عز الجهاد وشؤم التطبيع

- ‎فيمقالات

يومًا بعد يوم تثبت الأحداث أن الْعِزَّ، كل الْعِزِّ، فى الجهاد، تلك الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، وفى التوكل على الله، وموالاة المؤمنين، وما سوى ذلك ففيه الذل والصغار، وشتان ما بين رجل العقيدة الذى لا يعرف المستحيل، وأنصاف الرجال المطبِّعين الذين ابتُلوا بالجبن وقد نسوا الله فصاروا يسارعون فى العدو يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة.

والأحداث شاهدة على ما نقول؛ فهناك كيان لقيط يحمل نصف سكانه جنسيات أخرى، وعُرف أفراده بالجبن (أبًّا عن جد) وأنهم لا يحاربون إلا فى قرى محصَّنة أو من وراء جُدر، ورغم ذلك فإن دعاية هذا الكيان وخطط ساسته أدخلت عشرات من حكام العرب حظيرة التطبيع المذلِّ، مع ما يملكون من جيوش لها ترتيب عالمى ولها ميزانيات تقترب من ميزانية الدولة، وتأتى الاعتداءات على مقدساتنا تترى فما انتفض لذلك جيش ولا عرش، ولا هددهم ملك ولا زعيم، بل يكتفون بإصدار بيانات باهتة بعدما تكون المظاهرات قد خرجت فى البرازيل وجنوب إفريقيا وغيرهما دعمًا لمقدساتنا أو لأهالينا فى فلسطين.

وفى المقابل هناك منظمات جهادية، يحاربها الحكام ليل نهار، يجاملون بذلك أسيادهم، ويحاصرونها ويمنعون عنها الفتيل والقطمير، ويشوهون صورتها ورغم ذلك فإنها الوحيدة التى باتت تتصدى للعدو وتدافع عن شرف الأمة وتقدم التضحيات. فأيهما أحقُّ بالعزِّ والشرف؟ الذين يتشدقون بالوطنية وهم أبعد الناس عنها؟ أم أصحاب شعار «الله أكبر» الذين أفسدوا إستراتيجيات العدو، وهزموا الجيش (الذى لا يقهر!) بعدما انتكست أمامه جيوشهم النظامية، وانتقلوا من المواجهة بالحجر إلى المواجهة بالصاروخ والمُسَيَّرَة؟

يظل المجاهد عزيزًا كريمًا ينال احترام الجميع بمن فيهم عدوه، ويظل«المطبِّعُ» ذليلًا مهانًا يستصغره الجميع؛ لخلوه من العقيدة التى تحمل على البأس والإقدام، وليأسه وجهله وشؤم خيانته وقد استخدمه العدو فى تحقيق حلمه وأخضعه لرغباته، ومن جرَّاء ذلك أصاب شعوبنا ما أصابها من التخلف والفساد وعقم العقول وتردى الأحوال كافة، وقد منعوهم من الإنتاج وألا يمتلكوا غذاءهم ودواءهم وسلاحهم.

لقد عرَّت الأحداث الأخيرة هؤلاء المنبطحين الذين أنهكوا دولهم وفككوا أمتهم وجعلوا شعوبهم شيعًا وأحزابًا. وأثبت المجاهدون الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويسكنون الصحارى والأحراش أنهم أكرم وأعز من أولئك الذين يسكنون القصور وينامون على الرياش ويتزينون بالذهب والماس؛ ذلك أنهم يجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم، فلهم عز الدنيا وشرف الآخرة، غير من رضوا بالذل والدون وأورثوهما لمن تحتهم حتى انتشرت فى الشباب الميوعة التى لا يصلح معها حرب ولا مواجهة.

ينصر الله -تعالى- من ينصره؛ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُركُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ..) [آل عمران: 160]، فهذا شرط أساس للنصر، وهناك شروط أخرى منها الإعداد قدر الاستطاعة والوحدة والصبر وعدم التنازع وعدم الفرار وغيرها، لكن الله -تعالى- أخذ على نفسه العهد بأن ينصر الفئة المؤمنة ولو كانت قليلة العدد ضعيفة الإمكانات؛ ذلك أن الحرب ليست عددًا ولا عدة فقط إنما هى دين وعقيدة قبل كل شىء، وهو ما يفهمه عدُونا ولا يفهمه حكامنا، أو يفهمونه وينكرونه طمعًا فيما هم فيه من نعيم يزول؛ (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249]، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39].

ماذا فعل المطبعون للأقصى وللقدس ولعموم أهل فلسطين وقد ادعوا أنهم «طبَّعوا» لخدمة قضيتهم ودفع الظلم عنهم؟ والحقيقة أنهم أُرغموا على هذا التطبيع لكبح شعوبهم والتنكيل بها لئلا تتطلع إلى التضامن مع إخوانهم فى فلسطين، فصارت أوطاننا سجونًا كبيرة يقبع خلفها الملايين المكبلون الذين لا يستطيعون مجرد التعبير عن نصرة الفلسطينيين. واسأل نفسك: ماذا تفعل سلطة «عباس» الآن وقطعان العدو تدنس الأقصى وطائراته تقصف الأبراج فى غزة فيموت فيها الأطفال والنساء؟ إنه يقمع المسيرات الفلسطينية فى مدن وبلدات الداخل، ويعتقل من خرجوا لنصرة إخوانهم بالتظاهر والهتافات. واسأل نفسك أيضًا: وماذا فعل النظام المصرى؟ وماذا يفعل حكام الإمارات؟ والقائمة تطول لمن خذلوا دينهم وأوطانهم.