لماذا يتبجح نظام العسكر أمام الإدانات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان؟

- ‎فيتقارير

رغم أن انتهاكات حقوق الإنسان والمعتقلات والقتل خارج نطاق القانون والاخفاء القسرى والتصفيات الجسدية، تمثل وصمة عار لأنظمة العسكر منذ انقلاب الدكتاتور جمال عبد الناصر عام 1952 وحتى انقلاب الطاغية عبدالفتاح السيسي فى 3 يوليو 2013 على أول رئيس مدنى منتخب فى التاريخ المصرى الشهيد محمد مرسى إلا أن عصابة العسكر ــ كعادتها ــ تتبجح، وتزعم فى كل مناسبة وبدون مناسبة أنها دولة قانون، وأنه لا يوجد معتقلون سياسيون فى السجون، وأنه لا يوجد اعتقال تعسفى؛ بل إن السيسي نفسه عندما يلتقى مسئولين غربيين وتثار قضية حقوق الإنسان والانتهاكات الصارخة فى دولة العسكر، يزعم فى لغة ركيكة ساقطة أن حقوق الإنسان فى الغرب تختلف عن حقوق الإنسان فى دولة العسكر، وأن نظامه القمعي يمارس حقوق الإنسان بطريقته الخاصة – الاجرامية – وليس بطريقة الغرب، مدعيا أنه يكافح الإرهاب، ويتجاهل أنه الإرهابى الأول ليس فى مصر فحسب بل على مستوى العالم كله.
 وكان سامح شكري، وزير خارجية الانقلاب، قد زعم خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان عدم وجود أى اعتقالات في صفوف المعارضين المصريين، وادعى أنه لا يوجد حجز تعسفي في مصر؛ لأن احتجاز أي شخص يتم وفقا للقانون، وبقرار من النيابة العامة وفق تعبيره.
جاءت تصريحات وزير الخارجية الانقلابي، ردا على سؤال صحفي لإحدى الوكالات الفرنسية، عما إذا كان وزير خارجية فرنسا قد طرح قضية الاعتقالات التعسفية وسجناء الرأي خلال لقائه بقائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي.
وزعم شكري أنه ليس هناك حجز تعسفي، ولكن حجز وفق القانون وقرارات النيابة العامة، وكل ما هو مكفول من الحماية للمتهم. وادعى أن مصر فى عهد العسكر دولة قانون وتحترمه، ولديها سلطة قضائية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة وفقا للقوانين والتشريعات، ولديها القدرة على توفير الحماية للمجتمع المصري، واتخاذ القرار الذي يعزز امتثال الجميع للقانون حسب زعمه.
لكن الواقع أن الانتقادات الدولية لانتهاكات نظام العسكر في مصر لحقوق الإنسان أكبر من أن يداريها نظام عسكري اغتصب الحكم بانقلاب عسكري؛ وقد عصفت التقارير والبيانات الدولية بأكاذيب النظام وادعاءته وفضحت جرائمه الوحشية التي جرى توثيقها بكل أدوات التوثيق.

رايتس ووتش تدين
 من جانبها قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن مصر في عهد عبدالفتاح السيسي باتت مكانا يعرّض فيه المدافعون عن الحقوق أنفسهم لخطر داهم. واستنكرت المنظمة الاعتقالات والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان؛ واعتبرت ذلك تصعيدا للعدوان على الحقوقيين، بما فيه الإخفاء والتعذيب والاعتداءات الجسدية في وضح النهار.
وقالت إن الاعتقالات المتواصلة للمدافعين عن حقوق الانسان تمثل تصعيدا خطيرا من جانب سلطات العسكر ضد ناشطي ومنظمات حقوق الإنسان. ودعت "هيومن رايتس ووتش" الكونجرس الأمريكي إلى التحرك إزاء "تغاضي" إدارة "دونالد ترامب" عن انتهاكات السيسي وجرائمه ضد حقوق الإنسان. وشددت على ضرورة أن يوجه المشرعون غضبهم نحو تشريع يربط المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر بحقوق الإنسان، ويجرد إي إدارة أمريكية من القدرة على التنازل عن هذه الشروط.

أدوات قمعية
وانتقدت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، الأدوات القمعية التي يستخدمها "السيسي" ضد الشعب المصري، معتبرة أنها شبيهة بتلك الأدوات التي كان يستخدمها سلفه المخلوع "حسني مبارك" مثل استبدال الاعتقال الإداري بالحبس الاحتياطي أو ما يعرف بتدوير المعتقلين. وأكدت أن السيسي يعتقل الآلاف من المنتقدين السلميين لنظامه الانقلابى الدموى وسط تعطيل لضمانات المحاكمة العادلة.
إدانة أوروبية
وفى ضربة من العيار الثقيل لنظام السيسي، ندد 66 نائبا أوروبيا فرنسيا، من مختلف الأحزاب السياسية، بأوضاع حقوق الإنسان في دولة العسكر والتشدد غير المسبوق في القمع داعين إلى الإفراج عن المعتقلين داخل السجون والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وقال الموقعون المنتمون في معظمهم إلى حزبي "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي و"الجمهوريون" والمدافعين عن البيئة واليسار بحسب تقرير نشره موقع صحيفة "لوموند" الفرنسية أن الشعب المصري نزل في 25 يناير 2011 إلى الشارع للمطالبة بلقمة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وبعد 10 سنوات النتيجة واضحة: التغيير الذي طالبوا به لم يحصل.
وأضاف النواب : إننا نشهد تشددا غير مسبوق للقمع الذي يمارس اليوم بحق المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين والمحامين والصحفيين. وذكر النواب بوفاة المواطن الأمريكي "مصطفى قاسم" في السجن، جراء إضراب عن الطعام وإهمال صحي، ووفاة آخرين بسبب البرد.  وأعربوا عن قلقهم الشديد لهذه الأوضاع المأساوية، معتبرين أن صمت سلطات العسكر وتجاهلها المطالبات الدولية مرفوض وطالبوا السلطات الفرنسية بالتحرك للإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان المسجونين ظلما في سجون السيسي.
التنسيقية المصريةوأكدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن السنوات الماضية شهدت ترديا في أوضاع سجون العسكر، وزيادة انتهاكات حقوق المعتقلين السياسيين، إلى الحد الذي أصبحت فيه السجون وسيلة انتقام من المعارضين وأصحاب الرأي.
معاناة المعتقلين

وقالت التنسيقية في تقرير لها عن انتهاكات سجون العسكر، إن معاناة المعتقلين مستمرة، موضحة أنه رغم أن الهدف العام من إنشاء السجون هو تهذيب السلوك المنحرف للخارجين عن القانون، فإن السجون في أوضاعها المتردية الحالية، وما رصدته التنسيقية من تزايد الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين، يؤكد أن السجون ابتعدت عن الهدف الرئيسي لها.
وشدد التقرير على أن سجون العسكر أصبحت وسيلة للانتقام من المعارضين وأصحاب الرأي، وأصبحت سيًفا مسلولا، يتخلصون بواسطته من المعارضين ببطء ممنهج ومع سبق الإصرار. وأشار الى أن الانتهاكات تشمل جميع سجون العسكر في مختلف محافظات الجمهورية، مما دفع العديد من المعتقلين الى تنظيم إضرابات عن الطعام احتجاجا على تلك الانتهاكات التى لا تتوقف.
وتساءلت مجلة ميدل إيست آي: لماذا يصمت الغرب على الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في مصر؟، وقالت المجلة فى تقرير لها عن انتهاكات حقوق الانسان فى عهد العسكر ان قضية "الرئيس محمد مرسي" كشفت الوحشية المطلقة لديكتاتورية "السيسي" مشيرة الى أنه منذ انقلابه فى 3 يوليو 2013 بنى نظام السيسي 18 سجنا جديدا. ورغم ذلك، تبقى السجون مكتظة بشكل كبير، مع وجود زنزانات تضم ما يصل إلى 80 فردا.
واشار التقرير إلى أن "السيسي" ادعى في عدة مناسبات أنه لا يوجد سجناء سياسيون في مصر، ويزعم أن المسجونين هم متطرفون يهددون المجتمع. وتؤكد ميدل إيست آي، أن الواقع يكشف أن هناك ما يقدر بنحو 60 ألف سجين رأي معتقلون في ظروف مروعة. ويُحرم السجناء من الطعام الكافي، ويتم حجب الأدوية والعلاج الطبي عنهم. وبحسب التقرير، فإن السجناء يتعرضون للإكراه والتعذيب للاعتراف باتهامات يتم إملاؤها عليهم. ويتم منع عائلاتهم بشكل روتيني من الوصول إليهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمحامين، الذين يواجهون الاعتقال أيضا إذا أزعجوا سلطات الانقلاب عبر متابعة حقوق موكليهم.
وحشية مطلقة

وكشف التقرير أن الإساءة وسوء المعاملة لا تتوقف عند السجون. فبحسب قانون انقلابى صادر عام 2014، تم تصنيف مراكز الشرطة كسجون، مما يتيح لسلطات العسكر احتجاز الأشخاص هناك لفترات طويلة من الزمن. ولفت الى أن "هيومن رايتس ووتش" أكدت أن بعض المحتجزين ماتوا بعد تعرضهم للتعذيب أو الإيذاء البدني. والعديد منهم ماتوا لاحتجازهم في زنزانات شديدة الاكتظاظ أو لعدم تلقيهم رعاية طبية كافية رغم معاناتهم من أمراض خطيرة.
وانتقد التقرير استخدام المحاكم العسكرية على نطاق واسع في مصر والتى تخدم النظام بشكل جيد، حيث يصبح عبء إثبات التهم أقل بكثير. وقد حوكم حتى الآن أكثر من 15 ألف شخص، من بينهم 150 طفلا، في المحاكم العسكرية، فضلا عن المحاكمات الجماعية المتكررة التي تحرم المعتقل من أي حق قانوني في مناقشة قضيته بشكل فرد ي.
وأكد تقرير ميدل إيست آي، أن "مذبحة رابعة" كشفت عن تسييس النظام القضائي بالكامل، ففي أغسطس 2013، تم قتل ما لا يقل عن 817 شخصا على أيدي شرطة وقوات أمن الانقلاب، ولم يتم إلقاء القبض على أي شخص، ناهيك عن إجراء تحقيق لمعرفة سبب هذا العدد من القتلى. وبدلا من ذلك، تم القبض على مئات المحتجين وأعضاء أحزاب المعارضة وعدد من الصحفيين.