“خليها تجرّب”.. الانقلاب يبث برامج إذاعية تُخرب الأسرة وتشجع على الحرام

- ‎فيتقارير

شهدت مصر بعد انقلاب 30 يونيو 2013 تخريبًا متعمدًا وممنهجًا لمنظومة الأخلاق والقيم المجتمعية، وتفشت الكثير من مظاهر الانفلات، فمن لم يسمع عن أب يقتل أولاده، وابن ينهى حياة والده أو والدته لتعاطى المخدرات.. أخ يفتك بشقيقه وزوجة تقتل زوجها بمعاونة عشيقها.. طلاب يعتدون على مدرسهم، ناهيك عن جرائم التحرش والاغتصاب التى باتت ضيفًا ثقيلا على حياة المصريين.
ولا يكاد أحد فى مصر بعد الانقلاب لا يشكو من ارتفاع معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام، وغيرها من المظاهر الأخرى التى أسقطت الأخلاق فى دوامة الفوضى الخلاقة.

ما أسباب هذه الحالة من التردى الخلقي؟، وهل للعسكر دور رئيسي فيه وكيف يمكن إنقاذ المجتمع من هذا الخطر؟، وهل ما يعانيه المصريون اليوم نتاج رواسب حقبة طويلة فجرها انقلاب 30 يونيو والذي أظهر الوجه الأخلاقى المظلم لعصابة العسكر؟، وانـعـكـاس لتدمير السفاح عبد الفتاح السيسي المـؤسـسـات التعليمية والدينية والتربوية، وضرب منظومة الأسرة، والتأثير السيئ لوسائل الإعلام والسينما التي تديرها مخابرات الانقلاب؟.

دمرها السيسي
"إنمـا الأمم الأخـلاق مـا بقيت.. فـإن همو ذهبت أخلاقهم ذهـبـوا".. أبـيـات شهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي، تؤكد أن التمسك بالأخلاق سبب بقاء واستقرار الدول وتقدمها وازدهـارهـا، فـالأمم تضعف إذا ما تراجعت فيها الأخـلاق وتـهـاوت القيم والمبادئ الراسخة.

يقول توماس شومان عميل المخابرات السوفيتي السابق، في إجابته على سؤال شغل النصف الأول من القرن الـ 20 وهو كيف تدمر دولة دون طلقة واحدة، خلال إحدى محاضراته القديمة، إن مرحلة تدمير الأخلاق سيكون من الواضح فيها وجود اتجاهات فى كل مجتمع وكل بلد، هنا يتم استغلال الحركات السابقة والاستفادة منهم، حتى يذهبوا إلى الاتجاه المعاكس للأخلاق والقيم والمبادئ.
وحول أهم المجالات التي يتم تخريبها قال عميل الاتحاد السوفيتي السابق إن تدمير الدين والسخرية منه واستبداله بمختلف الطوائف والعبادات والمعتقدات، بشكل يلهى الناس ويتسبب فى تآكل عقيدتهم، واستبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة بمنظمات وهمية تصرف انتباه الشعب، لجذبهم إلى ديانات مختلفة.

والتعليم صرف الناس عن تعلم شىء بناء واقعي وفعال، بدل الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية والكيمياء، وتعليمهم تاريخ حرب المدن والغذاء الوطني والاقتصاد المنزلي والحياة الجنسية، أو أي شئ بعيدا عن التعليم الواقعي.

خليها تجرّب!
ومثلما تم السيطرة على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، كان تحقيق ذلك بقوة في القطاع الخاص أحد أولويات السفاح السيسي منذ سيطرته على السلطة في عام 2013، واستخدم السفاح في السيطرة على الإعلام الخاص جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية، وقد لعبا تاريخيًا أدوارًا سياسية في الدفاع عن الانقلاب ومنع أي محاولة لتأسيس الديمقراطية، إلى جانب المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية.

تقول الناشطة ايمان عادل: "الفنانة سميرة عبد العزيز عاملة برنامج إذاعى بتتلقى مشاكل أسرية من المستمعين وتقترح لها حلول وأنا مش هسأل إذا كانت مؤهلة للرد على مشاكل الناس ولا لأ ولا هتسائل إذا كانت علشان بتقوم دايمآ فى أدوارها التمثيلية بدور الست الوقور المثالية ده معناه إنها كده فى الواقع والمفروض نبعت نستشيرها للسبب ده يعنى مثلا!!؟".
وتابعت: "اللى مجننى هو ردودها العجيبه بالصدفه سمعت مشكله لأم بتقول بنتى عايزه تستقل بحياتها وتعيش لوحدها ومش قادره أقنعها لا انا ولا أبوها !!!"، مضيفة: "رد الست سميره: خليها تجرب تستقل وهى عايشه معاكم يعنى تخدم نفسها بنفسها وتساهم فى مصروف البيت وفواتير المياه والكهرباء والغاز وتطبخ لنفسها لوحدها وعلى نفقتها ولو نجحت فى ده شهرين يبقى سيبيها تعيش لوحدها طالما مربياها كويس!!!".

وبنبرة ساخطة من تدمير أخلاق المجتمع قالت ايمان: "إيه الأفكار الجديده دى وليه بنت أو حتى ولد يعيشوا لوحدهم وأهاليهم على قيد الحياه إيه معنى إنى أستقل بحياتى بعيد عن أهلى وإيه اللى يمنع أكون مستقله وأنا فى بيت أبويا".

مضيفة: "لو الفكره فى كده إن البنت تتعلم تخدم نفسها طب ما ده بيحصل عادى مش معقول تبقى شحطه طول الباب وتخلى أمها تخدمها كأنها طفله بالعكس المفروض لما بتكبر بتساعد أمها وتخف عنها مسئوليه البيت".

وأوضحت عادل: "وبالنسبه للإستقلال المادى أعرف بنات جدعه كتير بتشتغل علشان تجهز نفسها وتساعد أهاليها كل ده بيحصل والبنت الولد كمان مش بيحتاجوا يسيبوا بيوت أهاليهم يبقى لزومه إيه الأفكار الغربيه العجيبه دى".
وشددت: "هم برا بيستقلوا لأسباب تعتبر عندهم حريه فى سن معين وتعتبر عندنا كشرقيين إنحلال بتروجى لإيه يا ست سميره يا مصريه يا وقوره ياللى بتحلى مشاكل الناس إيه القرف اللى بقينا فيه ده قلدوا الغرب فى احترام العمل والحفاظ على النظام ونظافة الشوارع وتطبيق المخالفات على الغنى قبل الفقير والقيادة بشكل متحضر داخل حارة مرورية مش زجزاج والالتزام بأشاره المرور بدون عسكرى أو كاميرا تصور مخالفه مترموش زباله تحت العربيات إزرعوا زهور قصاد بيوتكم بدل أكوام الزباله عايزين تقلدوا الغرب بينكم وبينهم أميال من التحضر المفقود عندنا لما تقلدوهم فى كل الكويس أبقوا فكروا فى إستقلال البنت عن بيت أهلها".

وبعد ثورة 25 يناير، تدخلت أجهزة المخابرات بشكل متزايد في وسائل الإعلام من أجل التأثير على الرأي العام؛ ولتحقيق ذلك، تم على الفور إغلاق عدد من القنوات الدينية والمؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السفاح السيسي، وتركت مع ذلك وسائل الإعلام الخاصة تعمل بحرية، حيث كان الجيش في حاجة إلى دعم نخب رجال الأعمال، وملاك وسائل الإعلام، والحركات العلمانية في مواجهة احتجاجات الإسلاميين.

ولكن تراجعت احتجاجات الاسلاميين، وبدأت وسائل الإعلام في نشر الإلهاء والسطحية وتدمير الأخلاق، وجاء رد فعل السفاح السيسي من خلال تنسيق التدخل المخابراتي، أولًا، من خلال إنشاء شركات ووسائل إعلام جديدة، ثم من خلال شراء وسائل الإعلام الخاصة القائمة لتقليص نفوذ ملاكها المستقلين.

وفي ضوء مبالغ التمويل الكبيرة التي استلزمتها عمليات الاستحواذ تلك، والتي لم تكن قليلة، تظهر تساؤلات حول الموارد التي أتاحت لأجهزة المخابرات الاستثمار الكثيف في قطاع الإعلام في السنوات الأخيرة.

وافترض أحد الخبراء في مقابلة مع فريق مرصد ملكية وسائل الإعلام، أن هذا التمويل أتى غالبا من الإمارات العربية المتحدة، تماشيًا مع تصديها لثورات الربيع العربي والحركات الإسلامية في المنطقة.

المرحلة الأخيرة
وتمر مصر في السنة السابعة للانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو 2013، ضد أول رئيس مدني منتخب الشهيد محمد مرسي، في المرحلة الأخيرة التي حددها العميل السري السوفياتي المنشق، يوري بيزمينوف في محاضرة له توزع حاليا في كثير من الدول التي باتت تشهد هجمة قاسية على الأخلاق والتعليم والقيم.. وحددها بأربع مراحل.

الأولى التدمير الأخلاقي.. والثانية تدمير التعليم، والثالثة: زعزعة الاستقرار، والرابعة تقديم شخصيات مُلمَّعَة تتصدر المشهد السياسي، وتدين بالولاء للعدو، ويقول مينوف إن زمن الحروب العسكرية لإخضاع الدول قد انتهى كأولوية، فالانتصار الآن يتم تحقيقه من خلال هذه المراحل.

ويقول إن إهم مرحلة هي "إسقاط الأخلاق" Demoralization، وهي مرحلة تحتاج من 15 إلى 20 سنة، لتدمير منظومة الأخلاق والقيم لدى المجتمع المستهدَف.
ويتم هذا الهدف، من خلال تدمير الدين بالسخرية منه ومِن رجاله، وتهويل المآخذ عليه، وتلميع من يهاجمونه، ووصفهم بالمفكّرين، واستبداله بالعقائد الباطنية المنحرفة.

أما إفساد التعليم، فيتم من خلال صرف الناس عن تعلّم أي شيء بنّاء وواقعي وفعال، والعبث بالنسق الاجتماعي، بخلق منظمات وهمية، تهدف لنزع الإحساس بالمسؤولية لدى المجتمع، وإضعاف الحس الوطني والولاء للبلد وحكومته، وفي الغالب، يتم ذلك بواسطة دعم رموز إعلامية لم تكن معروفة سابقًا، ولا تحظى بقبول الناس، لكنها وَجَدت دعمًا غير معلوم، وأصبحت ذات تأثير كبير في الحياة الاجتماعية، بطريقة تتفق مع من يحرك الخيوط سرًا!

أما المرحلة الثالثة "زعزعة الاستقرار"، فتأخذ من سنتين لخمس سنوات، ويتم ذلك بإذكاء النعرات الطائفية والعصبيات في المجتمع المتماسك لتمزيقه، وتقديم قدوات زائفة، لتسطيح الفكر المجتمعي، ونقل المجتمع من التركيز على المهمات، إلى البحث عن سفاسف الأمور، والجري وراء الموضة والملذات، وفقدان الحس بأهمية احترام الوطن وأُسسه ورموزه.

 في هذه الخطوة – بحسب يوري بيزمينوف- يتم البحث عن الخونة المندسين، عن أصحاب الأجندات المريبة والمطامع الشخصية، عن أتباع العقائد المناقضة والمنافرة لعقيدة البلد، وغير المتعايشة معها، عن عملاء دول معادية، يمكن شراؤهم وتجنيدهم، ثم دعم الجميع بطريقة غير ملحوظة، لجر البلد إلى المرحلة الثالثة.

وهي مرحلة الأزمة، التي تستمر من شهرين إلى ستة أشهر، تنتج عنها فوضى سياسية وانفلات أمني، ودخول البلد لنفق مظلم، أو حرب أهلية، تؤدي للمرحلة الرابعة، بتقديم شخصيات مُلمَّعَة تتصدر المشهد السياسي، وتدين بالولاء للعدو!

يعتقلون الفتيات
يقول يوري بيزمينوف: "إن أقوى علاج لهذا السيناريو، يبدأ بإيقاف أخطر خطوة، وهي الأولى "إفساد الأخلاق"، وذلك لا يتم بطرد العملاء الأجانب، أو إضاعة الجهد والوقت والمال للبحث عمّن يحرك خيوط اللعبة، ولكن أنجح وأنجع حل لإفشال الخطوة الأولى، هو بـ "إعادة المجتمع للدين"، لأنّ الدين هو ما يحكم علاقات المجتمع، ويجعله يتناغم بطريقة سلسة، ويحفظ تماسكه، حتى في أكثر الأيام سوادًا".

يقول الكاتب وليد شوشة: "حين أقارن بين هؤلاء وبين جيش الانقلاب وشرطته أتعجب، كيف غير العسكر هذه الأخلاق؟ وكيف غرس في نفوس جنده هذه الوحشية وهذا الإجرام؟! وكيف انعدمت الضمائر وماتت القلوب؟ كيف صنع جنودًا من بنى جلدتنا ويدينون بديننا ويعبدون ربنا ويعيشون بيننا، ثم حولهم هكذا إلى قطعان وحشية لا ترى ولا تسمع إلا صوت الراعي وهو يضربها ويصرخ فيها!".

ويضيف: "حين أتذكر الجنود وهم ينهالون على فتاة في ميدان التحرير بالضرب، ويجردونها من ملابسها عيانًا بيانًا، وأقرأ قصة حسن كبريت أو خوف أبي جهل من الفضيحة، أحتار في وصفهم! كيف جردهم العسكر من شهامتهم ومروءتهم ورجولتهم! أي بشر هؤلاء! وأي إنسان هذا الذي يستقوي بجنوده وآلاته وجبروته على فتيات صغيرات، يركل إحداهن برجله، ويعصر أخرى بيده، ويغتصب ثالثة في مدرعته!".

وتابع شوشة: "إذا كان الأشقياء الذين ما إن سمعوا المرأة تقول لابنها ساعد أخوالك، فاستحوا منها وتركوا البيت دون سرقته، فلماذا لا يستحي الذين دخلوا على النساء والأطفال وهم يعلمون أن عائلهم محبوس في سجنهم، فأشعلوا فيه النيران حتى أكلت أثاثه، والأطفال يصرخون، والجنود غير مكترثين لتوسلات الصغار؟!".

مضيفًا: "أي قلوب هذه التي تحرق المعتصمين أحياء، وتشعل النار في بيوت الله، وتدهس جثث الموتى بآلياتها الثقيلة في رابعة والنهضة؟! ومن أي طينة هؤلاء الذين يعتقلون الفتيات، ويحبسون النساء العجائز دون جريرة أو ذنب؟!".