خليل العناني يكتب: “الأزهر”.. بحث دائم عن استقلال مفقود

- ‎فيمقالات

يعد الجامع الأزهر واحداً من أقدم المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، حيث تم إنشاؤه قبل حوالي ألف عام على أيدي الفاطميين الذين دخلوا مصر عام 969م. الأزهر ليس فقط مجرد مسجد عادي لإقامة الشعائر الإسلامية، ولكنه أيضاً صرح علمي يأتيه الطلاب من كافة أنحاء العالم الإسلامي من أجل تعلم الدراسات الإسلامية المتنوعة، لذا فإن وزنه وتأثيره يتجاوزان المجتمع المصري كي يصل إلى مختلف البلدان العربية والمسلمة.

ومنذ إنشائه، تمتع الأزهر بقدر واسع من الاستقلال عن السلطة السياسية، وذلك نتيجة اعتماده على موارده المالية التي كانت تأتي من الأوقاف المختلفة التي مكّنته من عدم الاعتماد على الدولة في ميزانيته، ومنذ استحداث منصب شيخ الأزهر في العصر العثماني يتم اختياره بالانتخاب.

وتعود أهمية شيخ الأزهر ليس فقط لمكانته الدينية والروحية لدى المسلمين، ولكن أيضاً لدوره السياسي غير المباشر باعتباره حلقة وصل بين الدولة والأهالي.

وتاريخياً، كان شيخ الأزهر عضواً في الديوان الحاكم بالقاهرة الذي كان يُعقد برئاسة الوالي كل أسبوع لمناقشة أحوال مصر السياسية والاقتصادية والإدارية، وعندما كان يتم عزل الوالي وتعيين قائمقام بدلاً منه كان لا بد من أن يصدق شيخ الأزهر على العزل.

وبدخول الفرنسيين القاهرة عام 1798، كان شيخ الأزهر أهم شخصية سياسية في مصر بعد انسحاب المماليك، وقد أدى قادة شيوخ الأزهر دوراً مهماً في مقاومة الفرنسيين، وأدوا دوراً محورياً في تنصيب محمد علي والياً على مصر أوائل القرن الـ19.

لكن منذ نشأة الدولة الحديثة في مصر تراجع استقلال الأزهر، حيث أصبح تعيين شيخ الأزهر من صلاحيات الحاكم، وذلك منذ عهد محمد علي وحتى الوقت الحالي.

وعلى الرغم من محاولات تغيير هذا الوضع في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، فإن الأزهر ظل تابعاً للمؤسسة الملكية، وقد ازداد الوضع سوءاً بعد الاستقلال وتولي العسكر إدارة شؤون البلاد.

وفي عام 1961، صدر قانون إعادة تنظيم الأزهر الذي أنهى استقلاله، حيث تم إلغاء هيئة "كبار العلماء" التي كانت تقوم باختيار شيخ الأزهر، وتم تقليص صلاحيات شيخ الأزهر في إدارة شؤونه، وتحويل بعض الصلاحيات لوزير الأوقاف، وهو ما زاد التوترات بين الأزهر والدولة في عهدي الرئيسين السابقين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وخلال عهد مبارك أصبح الأزهر تحت السيطرة الكاملة للدولة.

بعد ثورة يناير 2011، نجح الأزهر في استرداد بعض استقلاليته، وذلك حين أصدر المجلس العسكري الذي كان يدير البلاد آنذاك مرسوماً لتعديل قانون عام 1961 الذي أعطى بعض الاستقلالية للأزهر باعتباره "هيئة مستقلة"، وأن يتم اختيار شيخ الأزهر -عند خلو منصبه- بطريق الانتخاب من بين أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر عن طريق الاقتراع السري في جلسة سرية يحضرها ثلثا عدد أعضائها، ثم تنتخب الهيئة شيخ الأزهر من بين المرشحين الثلاثة في الجلسة ذاتها بطريق الاقتراع السري المباشر، ويصبح شيخاً للأزهر إذا حصل على الأغلبية المطلقة لعدد أصوات الحاضرين، وينتخب الإمام الأكبر من قبل هيئة كبار علماء الأزهر، ويتم تعيينه رسمياً من قبل الرئيس مدى الحياة، ولا يمتلك الرئيس سلطة إقالته.

ولعل هذا التعديل هو الذي أعطى استقلالية لشيخ الأزهر عن السلطة التنفيذية، ولعل هذا هو أحد أسباب التوتر في العلاقة بين شيخ الأزهر الحالي الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فعلى الرغم من موافقة الطيب على انقلاب 3 يوليو 2013، فإنه رفض الكثير من سياسات السيسي، مثل الفض الدموي لاعتصام رابعة العدوية الذي راح ضحيته المئات من المتظاهرين السلميين المؤيدين للرئيس الراحل محمد مرسي، وكذلك رفض الآراء الدينية للسيسي في قضايا، مثل الطلاق والميراث ومحاربة الإرهاب وغيرها، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بين الطرفين طوال السنوات السبع الماضية.

وتنص المادة السابعة من الدستور المصري الذي تم إقراره في عام 2014 على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقله يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

وتثير هذه المادة الجدل في أروقة السلطة، حيث سعى نظام السيسي أكثر من مرة لتعديلها من أجل تقليص استقلال الأزهر وضمان السيطرة عليه كما كان عليه الحال قبل ثورة يناير، ولعل هذا ما وضعه في مواجهة مباشرة مع الشيخ الطيب، وهي مواجهة ستظل مفتوحة على كافة الاحتمالات.