“كمبوندات الأثرياء” تستفز البسطاء وتكرس لتوحش رجال الأعمال

- ‎فيتقارير

باتت الإعلانات الدعائية المختلفة، خاصة في شهر رمضان، لا تقل أهمية عن عرض عشرات الأعمال الدرامية فى ذات الشهر، ويستثمر رجال الأعمال والبيزنس في زمن الانقلاب العسكري ،موسم رمضان 2021، بظهور ممثلين مشهورين يرافقون المشاهد طوال الشهر على الشاشة، من خلال إعلانات أغلبها تدور حول قطاع البناء والتشييد وجزء منها حول الطعام والشراب.
من بين أبرز الإعلانات التي شغلت الرأى العام وأثارت الحفيظة لدى رواد منصات التواصل الاجتماعي ،إعلان مجموعة شركات "زيد ايجيبت" للعقارات الذي شارك فيه عدد كبير من النجوم مثل كريم عبد العزيز، ويسرا، ونيللي كريم، ودينا الشربيني، وشيرين رضا.

استفزاز طبقي

وتواجه إعلانات الكمبوندات الفاخرة، انتقادات من بعض المتابعين الذين يرون أنها مستفزة للسواد الأعظم من المصريين، لا سيما أنها تزاحم إعلانات التبرعات لمستشفيات علاج الحروق والسرطان والقلب وخصوصا في شهر رمضان الموسم الإعلاني الأكبر كل عام.
يروج الإعلان لتجمعات سكنية فخمة في اثنتين من أرقى ضواحي القاهرة وهما مدينتا أكتوبر والشيخ زايد. يدور الحوار بين النجوم في الإعلان حول كسل رواد "زيد زايد" في تلبية دعوة ذويهم من سكان "زيد أكتوبر" بسبب بعد المسافة بين الضاحيتين. بينما اعتبر رواد هذه الأحياء الفخمة أن الإعلان يعبر بدقة عما يشعرون به، أثار الإعلان سخرية الكثير من المصريين البسطاء.

تستحوذ شركات كبرى على نصيب الأسد من سوق الكمبوند، منها 86 شركة عقارية قامت ببناء 254 مشروعا من إجمالى 415 منتجعا تم حصرها، وقامت 14 شركة وحدها ببناء 125 مشروعًا، يأتي على رأسها: مجموعة شركات طيبة جروب، بـ14 مشروعًا، وتأتي مينا للاستثمار العقاري بالمركز الثاني بـ11 مشروعا، وشركات رمكو بـ 10 مشروعات، ويأتي بعد ذلك شركة المعمار جروب، وشركة السادس من أكتوبر.
يذكر أن شركة رمكو تضم 8 شركات، وهي مملوكة لرجل الأعمال أيوب عدلي أيوب، فضلا على شركة السادس من أكتوبر للتنمية والمملوكة لمجدي راسخ، صهر المخلوع الراحل حسني مبارك، أما دار المعمار جروب فيملكها أيمن إسماعيل، بالإضافة إلى مجموعة طلعت مصطفى المنفذة لمشروعات مدينتي والرحاب، وشركة وادي دجلة للتنمية العقارية لرجل الأعمال ماجد حلمي.

انفصال عن الواقع
المعترضون على الإعلانات وصفوها بالمستفزة والعنصرية وطالبوا هيئة الإعلام ببث محتوى مفيد بدلا من الترويج لحياة المنتجعات. يقول مغردون إن المصري البسيط بات يشعر باغتراب أمام هذه الدعايات التي تروج إلى مدن الأحلام وتصور العالم خارج أسوار "الكومباوند" على أنه عالم غير صحي وغير آمن.
ويشير آخرون إلى أن الهوة بين أبناء الشعب الواحد لم تعد مقتصرة على أسباب اقتصادية أو على الفقر، بل أصبحت تشمل نسبة كبيرة من الموظفين وسكان أحياء كانت تعد في السابق مناطق راقية كالمعادي. ويرى كثيرون أن بناء المجمعات المغلقة "يدل على وجود خلل كبير في بنية المجتمع"، ويضيفون بأن "محاربة الفقر وإرساء الأمن لن يتحقق ببناء مشروعات تجميلية تستفيد منها مجموعة محدودة من الأثرياء". في حين تقول مواقع إعلامية مقربة تديرها المخابرات العامة، إن "الإعلان موجه لطبقة بعينها، وأن هناك مغرضين يريدون تشويه إنجازات القطاع العقاري"!

المجمعات المسّورة
الحديث عن التفاوت الطبقي يطول، ولا يقتصر على بلد أو مجتمع بعينه، بل إن بعض خبراء علم الاجتماع يعتبرونها ظاهرة طبيعية وجدت على مر العصور. لكن في الآونة الأخيرة بدأت تطرح تساؤلات حول مستقبل العقد الاجتماعي بين الناس، في ظل انتشار التجمعات السكانية المغلقة والمعزولة حول العالم.لطالما شيدت مبان وأحياء تدعم فكرة التمييز بين الطبقات. وقد عرفت القاهرة كغيرها من المدن الكبيرة، تلك المباني والأحياء.
ضمت تلك الأحياء بنايات ونواد يقتصر دخولها على الأجانب أو أبناء الطبقة الغنية، إلا أنها كانت مناطق مفتوحة أمام جميع سكان القاهرة، فهي امتداد عمراني لمصر القديمة، بحسب ما قاله خبير علم الاجتماع بالجامعة الأمريكي، سعيد صادق. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت المجمعات السكانية المسورة المعروفة بمدن الأحلام أو "الكونبودات" بالظهور وبدأ موسم الهجرة نحوها. ويصف صادق سكان الوحدات السكنية المغلقة بالمجتمع "المتنوع Cosmopolitan"، فعادة ما يرتبط أصحابها بعلاقات دولية وإقليمية، فيما يلتحق أبناؤهم بمدارس أجنبية. كما يحرص بعضهم على قضاء العطل خارج البلاد.
ويسهب صادق في ذكر الأسباب التي أسهمت في انتشار تلك المجمعات، فيذكر أيضا التوسع العمراني غير المنظم، الذي حول الأحياء القديمة الراقية إلى مناطق مهملة، محاطة بأحياء عشوائية يرتفع فيها منسوب التلوث والاكتظاظ.كل ذلك دفع بعض الأثرياء إلى بيع منازلهم والتوجه إلى المدن المسورة بحثا عن حياة أمن ورفاهية أعلى. وقد نتج عن ذلك عقد اجتماعي جديد.

ترسيخ الطبقية
ويرى خبراء علم اجتماع، من بينهم الدكتورة سامية خضر أن الأمر به "ترسيخ للتفاوت الطبقى" . الكمبوندات نتاج طبيعي للعولمة والتغيرات الاقتصادية في مصر والعالم، مشيرة إلى أن نسبة كبيرة من المصريين يعملون في الخارج، وهؤلاء ساهموا في تحقيق انتعاشة كبرى في مجال السكن الفاخر حتى في قراهم الفقيرة بنوا فيها أبراجا مرتفعة تدل على الثراء وتحسن مستوى المعيشة. وارتفعت نسبة الفقر في مصر لأول مرة منذ نحو 21 عاما، حيث وصل إلى 29.7 في المائة من عدد السكان، في بحث الدخل والإنفاق لعام 2019 – 2020. بحسب التقرير الذي نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر ديسمبر من العام الماضي.