انتهت مناورات "حماة النيل" العسكرية بين مصر والسودان الإثنين 31 مايو 2021م دون أن ترتدع إثيوبيا عن الملء الثاني للسد، بل تواصل إصرارها وعنادها حتى إن رئيس الوزراء الإثيوبي صرح أن بلاده ستبني "100" سد أخرى في استفزاز صارخ كشف عجز النظامين المصري والسوداني عن وقف هذا العناد الإثيوبي عند حده. أمام هذا الاستفزاز الإثيوبي والعناد المتواصل لا يملك النظام العسكري في مصر سوى تحركات دبلوماسية وعقد اتفاقات دفاع مشترك مع دول الجوار الإثيوبي بلغت حتى اليوم خمسة اتفاقات. مع كل من السودان وأوغندا وبورندي وكينيا وكان آخرها جيبوتي التي زارها السيسي الأسبوع الماضي وجدد تصريحاته من هناك بحتمية التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن حول ملء وتشغيل السد في أقرب فرصة ممكنة مؤكدا رفض أي مسعى "‘إثيوبي" لفرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب. يوم الأحد الماضي 30 مايو 2021م، أعلن المتحدث العسكري عن عودة رئيس الأركان محمد فريد بعد اختتام زيارة رسمية إلى دولتي كينيا ورواندا، ناقش خلالها أوجه التعاون العسكري المشترك، والتهديدات التي تؤثر على الأمن القومي. وكان السيسي قد اعتبر أن مياه النيل تمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر، كما تحدث إعلاميون مقربون من النظام العسكري عن أن مصر قد تضطر للقيام بضربة عسكرية للسد إذا لم ينجح مسار المفاوضات.
وتتباين التحليلات حيال المشهد الراهن، فيرى فريق أن الانحياز الأميركي الأوروبي لإثيوبيا والدعوة إلى استنئاف المفاوضات وحل الأزمة سياسيا هو جس نبض لمدى صلابة موقف القاهرة ومدى جديته في شن عمل عسكري ضد السد باعتبارها عملا عدائيا صارخا يهدد الأمن القومي المصري. بينما يرى آخرون أن المواقف الأميركية الأوروبية لن تمثل عائقا أمام توجيه ضربة عسكرية للسد كخيار أخير مع تثر مسار المفاوضات منذ نحو عشر سنوات.
انحياز أمريكي غربي لإثيوبيا
الولايات المتحدة الأميركية والعواصم الغربية تقف موقفا واضح الانحياز للموقف الإثيوبي؛ حيث تتفق الدول الغربية على ضرورة تسوية الأزمة سياسيا دون اللجوء إلى خيار الحرب واستناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي رغم أن هذا المسار جرى اللجوء إليه سابقا عندما رفعت مصر والسودان مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي فرفض بحث الأزمة وطالب بإحالتها إلى الاتحاد الإفريقي الذي فشل في التوصل إلى حل للأزمة. وتترقب المنطقة جولة للمبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان. وتستهدف زيارة فيلتمان التشاور مع قادة الدول الثلاث والقيام بجهود دبلوماسية للمساعدة في حل النزاعات، وعلى رأسها سد النهضة، على أن يقدم تقريرا إلى الرئيس الأميركي جو بايدن حول خطوات حل هذه النزاعات، وفق بيان للبيت الأبيض.
القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية روبرت غوديك حذَّر من أن أي عملية عسكرية بشأن السد ستكون كارثية، مشيرا إلى أن بلاده تبحث في حل الأزمة عبر مرحلتين، تشهد الأولى التواصل بشأن المخاوف الفورية لمصر والسودان بشأن ملء السد وتسعى الثانية إلى التوصل لحل على المدى الطويل لمسألة المياه.
وفي ذات الشأن، قالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي -للجزيرة- إنه لا حل عسكريا للأزمة، مؤكدة أن موقف الاتحاد الأوروبي ومبعوثه لمنطقة القرن الأفريقي يتماشى مع موقف الولايات المتحدة. وكانت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث قد أكدت -خلال مداخلة هاتفية مع المذيع الانقلابي أحمد موسى على قناة "صدى البلد"- أنه ليس هناك حل للأزمة عبر الضغط أو التدخل أو الحل العسكري، مشيرة إلى استمرار المشاورات الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي.
تهديد وجودي لمصر
ويرى الأكاديمي حسن نافعة أن أزمة السد تمثل قضية وجودية، وهناك مخاوف حقيقية من الإصرار الإثيوبي على ملء وتشغيل السد دون اتفاق. وبحسب تصريحات للجزيرة يحذر نافعة من أن الملء الثاني للسد يعني قدرة إثيوبيا على التحكم في مياه النيل بشكل كامل، ولا حقوق لدولتي المصب، مشددا أنه لن يقبل أحد في مصر بهذا المنطق. ورأى أن الأمل يتلاشى تدريجيا في الوصول إلى حل أو تسوية حقيقية للأزمة، ومع إصرار إثيوبيا، فإن ضرب السد سيكون الحل الأخير، مع بقاء الرغبة في إعطاء الحل الدبلوماسي الفرصة كاملة حتى النهاية.
وفيما يتعلق بموقف النظام العسكري في مصر، أكد أن "أي نظام سيفقد شرعيته تماما، إذا أعطى إثيوبي الحق في التحكم في مياه النيل"، مشيرا إلى أن هناك قيودا وضغوطا إقليمية ودولية وحسابات يتعين أن تتم. لكنه استدرك بالقول "ولكن إذا أصرت إثيوبيا على موقفها وذهبت إلى الحد الذي تؤكد فيه أنها ستتحكم في مياه النيل أو تقرر بيع المياه إلى مصر، لن يكون هناك أي حل آخر سوى توجيه ضربة عسكرية لجسم السد أو احتلال المنطقة التي بني فيها".
وبخصوص التحذيرات الغربية الأخيرة، أوضح نافعة أنها لا تعني تغيرا، حيث لم يكن الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة يحبذان معالجة الأزمة من خلال العمل العسكري. وأشار إلى أن التصريحات السابقة التي أدلى بها الرئيس السابق دونالد ترامب -بشأن استهداف مصر لسد النهضة- كانت تحذيرية لأديس أبابا أكثر منها ضوءا أخضر لضرب السد، وبالتالي لم تكن هناك فرصة لعمل عسكري، لافتا إلى أن ترامب نفسه لم يأخذ موقفا حاسما تجاه إثيوبيا حيث كان باستطاعته ذلك.
قيود عسكرية
أما هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية فقد اعتبر أن الموقف المصري بشأن أزمة السد سبق إعلانه على لسان السيسي بأن "هناك خطا أحمر للمساس بمقدرات مصر المائية"، مشيرا إلى أن المناورات العسكرية بالسودان موجهة إلى إثيوبيا بسبب السد وأزمة الحدود (الإثيوبية السودانية).
وقال رسلان -وهو كبير الباحثين في الشأن الأفريقي بالمركز- إن هناك نقطتين تمثلان قيودا على القرار والتحرك العسكري المصري، الأولى تتمثل في أن واشنطن عبرت أنها لا ترغب في عمل عسكري، بما قد يؤدي إلى انهيار إثيوبيا بالكامل. وعبر حسابه في الفيسبوك، رأى أن التقديرات الأميركية تشير إلى أن إثيوبيا في طريقها إلى التفكك، لذلك غيرت موقفها من التسوية وبدأت تستجيب أكثر للمواقف المصرية، وبأنها تريد أن تقول لمصر إن هناك ضوءا في نهاية النفق ولا يجب التسرع في العمل العسكري.
فيما تتمثل النقطة الثانية -بحسب رسلان- في الموقف السوداني الذي يشهد انقساما وعدم وضوح لرؤية مكتملة حول العمل العسكري، في الوقت الذي يعد فيه السد أكثر خطورة على السودان من مصر، حسب اعتقاده.
ويتفق محللون ومراقبون على أن الملء الثاني للسد هو بحد ذاته يمثل تحصينا للسد؛ لأن حجز نحو 10 مليارات متر مكعب من المياه في بحيرة السد يجعل من توجيه ضربة عسكرية له أمرا بالغ الصعوبة لأن هذه الكمية الهائلة من المياه تمثل قنبلة موقوتة للسودان وقد تتسبب حال اندفاعها مرة واحدة في أضرار بالغة للمدن السودانية وعلى رأسها الخرطوم حال تم توجيه ضربة عسكرية للسد.