قضية السد و«عجلة السلام»

- ‎فيمقالات

منذ أن وعينا على الدنيا نسمع جملة: «عَجَلَةُ السَّلامِ»، فى سياق المفاوضات العربية/ الصهيونية؛ فى عناوين مثل (توقف عجلة السلام، تحريك عجلة السلام، دفع عجلة السلام إلخ)، والمغزى من كلمة «العَجَلَة» هو التشهيل وسرعة الإنجاز إذ كانت (عجلات المركبات) وقتها هى الأحدث والأسرع، فضُرب بها المثل.. ومن يومها وإلى الآن لم تنته المفاوضات، ولم تُحلّ القضية، واتضح أن تلك «العَجَلَة» أبطأ من سلحفاة، أو يحق أن تُضرب مثلًا -عكس ما أُطلقت له- فى المشاكسة والتعطيل..

مفاوضات السلام العربية/ الصهيونية كانت -ولا تزال- خديعة لإتمام ما تبقى من حلم دولة الكيان، والموهمون العرب، أو قل: المتواطئون، برعوا فى تمثيل دور المفاوض حتى أقنعوا شعوبهم لفترة أن (شجرة الجميز سوف تثمر بطيخًا)، فلما أفاقت الجماهير اتضح لهم أنها سنونٌ تمرّ وأيامٌ تكرّ ولا رجاء فى المدعو «السلام»..

أما المستفيد من هذا التراخى فهو العدو، والشعوب خاسرة، وبينهما مذعنون من بنى جلدتنا، يطلق عليهم قادة، ورطونا فى هذه الأوهام حتى تمدد الكيان، وبيعت الأرض ومعها الكرامة، واليوم تُمارس على الشعوب حملات قهر وإجبار من أجل إكمال الحلم التوراتى وليكون المغتصبون هم قادة المنطقة وزعماءها من دون العرب.

إذًا كان التفريط منذ البداية، وكان التواطؤ باكرًا، وكان من المفترض حسم الأمور فى مفتتحها كى لا يبقى فى الأمة جرحٌ نازفٌ لا يُعلم متى تبرأ منه.. وكان يجب أن يقود المعركة مخلصون ذوو عقيدة ودين، بدلًا من السكارى التى جلبوا الأسلحة الفاسدة، وقبلوا بالهدنة، وقتلوا البطل «أحمد عبد العزيز» وعاقبوا متطوعى الإخوان المسلمين على تصديهم للعدو وأعادوهم مكبلين إلى مدنهم وقراهم..

والأهم أن تبقى فينا فريضة الجهاد، وأن تتبناها جيوشنا بدلًا من العقائد الشرقية والغربية المائعة والتى أسقطتنا فى الذل والهوان حتى وصلنا إلى هذا الواقع المزرى؛ لولا طاقة النور التى تضىء من داخل القطاع، فى محاولة لتصحيح المسار وقطع الطريق على الأفاكين المستمتعين بالهزائم.

واليوم نحن بصدد خدعة جديدة تتعلق بـ«السد الإثيوبى»؛ فكأن التاريخ يعيد نفسه، فهناك استيلاء على نهر، هو سر حياة شعب يزيد تعداد سكانه على مائة مليون نسمة، وفرض واقع جديد، وهنا تراخ وبرود وإذعان بما يؤكد أن فى الأمر«إنَّ» وإلا لِمَ خُلقت الجيوش؟

هناك سيرٌ جادٌ من جانب المغتصب لإتمام مشروعه، فضلًا عن تهديدات علنية بقطع يد من يمس السد بسوء، وهنا ردود شاذة على طريقة زوج «زليخة»: يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك! وترديد عبارات خانعة مثل: لن ننجر لاستفزازات إثيوبيا، لن نلجأ لاستخدام القوة، سنلجأ للتفاوض والتحكيم ولو طال مداه إلخ تلك العبارات المخزية، والتى تؤكد أن التسويف مقصود حتى يُفرض واقع جديد، كما الواقع القديم، نحن فيه الغارمون.

إن هذه النغمة المنبطحة واللجوء إلى التفاوض واستجداء الجانى، إذا أضفناها إلى التوقيع الذى تم على «إعلان المبادئ» عام 2015 والشروع فى إنشاء محطات التحلية أو الخلط، ودخول أمريكا كوسيط -تؤكد أن الأمر منته، وما تبقى لا يعدو استهلاكًا إعلاميًّا وإلهاء عن الحقيقة التى ستكون غاية فى المرار؛ إذ سيجف الزرع والضرع، وسيكون قرار مصر بأيدى سواها، وسيُستخدم الماء أداة للإذعان، ليس بشرائه فقط، بل بالسماح أو عدم السماح به من الأساس..

ولم يحدث كل هذا إلا لغياب الشرعية عن حكام مصر، واستيلاء فئة مسلحة على دفة القيادة وتشبثهم بها فباعوا النهر وغيره لقاء استمرارهم فى السلطة.