تقليص إنفاق الدولة على المساجد لتوفير اللقاحات.. فماذا عن الكنائس؟!

- ‎فيتقارير

في كشف جديد لمخططات رئيس الانقلاب الديكتاتور عبدالفتاح السيسي ضد معالم الإسلام في مصر، جاءت تصريحات عضو برلمان العسكر محمود بدر الذي تديره مخابرات السيسي؛ وبالتالي فحديث بدر حتما جاءه عبر رسالة من جهاز الـ"سامسونج"، الذي تدير به أجهزة السيسي الإعلام والبرلمان وجميع مؤسسات الدولة.
وكان محمود بدر الشهير بـ"بانجو" صرح الأربعاء 3 فبراير 2021م خلال جلسة برلمان الانقلاب: «لو جهود تجديد الخطاب الديني كانت حقيقية، لكانت الأموال التي تنفق على المساجد تم تخصيصها لغرف العناية المركزة والمستشفيات خاصة في ظل جائحة كورونا»!!
التصريح الغريب صدم الشارع المصري، لغرابته ووقاحته، ولا يمكن فهمه إلا في سياق حرص العصابة على تبرير فشل النظام العسكري في إدارة قطاع الصحة لمواجهة تفشي جائحة كورونا، في ظل الانهيار الواسع لمنظومة الصحة وغياب أي مقومات داخل المستشفيات لرعاية المصابين بالعدوى وعدم توافر الأكسجين حتى عن غرف العناية المركزة. ويكفي أن نسبة الوفيات للمصابين بمصر تزيد عن 10% بينما النسب العالمية لا تتجاوز 2%، وهي نسبة كبيرة جدا وضعت مصر في تصنيف متقدم كدولة تعايش الوباء، وهو ما جعل المانيا ودول أوربية تحذر من السفر لمصر، لارتفاع وتفشي الوباء وتردي الخدمات الصحية والطبية.
وعبرت تصريحات بدر عن ما يخطط له نظام السيسي عبر وزير الأوقاف مختار جمعة لتخفيض ميزانيات الوزارة فيما يخص المساجد بالمخالفة لقواعد الفقة والأوقاف ودستور الدولة. حيث سبق وأن اقدم وزير الأوقاف بتقليص الموارد المالية المخصصة لنظافة وفرش المساجد كما فرض على المساجد وروادها جمع تبرعات لدفع فواتير الكهرباء للمساجد.
ويمارس نظام السيسي حربا شاملة على شعائر الاسلام، عبر التضييق على المساجد وإغلاق أكثر من 100 ألف مسجد وزاوية صغيرة، بحجج مكافحة الإرهاب، كما يرفض تعيين الأئمة والخطباء منذ عدة سنوات، بجانب منع خطب وصلوات الجمعة في الكثير من المساجد، وتعطيل تعيينات أئمة المكافأة والذين يتولون مساجد قائمة ويتقاضون جنيهات معدودة رغم عملهم لسنوات طويلة. وفي سياق متصل، يتحذ السيسي الهجوم على المساجد وممارسات المسلمين مجالا واسعا للانتقاد الموجة للإسلام، تحت شعار تجديد الخطاب الديني، والذي يهاجم به السيسي مؤسسة الأزهر منذ انقلابه العسكري واغتصابه السلطة بعد مسرحية انتخابات 2014م.

حرب مستمرة
بدأت حرب السيسي مبكرا ضد المساجد، فمنذ 2016، أجرى جيش السيسي مناورات تدريبية يوم20 يوليو 2016م خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، وكانت الصدمة المدوية أن التدريب الأساسي لهؤلاء الطلاب المتخرجين حديثا من القوات الجوية هو استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله! وحين أبدى المسلمون استياءهم من هذه “الإهانة الصادمة” لم يكترث رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش الذين كانوا شهودا على الجريمة؛ ولم يقدم نظام الانقلاب ولا المؤسسة العسكرية المصرية اعتذارا عن هذه الإساءة وتلك الجريمة، وراحت ألآلة الإعلامية لنظام العسكر في مصر تبرر هذه الخطيئة بأنها جزء من تدريب الجنود على قصف المساجد التي يتحصن بها الإرهابيون حتى تزول الرهبة من نفوسهم، لكن الرسالة كانت قد وصلت في تأكيد على أن الانقلاب قد طال كل شيء في البلاد فهو انقلاب على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب، بذات القدر الذي مثل فيه انقلابا على المسار السياسي الديمقراطي الذي أنتجته ثورة يناير 2011م. ومن دواعي الأسف أن الأزهر التزم الصمت أمام هذه الجريمة ولم ينطق أحدهم بكلمة.

وبرهنت ممارسات السيسي أن عداءه للمساجد بات لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ ويكفي آلاف المشاهد والصور ولقطات الفيديو التي جرى بثها ونشرها حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات الثورة لعشرات المساجد والمآذن التي دمرها السيسي والتي أصابت ملايين المسلمين في مصر والعالم بصدمة وغضب لا يعلم مداه إلا الله. ويكفي أن رئيس الانقلاب قد اعترف بشكل سافر بهدم نحو 105 مسجدا على طريق محور ترعة المحمودية الذي يربط محافظة البحيرة بالإسكندرية. وبرر السيسي هذه الخطيئة بأن هذه المساجد مخالفة وأقيمت على أرض الدولة.. وحتى يونيو 2014 بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدر قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون. وفي يوليو 2016 وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية. وبعيدا عن أعين الإعلام، وفي مايو 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد “الوالدين”، و”الفتاح”، و”النصر”، و”قباء”، و”قمبز”. وسبق أن هدمت قوات الجيش مساجد أخرى في سيناء عبر قصفها بالطائرات المروحية -خصوصا في مدينتي رفح والشيخ زويد- بدعوى محاربة الإرهاب.
ولا يمكن الفصل بين هدم عشرات المساجد حاليا وجريمة العدوان السافر على مسجد رابعة العدوية.. ومنع وزير الأوقاف مختار جمعة الصلاة في قرابة 25 ألف مسجد وزاوية. وخاطب الوزير المحافظين بحظر بناء المساجد والزوايا أسفل العمارات السكنية أو بينها دون إذن مسبق من الوزير “كي لا توظف لأغراض لا تتفق مع الخطاب الديني”، كما جرى غلق المساجد في أعقاب الصلاة مباشرة، وإقرار الخطبة المكتوبة، في تأكيد على احتكار الإسلام الذي جرى تفصيله على مقاس الحكام وأهوائهم. وتأكيدا على هذا الاضطهاد الديني ضد المسلمين فإن السيسي في الوقت الذي يهدم فيه عشرات المساجد، أنفق نحو 100 مليون جنيه على ترميم معبد يهودي بالإسكندرية (معبد إلياهو هانبي في شارع النبي دانيال بوسط الإسكندرية)، رغم أن المعبد لا تقام فيه الصلاة أساسا لعدم وجود نصاب قانوني من الجالية اليهودية يكفي لإقامة الصلاة فيه؛ فعدد الجالية اليهودية في مصر كلها ست نساء فقط! وهو ما دفع الكيان الصهيوني إلى تقديم كل معاني الشكر والعرفان لقائد الانقلاب في مصر.

دعم الكنائس
بينما يتعامل السيسي ونظامه بازدواجية مشينة تجاه دور العبادة المختلفة؛ ولا برهان على ذلك أكبر من التعامل الهادئ مع ملف الكنائس المخالفة حيث جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016، وتشكيل لجنة رئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والتي تم تشكيلها في يناير 2017، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية 6 وزراء، هم: الدفاع والإنتاج الحربي، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التنمية المحلية، الشؤون القانونية ومجلس النواب، العدل، والآثار، وممثل عن الطائفة المعنية، بالإضافة إلى ممثلين عن جهات سيادية، كل ذلك بهدف استرضاء الكنيسة والتظاهر أمام الغرب بأن مصر تشهد تسامحا دينيا غير مسبوق، وجرى بالفعل تقنين أكثر من 1600 كنيسة ومبنى مخالف تابع للكنائس. فلماذا لا يتم التعامل مع المساجد المخالفة كما يجري مع الكنائس المخالفة؟ لماذا تهدم المساجد وتقنن الكنائس؟ لماذا هذا الاضطهاد الديني ضد المسلمين في بلد يفترض أنه مسلم وينص دستوره على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟! هذه الازدواجية من النظام تجاه دور العبادة لا تتوقف عند تقنين الكنائس وهدم المساجد في مشهد عنصري بالغ الإساءة للإسلام والمسلمين بل يمتد إلى التعامل بشكل عام؛ فبينما يستبيح السيسي وأجهزته الأمنية المساجد ولا يرى لها ولا لأئمتها حرمة ويسمح لأجهزته الأمنية باقتحامها متى شاءت وكيف شاءت، فإنه شديد التبجيل والاحترام لدور العبادة الخاصة بالأقباط واليهود. وحتى اليوم لا تقدر أجهزة السيسي الأمنية على هدم كنيسة واحدة حتى لو كانت مخالفة أو اقتحامها ولا تستطيع أن تتدخل في شئونها ولا تفرض على القائمين عليها من الرهبان والقساوسة خطابا معينا أو تمنع نشاطا من أنشطتها بخلاف الحصار الصارم على المساجد، فقد جرى تأميم المساجد لحساب وزارة الأوقاف الحكومية التي يشرف الأمن الوطني عليها من الألف إلى الياء، وباقي المساجد الأهلية لا يتولى الإمامة فيها إلا أشخاص معرفون بولائهم للنظام، يسبحون بحمده مهما بلغ شذوذه أو انحرافه، ولا يسمح لهم بأي نشاط دون إذن من الأجهزة الأمنية، ولا يسمح لهم مطلقا بانتقاد أي أوضاع شاذة أو منحرفة تتعلق بنظام الحكم حتى لو كانت بالغة الفجور والإجرام.

وكذلك، فان عداء السيسي للمساجد لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه طالب الدول الغربية بحصار المساجد في بلادها وذلك أثناء مشاركته في قمة ميونيخ للأمن التي انعقدت في ألمانيا في فبراير 2019م، حيث حرَّض الأوروبيين على مراقبة المساجد، وقال إنه دأب في لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين أو من أي دولة أخرى على حثهم على الانتباه لما ينشر في دور العبادة الخاصة بالمسلمين. وربط السيسي ذلك بالحرب على ما يسمى بالإرهاب.. وهو ما يتسق مع تصورات السيسي المشوهة عن الإسلام والمساجد باعتبارها أوكار لتفريغ الإرهابيين وليست دور عبادة تسمو بالروح وتهذب السلوك.