تحمل إشادة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي خلال حضوره في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة رقم 32 أمس الأحد 11 أكتوبر 2020م بمناسبة الذكرى الـ47 لحرب أكتوبر؛ بمسلسل "الاختيار" وتكريم المشاركين فيه، ومطلبه بإنتاج الكثير من هذه النوعية من المسلسلات، رسالة غير خافية تحمل الكثير من الدلالات والمعاني التي تؤكد أن الهدف هو توظيف الدراما سياسيا من أجل رسم صورة أسطورية للجيش وعناصره بهدف ترميم شعبية المؤسسة العسكرية التي تآكت بشدة في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م.
فالاستراتيجية الإعلامية للنظام تستهدف بالأساس التغطية على فشله السياسي والاقتصادي وهزائمه الأمنية المتكررة في سيناء أمام حفنة من المسلحين لا تتعدى المئات بحسب تقديرات رسمية سابقة، وذلك بخلق حالة كبيرة من البروباجندا والصوت العالي مع كثافة الدعاية والتسويق للرواية الأمنية وطمس ما عداها والتشويش المستمر على كل صوت يستهدف خلق حالة نقاش معمقة وصادقة؛ بحثا عن حلول مجدية ومخرج للأزمة التي تمر بها البلاد منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013 م على المسار الديمقراطي.
تعتمد استراتجية النظام العسكري على ثلاثة أضلاع:
– الأول هو التمترس خلف صناعة السينما والدراما (فيلم "الممر" ومسلسل "الاختيار" نموذجا) وذلك بهدف تزييف الوعي وصناعة واقع بديل يقوم على الخيال والتوهم للتغطية على الواقع المرير والحقيقية المؤلمة والفشل المتواصل. وتوظيف بطولات سابقة للمؤسسة العسكرية للدعاية والتغطية على هزائم المؤسسة حاليا وانتهاكاتها بحق الشعب المصري، وأسطرة "جعله أسطورة" نماذج من الجيش والمبالغة في تمجيدها إنما يستهدف بالأساس صورة المؤسسة العسكرية في صورة هذا النموذج الذي يراد أسطرته؛ لترميم شعبية المؤسسة العسكرية المتآكلة واستعادة قدر من الهيبة والاحترام المفقود؛ إضافة إلى رفع الروح المعنوية المتردية لعناصرها بسيناء.
– الثاني، هو خلق حالة من التشويش المستمر والصراخ العالي كما يحدث في برامج التوك شو الحكومية والمانشيتات والعناوين بالصحف والمواقع التابعة للآلة الإعلامية للنظام والتي تقوم أيضا بدور التزييف وتشكيل وعي يقوم على نشر الأكاذيب وطمس الحقائق وتشويه المعارضين وتسويق رويات النظام مهما كانت ركيكة ومهما كانت مفبركة وتصوير قادة الجيش رغم فسادهم واستبدادهم وقصور كفاءتهم وهوسهم بالسلطة والنفوذ باعتبارهم يمثلون منتهى الوطنية والانتماء.
– الثالث، حصر التناول الإعلامي في البيانات الرسمية ومنع أي جهة إعلامية من تناول حقائق ما يجري في سيناء وفق قانون الإرهاب الذي تم سنه في 2015م، والذي يهدد بالسجن كل من يتناول ما يجري في سيناء يخالف ما تصدره البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة العسكرية أو وزارة الداخلية. وهي البيانات التي دأبت على الإعلان عن اغتيالات جماعية لنشطاء وشبان، وهي عادة ما تحدث لأبرياء معتقلين أو مخطوفين قسريا في محاولة لرفع الروح المعنوية للجنود في سيناء أو لأنصار النظام؛ ويبقى الفاعلون الحقيقيون على الأرض يواصلون دك كمائن الجيش واصطياد عناصره.
التزييف بالدراما
إشادة السيسي بمسلسل الاختبار هو تأكيد على الأهداف التي كان يراد تسويقها ببثته والدعاية له على نطاق واسع؛ فقد كان الهدف الأساسي هو ترميم شعبية المؤسسة العسكرية التي تآكلت خلال السنوات التي تلت ثورة 25 يناير، فارتكبت أحط الجرائم وأبشعها وسفكت دماء الآلاف من المصريين، من أجل إعادة إنتاج نظام مبارك بصورة أخرى تكرس مصالح الجيش وتضمن استمرار نفوذه السياسي والاقتصادي.
فهي من كانت تمثل "الطرف الثالث" الذي أثار الفوضى بعد الإطاحة بمبارك وعملت على إفشال المرحلة الانتقالية والحيلولة دون تأسيس نظام ديمقراطي، ولما نجحت ضغوط الشعب في اختيار رئيس مدني منتخب لأول مرة في تاريخ البلاد، تآمرت المؤسسة العسكرية وقادت انقلابا عسكريا وحشيا بعد عام واحد فقط من انتخاب الرئيس.
مسلسل "الاختيار" إذا كان يمثل محاولة لإعادة الاحترام والهيبة لصورة المؤسسة العسكرية، خاصة فيما يتعلق بـ"حربها على الإرهاب"، وحملتها المتواصلة ضد من تصفهم بالمتطرفين في سيناء منذ عام 2013. وهي الحملة التي لا يبدو أنها تؤتي ثمارَها، خاصة في ظل الهزائم المتواصلة التي تمنى بها المؤسسة العسكرية والأمنية.
ويستهدف المسلسل تكريس الرواية الأمنية حول ثورة يناير والإخوان والانقلاب وما يجري حاليا في سيناء، والحط مما عداها من روايات مهما كانت قوية وموثقة وشديد العمق والإقناع، وعلى هذا الأساس يتم توظيف عناصر العمل الدرامي لتحقيق هذا الهدف، فيتم توظيف القصة والسيناريو وانتقاء الممثلين والبنية النفسية لشخصيات العمل والمبالغة في تجميل عناصر الجيش ليظهروا في صورة طيبين غيورين على الوطن ويتصفون بصفات أسطورية، مقابل الإسلاميين المتشددين الإرهابيين الذين يمثلون الشر. فـ""المسلسل" يعكس منطق اللعبة الصفرية التي تمارسها وتجيدها كافة الأنظمة السلطوية، والتي تقوم على مبدأ: إما نحن وإما هم.
كما استهدف المسلسل تكريس الانقسام المجتمعي وقطع الطريق على أي أمل في لم الشمل الوطني، فالمسلسل يحتوي على كثير من الرسائل لكن أكثرها خطورة على الإطلاق هو تعميق تكريس الانقسام السياسي في مصر. الذي بدأ في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م.
ويمكن فهم أهداف ورسائل مسلسل "الاختيار" من خلال اعتماد النظام على الاستغراق في نظرية "صناعة العدو" وتكريس الانقسام المجتمعي، ويقصد بالعدو هنا "الإسلاميون وكل معارضي النظام عموما" بعد أن بات الاحتلال الإسرائيلي صديقا وحليفا وعلى هذا الأساس يصر النظام على تقسيم المجتمع المصري واعتبار نصفه على الأقل من الإسلاميين عدوا له منذ انقلاب 3 يوليو 2013م، ويتم توظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة لنسج الأكاذيب وفبركة الأخبار والقضايا والتهم حول هذا العدو "الوهمي" (الإرهاب) الذي يتسع بحسب أهواء النظام ليضم جميع الإسلامين الرافضين لانقلابه، كما يتسع ليضم قوى علمانية أبدت معارضتها لسياسات النظام وتوجهاته.
فالإرهاب هو البعبع الذي صنعه النظام بنفسه ويبالغ في تضخيمه من أجل توظيفه سياسيا وإقليميا ودوليا لخدمة أهداف ومصالح النظام حتى لو تعارضت مع الأمن القومي المصري.