الذي باتت اصواته بلا قيمة، ويراد منه فقط الرقص أمام اللجان، وتصوير طوابير مصطنعة للإيحاء بأن هناك انتخابات وحضور جماهيري. فيما الحاسم في اختيار النواب هو رأي الأجهزة الأمنية ومدى انتفاخ جيوب المرشحين المشتاقين للمقعد الذي لك يتوقعوا على الإطلاق أن يشغلوه في ظل انتخابات حرة أو ديمقراطية.

وغالبا ما يتابع الشعب تسريبات اخنيارات الأجهزة الأمنية ورضاها عن ذلك المرشح أو غيره، بالإضافة إلى أخبار تبرع المرشحين لصندوق تحيا مصر أو غيرها من الحملات الحكومية التي يدفع ثمنها المشتاقون لرضا الأجهزة الأمنية.

دور المال
في هذا السياق كشفت مصادر مطلعة، أن المرشحين في انتخابات مجلس شيوخ الانقلاب دفعوا مبالغ مالية كبيرة؛ لنيل رضا الأجهزة الأمنية والسيادية، والحصول على أفضلية الوجود تحت قبة المجلس الجديد. ووفق صحيفة "الأخبار" اللبنانية، بلغت قيمة الأموال التي ُجمعت من المرشحين لقبول ترشيحهم أكثر من 20 مليون جنيه!

وتضمنت الترشيحات ترضيات لرجال الحزب الوطني المنحل، الذي أطاحت به ثورة يناير 2011. وجرى تنسيق قوائم المرشحين عبر تعاون بين المخابرات العامة والأمن الوطني ، من أجل ترضية جميع الأطراف. وحصل عدد كبير من الشخصيات على وعود بإصدار أسمائهم ضمن من يعيّنهم السيسي. ومن المتوقع، اختيار رئيس حزب "مستقبل وطن" المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا، رئيسا للمجلس. ومن أبرز دافعي الاموال لاختيارهم بقوائم الشيوخ، رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة ورجل الأعمال عادل ناصر، الذي كان هاربا في أمريكا بعد الثورة!

بوابة الأجهزة السيادية
وكشف تقرير نشره موقع "القاهرة 24" المقرب من الأجهزة الأمنية، قبل أن يتم حذفه لاحقا، عن تفاصيل مثيرة تظهر كيف تمكنت أجهزة سيادية من "هندسة" مكونات مجلس شيوخ الانقلاب، الذي جرت هزلية انتخاباته في الفترة من 9 إلى 12 أغسطس. ووفقا للتقرير، فإن تشكيل مجلس الشيوخ الجديد يضم قيادات من الصف الثاني والثالث لـ"الحزب الوطني" المنحل، والذي كان يحكم البلاد إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وأشار التقرير إلى أن قائمة المرشحين يغلب عليهم أشخاص من خلفيات الحزب الوطني، وذكر أسماء مثل: "عمر زايد"، و"وائل زكريا"، و"أسامة الهواري"، و"سامح صفوت". وكشف التقرير أيضا عن وجود لاعب جديد في الساحة الانتخابية، يعرف باسم "تنسيقية شباب الأحزاب"، عبارة عن كيان شبابي عكف جهاز سيادي على تشكيله ليحظى بـ5 مقاعد بمجلس شيوخ العسكر ومن المرتقب أن يكون نفس التمثيل من نصيبهم ضمن الـ100 شخصية المرتقب تعينها من قبل رئيس الانقلاب.

وأوضح التقرير أن أعضاء الكيان الجديد فوجئوا بوجود "محمود بدر"، القيادي بحركة "تمرد"، الممولة إماراتيا والمدعومة من الجيش للانقلاب على الرئيس الراحل المنتخب "محمد مرسي"، ضمن قيادات التنسيقية، حيث فوجئوا بوجود اسمه ضمن "جروب واتساب" أنشاته جهة سيادية لأعضاء الائتلاف. ونقل عن "بدر" قوله إنه انضم إلى التنسيقية بعد أن وجد أنهم ينظمون مؤتمرات فعالة ولهم تأثير، معتبرا أن "تنسيقية شباب الأحزاب" تعد أهم فعالية شبابية موجودة بالوقت الراهن. بل إن عودة مجلس الشورى، باسم جديد، كانت بسبب مطالبة عدد من قيادات الأمن الوطني خلال عملية الإعداد للتعديلات الدستورية، التي قُدمت لبرلمان العسكر في فبراير 2019، بعودة مجلس الشورى لخلق مساحة أوسع للولاءات.

وتسير هذه الولاءات جنبًا إلى جنب مع تلك التي يتم خلقها من خلال اختيارات المرشحين المدعومين من الدولة والمعينين من السلطة التنفيذية في مجلس النواب، والذين يتم ترشيحهم بناء على قيمة التبرعات التي يقدمونها للسلطة، وذهبت المصادر إلى أبعد من ذلك عندما قالت إن "الأمن الوطني هو فعليًا من يدير المشهد السياسي الداخلي بكل تفاصيله خلال العامين الماضيين من بعد الانتخاب الثاني للسيسي في 2018 لأن الإقبال على الانتخابات كان ضعيفًا في البداية، وتم فورًا الاستعانة بالأمن الوطني من قبل الجهاز السيادي الذي كان يشرف على الانتخابات، وتحركت فعلًا بسرعة قيادات الأمن الوطني في القرى واستدعت شبكة الاتصالات والعائلات وتم تحسين الحشد سريعًا".

فيما كشف حقوقيون وسياسيون عن أدوار محورية لعبتها أجهزة سيادية، لاسيما جهاز المخابرات العامة،في تشكيل مجلس نواب العسكر أيضا، والتي جاءت تشكيلته مزيجا بين محسوبين على "الحزب الوطني" وضباط جيش وشرطة سابقين، وبعض الشخصيات التي لها تواصل مع تلك الأجهزة.
وهو ما سيتكرر في هزلية انتخابات نوفمبر المقبل، مع تعديلات جديدة، تتضن منع اي معارضين ولو صوريا من الوصول لقبة البرلمان، حتى لو كانوا مستقلين، أو ضمن أحزاب مقربة من سلطة الانقلاب، وخاصة تحالف 30-25 الذي يصم النواب أحمد طنطاوي وهيثم الحريري وغيرهما، كما سيتم استئصال مرشحي حزب النور نهائيا من تركيبة المجلس القادم، استمرارا لإفشال مرشحيه التسعة بهزلية مجلس الشيوخ الأحيرة.

الحصاد المر

وأمام تلك المحددات من صياغة وتشكيل المجالس التمثيلية في مصر خلال حكم العسكر، فإن أية مردودات شعبية تبقى دربا من الخيال، فالنائب الذي جاء عبر أجهزة أمنية لن ينحاز لأي قرار أو قانون في صالح المواطنين، وإنما يكون انتماؤه للأجهزة الامنية فقط.

وكان خبراء سياسيون انتقدوا أداء مجلس نواب العسكر، منذ بدء عمله بعد هزلية الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث كان المجلس انعكاسا لما تريده سلطة الانقلاب وصدى لما يقرره "السيسي"، وسجلت مئات الوقائع من استغلال النفوذ لأعضائه، وسط استياء شعبي كبير في دوائرهم.
وتحلى ذلك في إقرار أكبر عدد من التشريعات السالبة لحقوق المواطن الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، بجانب الموافقة السريعة على كافة التشريعات التي تبيح للسيسي جلد ظهور المصريين بالضرائب والرسوم التي لم يسبق لها مثيل.