كشف تحقيق لوحدة البحوث المتقدمة والاستقصاء بغرفة أخبار قناة الجزيرة تفاصيل عمليات إنشاء سد النهضة الإثيوبي، الخاصة بعملية التعبئة الثانية له والتي أعلنت إثيوبيا أنها ستنطلق في الخريف المقبل. وكشف التحقيق، الذي اعتمد على صور أقمار صناعية جرى تحليلها فنيا من قبل خبراء ومختصين، أن عملية حجز المياه خلف السد، واللازمة لتعبئته مرة ثانية، تجري على قدم وساق، بينما تحتاج عمليات الإنشاء اللازمة للتعبئة أكثر من 6 أشهر.
وقبل أيام، نددت سلطات الانقلاب في مصر بإعلان إثيوبيا عزمها استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق، واعتبرته محاولة لفرض الأمر الواقع على القاهرة والخرطوم، ودليلا على غياب إرادة أديس أبابا السياسية للتوصل إلى تسوية.
من جانبه، قال وزير الطاقة والنفط السوداني جادين علي عبيد، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، إن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن تعبئة وتشغيل سد النهضة اضطر بلاده لتخزين كميات إضافية في السدود كإجراء احتياطي؛ ما تسبب في تخفيض التوليد الكهربائي المائي، واستمرار الانقطاع المتكرر للكهرباء.
وقال الدكتور محمد ضوينا، المحلل السياسي السوداني، إن إثيوبيا تريد تخزين 85 مليار متر مكعب، وكل مياه النيل لا تتجاوز 80 مليار متر مكعب، مضيفا أن الملء الثاني سوف يستقطع ما يقرب من 14 مليار متر مكعب وهذا يسبب أزمة كبيرة في السودان.
وتوقع ضوينا، في حواره مع برنامج "من الآخر" على تليفزيون "وطن"، أن يحقق التقارب السوداني المصري في تحقيق مكاسب في أزمة سد النهضة، مضيفا أن إثيوبيا كانت تماطل في التفاوض خلال الفترات الماضية بسبب وجود توافق في الرؤى بين دولتي المصب مصر والسودان.
وأضاف ضوينا أن التنسيق بين مصر والسودان في أعلى مستوياته منذ عقود وقد رأينا زيارة عبدالفتاح السيسي للسودان، وقدم السودان مقترحا للوساطة الرباعية في أزمة السد، مؤكدا أن الخيار العسكري ليس مستبعدا في أزمة سد النهضة إذا استنفذ الخيار الدبلوماسي كل أوراقه.
وأشار الدكتور محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود بماليزيا، إلى أن حرمان مصر من مياه النيل الأزرق عقيدة راسخة في التراث الإثيوبي وليس متعلقا بسد النهضة، موضحا أن التراث الإثيوبي منذ 800 عام يشير إلى حدوث اتصالات بين الصليبيين وملك الحبشة عقب هزيمتهم على يد صلاح الدين في محاولة لقطع المياه عن مصر.
وأضاف في حواره مع برنامج "من الآخر" على تليفزيون "وطن"، أنه رغم علم سلطات الانقلاب بكل تلك المؤامرة وقع عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب على اتفاقية إعلان المبادئ في 2015 ومنح إثيوبيا حق بناء سد النهضة، مضيفا أن السيسي حقق حلم إثيوبيا في خنق مصر والسيطرة على مياه النيل.
وأوضح حافظ أن السودان تعود كل عام في بداية شهر مايو على تفريغ سدود الرصيرص وسنار وخشم القربة وجبل الأولياء تدريجيا في بحيرة ناصر تمهيدا لاستقبال الفيضان الجديد، لكن هذا العام لم يقم السودان بهذا الأمر تحسبا لعدم قدوم الفيضان بسبب إقدام إثيوبيا على الملء الثاني لسد النهضة والذي يتوقع أن يستقطع حوالي 14 مليار متر مكعب من مياه الفيضان.
وأشار إلى أن أنه في شهر يوليو الماضي عندما خزنت إثيوبيا 5 مليارات متر مكعب في الملء الأول تسبب في توقف محطات مياه الشرب في جنوب السودان بسبب انخفاض مستوى المياه في النيل عن مستوى مآخذ هذه المحطات، فما بالنا إذا خزنت إثيوبيا 14 مليار متر مكعب هذا العام.
ولفت إلى أن تحقيق "الجزيرة" أشار إلى أن أثيوبيا تعمل على قدم وساق وتسابق الزمن لإنهاء الملء الثاني لسد النهضة، كما ذكر أن التركيبات المعدنية لم تثبت بعد وتحتاج على الأقل 6 أشهر، وهو ما يشير إلى وجود أزمة في التركيبات المعدنية في كتفي السد الذين يحتويان على أنابيب سد النهضة وهذه التركيبات لابد أن تنجز أولا قبل بناء المقطع الأوسط.
ونوه حافظ" إلى أن لجوء سلطات الانقلاب إلى الخيار العسكري دون الانسحاب من اتفاقية المبادئ، موضحا أن الانسحاب من الاتفاقية يمثل جرس إنذار لأديس أبابا والمجتمع الدولي، وأن بدء إثيوبيا رفع الممر الأوسط سيكون مقدمة لحجز المياه للملء الثاني وسيكون من حق مصر حينها الدفاع عن نفسها وضرب السد.