ضرب وسحل وشتائم وإهانات.. كرامة المعلم ضاعت في عهد الانقلاب

- ‎فيتقارير

المعلم الذى قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقى : «قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، ضاعت كرامته فى عهد الانقلاب الدموى بقيادة الطاغية عبد الفتاح السيسي، وأصبح يتعرض لجميع أشكال الاعتداء والشتائم والتسفيه داخل المدارس وخارجها، بل يطاره البلطجية ويعتدون عليه دون أن يجد حماية من النظام العسكري واجهزته الأمنية، بل إنه يواجه أحيانا اعتداءات ظالمة من جانب عناصر الشرطة الذين يفترض بهم أن يكونوا مصدر الأمن والأمان.
من جانبها، كشفت نقابة المهن التعليمية، عن عدد من حالات الاعتداء التي تعرَّض لها معلمون خلال العام الدراسي الحالى، ونشرت النقابة في بيان مطوَّل عبر صفحتها الرسمية على موقع التوصل الاجتماعي، فيسبوك، تفاصيل بعض الوقائع وفقًا للنحو التالي:
أولا، عملية جراحية بسبب آلة حادة، في مركز سمنود بمحافظة الغربية، حيث اعتدى ولي أمر طالب على معلم بمدرسة سمنود الإعدادية الجديدة بنين، مستخدمًا آلة حادة مما استدعى إجراءه عملية جراحية، ما دفعه إلى توجيه رسالة حزينة "أفكر جديا في الاستقالة من التعليم". وقال المُدرس، إنَّ مشاجرة وقعت بين طالبين وفضها، بعدها جاء والد طالب إلى المدرسة وقال : أنا جاي أضربك؛ وأخرج سلاحا واعتدى عليَّ، وأصابني بكسر أسفل الركبة الأمر الذي استدعى نقل عظمة من الحوض لمعالجة هذا الكسر.
ثانيا، أسلحة بيضاء وجرح قطعي في الوجه، وفي المحلة الكبرى؛ اعتدى 4 أشخاص بينهم ولي أمر، على مُعلم بمدرسة جلال الدين الابتدائية بعد اقتحام المدرسة، بسبب دفاعه عن تلميذ، ما أدّى إلى إصابته بجرح قطعي في الوجه، مستخدمين أسلحة بيضاء. وأكّد العاملون في المدرسة، أنَّ ولي أمر طالب حضر برفقة صديقه لضرب طالب اعتدى على ابنه في اليوم السابق، وقتها تدخل المدرس لمنع ذلك، فقام ولي أمر الطالب بالاعتداء على المدرس بمعاونة أشخاص آخرين.
ثالثا، مشاجرة بسبب "سيجارة"، ومن أبرز حالات الاعتداء التي تم رصدها، وقعت حينما نشبت مشاجرة بين معلم وطالب داخل مدرسة الثانوية الفنية الزراعية بنجع حمادي بقنا، حيث شاهد المدرس طالبًا يدخن سجائر أثناء الحصة فطلب منه إطفاءها وإلقاءها من يده فرفض الطالب، وعلى إثر ذلك أخذ المدرس السجائر منه عنوة، الأمر الذي أعقبه تعدى الطالب على المعلم ونشبت مشاجرة بينهما.
وتعليقا على هذه الاعتداءات، يقول خلف الزناتي نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب، إن النقابة تتابع بشكل لحظي قضايا المعلمين في كافة المواقف والأحداث، مشيرا إلى أن النقابة تتخذ كافة الإجراءات القانونية التي تحافظ على كرامة ومكانة المعلم.
وشدد نقيب المعلمين فى تصريحات صحفية، على أن النقابة لم ولن تدخر جهدًا في الدفاع عن حقوق المعلمين، مناشدًا كافة الجهات المعنية بضرورة إصدار تشريع يغلظ عقوبة الاعتداء على المعلمين من أجل الحفاظ على كرامتهم.
 

سلوكيات الطلاب
حول هذه الظاهرة، أعرب الدكتور مجدي بدر، أستاذ علم اجتماع الأسرة بجامعة الإسكندرية، عن أسفه لتراجع دور المدارس بشدة، بسبب انتشار ظاهرة البلطجة بداخلها، سواء من جانب بعض الآباء أو التلاميذ وحتى من بعض المعلمين. وقال بدر فى تصريحات صحفية، إن الآباء عندما يتطاولون على المعلمين، فإن هؤلاء يعودون إلى الانتقام من أبنائهم، ويعاملونهم بمنتهى القسوة كردّ اعتبار لهم. وطالب بضرورة تخصيص درجات مرتفعة على سلوكيات الطلاب، تكون مؤثرة في مستقبلهم التعليمي، ووقف التصالح مع الآباء المتجاوزين، مع إبعاد المعلمين الذين يرتكبون العنف عن التدريس نهائيا. لكن هذا الطرح له كثير من المساوئ؛ لأنه تخصيص درجات مؤثرة على السلوك من شأنه أن يمنح المدرسين قوة تعزز نفوذهم لإجبار الطلاب على الدروس الخصوصية.
ويقرُّ الدكتور عادل عامر خبير سياسى واجتماعى، أن العنف المستشرى فى مدارس مصر المحروسة أصبح ظاهرة مقلقة وكابوسًا يهدد العملية التعليمية؛ نتيجة اختلال العلاقة بين التلاميذ والمعلم، موضحا أن العنف فى المدارس غالبا ما يكون من جانب التلاميذ ضد المعلم؛ وهو ما يلقى بظلال كثيفة من الحسرة على الأيام الخوالى حين كان للمعلم مهابة ومكانة بين قلوب التلاميذ وأولياء أمورهم لا تدانيها مكانة، وذلك بسبب تبنيهم للتوجيه النبوي"خيركم من تعلم العلم وعلمه".
وكشف عامر أن التغير الاجتماعى واهتزاز النظام القيمى فى المجتمع يؤدى لإحباط شامل يتملك التلميذ والمدرس والأسرة؛ فالمدرس لا يقوم بواجبه كما يجب وصورته كقدوة اهتزت وفقد الاحترام فى عيون الطلبة؛ مما يدفعه إلى محاولة إثبات وجوده بالعنف النفسى أو البدنى لعله يجبرهم على الاحترام. إلى جانب اختفاء الأنشطة الترفيهية فى المدارس التى كانت تجعل المدرسين والطلبة كأسرة واحدة وتفرغ طاقات الطلبة فى ممارسة الرياضة أو الحفلات أو غيرها.
 

ميول عدوانية

ولفت عامر إلى أن ظاهرة العنف بين الطلاب لا تنبعث من فراغ بل هناك الكثير من الأسباب النفسية والاجتماعية التى تغذى هذه الظاهرة. حيث أكدت دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تنامى الميول العدوانية بين الطلبة التى ارتفعت إلى نحو 33 % من بين من يشاهدون القنوات الفضائية ونحو 30% من بين من لا يشاهدون القنوات الفضائية. وذلك بسبب مشاهدة المواد الإعلامية المتضمنة لأفعال ومظاهر العنف إلى جانب وجود عوامل أخرى أسرية وبيئية مؤثرة فى السلوك، مثل أساليب التنشئة الوالدية الصارمة للأبناء، وتنامى دوافع الغيرة والكراهية والرغبة فى الانتقام لدى الطلبة.
وأعرب عن أسفه لأن بعض أولياء الأمور يمارسون العنف والضغط تجاه أبنائهم، بما يعزز من شعور العنف لديهم فيقومون بتفريغ الشحنات العدوانية والغضب فى أعماقهم من خلال المشاحنات والمشاجرات مع زملائهم الطلبة، كما أن بعض البرامج التلفزيونية العنيفة قد تساعد على زيادة السلوك العنيف، وقد تصور مظاهر العنف كأعمال بطولية ورجولية من خلال تبنى الشللية والعصابات فضلا عن أن نقص الوازع الدينى قد يقلل من التآخى والتكافل والترابط بين أفراد المجتمع.
دورات تأهيلية
ويطالب أيمن عبد العزيز البيلى باحث تربوى، بضرورة البدء فى تنفيذ مشروع (تعلم بلاعنف) وتجربته على عدد من المدارس، وتدريب كل أطراف العملية التعليمية (معلم وطالب وإدارة وولى أمر) على تعلم وتعليم الديمقراطية، وإعادة تأهيل الإخصائيين الاجتماعيين لتمكينهم من التعامل مع المتغيرات السلوكية الجديدة المكتسبة نتيجة التغيرات التى حدثت فى المجتمع اقتصاديا وفكريا، وتنظيم دورات تاْهلية لأولياء الأمور فى كيفية التوجيه والإرشاد لإبنائهم للحد من سلوكياتهم العنيفة. وتفعيل البروتوكولات الموقعة بين وزارة التربية والتعليم والوزارات المختلفة لتحويل المدارس إلى مراكز تنويرية للبيئة المحيطة بها بمشاركة التلاميذ فى الإعداد والمساهمة. إضافة إلى ضرورة تبنى الدولة مشروع (المدرسة الشعبية) أى تبرع أفراد الشعب لبناء المدارس للوصول لمعدلات الكثافة التى يمكن معها الوصول إلى معدلات الجودة العالمية فى التعليم ومن ثم تنخفض نسبة العنف. علاوة على ضرورة تطوير طرق التدريس لتتناسب مع تكنولوجيا التعليم، وبالتالى يتغير دور المعلم من ملقن إلى مبسط وميسر ومنسق، ويكون أحد مصادر التعلم والمعرفة وليس المصدر الوحيد، ومن هنا تتطور وترتقى العلاقة بين المعلم والطالب من قاهر ومقهور الى صديق وصديق مما يؤدى تدريجيا الى انعدام ظاهرة العنف بين الطالب والمعلم، وتطوير المناهج بجعلها دافعة الى التفكير والبحث، وتغيير نظم التقويم (الامتحانات) للتقليل من ظاهرة الدروس الخصوصية وإعادة المدرسة إلى دورها التربوى والتعليمى وإعادة كرامة وهيبة المعلم مرة أخرى كصانع للأجيال من خلال دوره التربوى والتعليمى