قدمت المقاومة الفلسطينية خدمة كبيرة للأمن القومي المصري بعدما أكدت القناة 13 الإسرائيلية أن صاروخ للمقاومة أصاب بشكل مباشر خط أنابيب (إيلات ـ عسقلان) الذي تخطط إسرائيل لتوظيفه ليكون بديلا عن قناة السويس.
هذا الخط نتيجة التواطؤ الإماراتي مع العدو الصهيوني ضد الأمن القومي المصري حين أبرمت اتفاقاً في أكتوبر 2020 مع تل أبيب بقيمة 800 مليون دولار لنقل نفط الخليج عبره لأوروبا كبديل لقناة السويس، وجاء إشعال النار فيه ليعطله نسبيا.
وقالت قناة "كان" الإسرائيلية إن أضرارا ضخمة لحقت بمنشأة خط أنابيب النفط الواصل من عسقلان إلى إيلات جراء سقوط أحد صواريخ القسام عليها وأن الاحتلال الإسرائيلي يتكبد خسائر اقتصادية فادحة بسبب صواريخ المقاومة.
فقد تسببت صواريخ المقاومة الفلسطينية التي استهدفت بشكل غير مسبوق "تل أبيب"، مساء الثلاثاء، في خسائر اقتصادية قاسية للاحتلال الإسرائيلي. ونقلت قناة "كان" العبرية، عن متحدث باسم حكومة الاحتلال قوله إن أضرارا ضخمة لحقت بمنشأة خط أنابيب النفط الواصل من عسقلان-إيلات جراء سقوط صاروخ عليها. وأظهرت مقاطع فيديو تداولها الإعلام الإسرائيلي ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي اشتعال حريق هائل قرب مدينة عسقلان الساحلية جنوب تل أبيب.
كما تسببت صواريخ المقاومة في شل الحركة التجارية والاقتصادية في "تل أبيب"، والتي تمثل العاصمة الاقتصادية للاحتلال، وسط حديث عن خسائر كبيرة لأصحاب المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم التي تضررت من تداعيات القصف. أيضا أعلنت هيئة الطيران المدني الإسرائيلي، تعليق إقلاع جميع الرحلات من مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب على خلفية القصف الصاروخي المكثف، وتم تحويل مسار كافة الطائرات من المطار إلى اليونان وقبرص الرومية.
ما هو خط إيلات عسقلان؟
عقب اتفاق التطبيع الإسرائيلي – الإماراتي تم الكشف عن طموح إسرائيلي يفوق مجرد فتح علاقات اقتصادية وسياسية مع دول عربية، إذ إن تل أبيب تنظر لمكاسب أكبر، بعضها يتعلق بإعادة تموضع على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة.
وكشفت أوساط إسرائيلية أن اتفاق السلام مع الإمارات شمل إعادة تنشيط خط النفط إيلات-عسقلان، ليسيطر على عملية نقل النفط من الخليج لأوروبا، ويخفف الضغط على مضيق هرمز وقناة السويس، ويتسبب بخسائر إيرانية ومصرية.
فما هي طبيعة هذا الخط النفطي الجديد؟ وما هي تبعاته الاقتصادية والاستراتيجية؟ وما مدى أهميته لإسرائيل؟ وكم ستربح منه في حال تشغيله؟ وكم ينقل من كميات نفط الخليج؟ والأهم من هذا كله، إلى أي مدى سيكون تأثيره السلبي على مضيق هرمز وقناة السويس، وبالتالي مصر وإيران؟
تعوِّل إسرائيل كثيراً على هذا الخط الناقل الجديد للنفط إيلات-عسقلان، لأنه قد يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، ويعيد للأذهان العلاقات النفطية الإيرانية الإسرائيلية بين منتصف الخمسينيات والسبعينيات، حين شكلت إيران الشاه بئر النفط الذي لا ينضب لإسرائيل.
تم افتتاح هذا الخط عملياً عقب أزمة الطاقة عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر، وقرار الاتحاد السوفييتي وقف تزويد إسرائيل بالنفط، مما دفعها للبحث العاجل عن مصادر نفطية جديدة، حينها تم مد أنبوب بطول 254 كم بين ميناءي إيلات وعسقلان، ونشأ اتصال بري بين البحرين الأحمر والمتوسط، يستفيد من الموقع الإستراتيجي لإسرائيل عند تقاطع ثلاث قارات، الواصلة بين طرق التجارة البحرية الدولية لإفريقيا والشرق الأقصى وأوروبا.
ويحمل مشروع خط النقل النفطي الجديد العديد من المؤشرات اللافتة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، ويفتح أمام إسرائيل شراكة إستراتيجية، وفرصاً غير مسبوقة، ومنها تقصير مدة نقل النفط من السعودية ودول الخليج في طريقه لأوروبا والغرب، والانفتاح على إسرائيل ودول الخليج كمصدر لاستيراد النفط وتخزينه، وسيجعل إسرائيل ملجأ آمناً للدول المطبعة معها، لأنها ستكون أقل ضعفاً أمام إيران لتراجع اعتمادها الكبير على مضيق هرمز، المتأثر بالتوتر الخليجي الإيراني، واستمرار حرب اليمن، والصراع الأمريكي الإيراني في الخليج.
وإعادة تشغيل خط النقل النفطي إيلات-عسقلان تمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة.
فإسرائيل الأكثر استفادة من الناحية الجيو-سياسية، لأن الخط يمنحها موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويعمق مصالحها مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية لإسرائيل في المنطقة والعالم.
مكاسب إسرائيلية بالمليارات
ويحقق خط النقل النفطي إيلات-عسقلان لإسرائيل أرباحاً بقيمة 3 مليارات في العام الأول، و10 مليارات أخرى بعد 7 سنوات على تشغيله بحسب خبراء اقتصاد. ويرتبط هذا الخط بما أعلنه سابقاً وزير المواصلات السابق يسرائيل كاتس حول تشغيل خط السكة الحديد لربط حيفا والإمارات، لنقل البضائع الخليجية عن طريق البر، بحيث يكون أسرع وأقصر، ويوفر لها سرعة الوصول، مما سيرفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي بعد مرور 10 سنوات إلى 30 مليار دولار، مما يعني ثلث قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية.
وأضاف أنه مقابل هذه المكاسب الإسرائيلية، ستصل الخسائر المصرية للمليارات، وإيران ستتضرر كثيراً، مما قد يُحدث نوعاً من الاحتكاك الحربي لمنع الوصول لمرحلة تفقد فيها إيران قدرتها على إدخال الأموال عبر مضائقها الاستراتيجية، رغم المخاوف الإسرائيلية من عدم نجاح هذا المشروع لارتباطه بتركيا، التي تتخذ موقفاً سلبياً منه.
ضربة لقناة السويس
استمرار هذا الخط الصهيوني الذي جري قصفه يعني أن تفقد قناة السويس بريقها، ويؤذي مصر ومركزها الإستراتيجي، بجانب مضيق هرمز الذي يمر منه 40% من النفط العربي.
إذ يعتبر خط النقل النفطي الجديد إيلات-عسقلان تحدياً كبيراً لقناة السويس المصرية، التي يمر منها 10% من حجم التجارة العالمية، وتخطط مصر لزيادة هذه السعة إلى 12% بحلول 2023، مما سيترك عليها آثاراً سلبية لهذه الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل. لأن هذا الخط الملاحي الإسرائيلي يُعنى بنقل النفط من الخليج لأوروبا، دون المرور بقناة السويس، التي تأتي 17% من عائداتها من ناقلات النفط، وهي أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية لمصر، وأقصر وأسرع ممر مائي.
يتمثل التحدي الحقيقي لقناة السويس من خط النقل النفطي الإسرائيلي في التراجع المتوقع لحركتها التجارية البحرية، التي زادت بنسبة 4.7% لتصل إلى 9545 سفينة في النصف الأول من 2020، مقابل 9114 سفينة مرت عبرها في نفس الفترة من 2019، وزيادة حجم البضائع بنسبة 0.6% في النصف الأول من 2020، ليصل إجماليها إلى 587.6 مليون طن، مقابل 584.1 مليون طن في نفس الفترة من 2019.
وانعكاسات تشغيل خط النقل الإسرائيلي لن تقتصر على الإضرار بالاقتصاد والأمن المصري فقط، بل سيحوّل مصير الخليج الاقتصادي المتمثل بالنفط ليكون واحدة من أدوات الابتزاز الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، بتمكنها من التحكم في نقل النفط وبيعه وفقاً لشروطها وتوجهاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وسيقضي على آمال مصر بتطوير إيراداتها، والحفاظ عليها عبر عائدات القناة، التي تشكل الناقل الرئيسي للنفط من الخليج عبر البحر الأحمر، مروراً بالقناة إلى البحر المتوسط، وصولاً لأوروبا".
وسبق لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع أن حذر من العواقب المحتملة لإمكانية مد خط أنابيب "إيلات-عسقلان" الإسرائيلي إلى الخليج، بغرض تصدير النفط منه إلى أوروبا، وتأثيره على الأمن القومي المصري، وعلى عائدات قناة السويس.
https://www.youtube.com/watch?v=d_wmBLJHbSQ
ولكن في الوقت، نفسه أكد "ربيع"، أن تأثير الخط سيكون محدودا، نظرا لاستحواذ قناة السويس على 66% من إجمالي كميات الخام المحتمل عبورها من قناة السويس والبالغة نحو 107 ملايين طن، مقارنة بـ 55 مليون طن محتملة عبر خط "إيلات-عسقلان". وقال إن أي نقل يتضمن طريقا للسكك الحديدية سيكون تأثيره محدود مقارنة بحاويات النقل البحري عبر قناة السويس، التي يمكنها نقل كميات ضخمة بتكلفة أقل. وأضاف ربيع أن هيئة القناة في الوقت نفسه، تدرس خطة تسويقية وتسعيرية جديدة، كما تعمل الهيئة الاقتصادية للقناة على تطوير صناعات جاذبة للسفن، لإيجاد حلول إذا زاد تأثير الخط الإماراتي-الإسرائيلي المزمع عن الحد التنافسي.