منذ انقلاب 23 يوليو 1952م والذي أدخل مصر في حقبة من الحكم العسكري الشمولي، فاق نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي كل من سبقوه من الجنرالات في ظلمه وفساده وطغيانه؛ وماكانت أحكام الإعدام الجائرة التي أيدتها ما تسمى بمحمة النقض مؤخرا بحق 12 من رموز ثورة يناير وقادة الإخوان المسلمين سوى برهانا على مدى إجرام هذا النظام الذي اغتصب حكم مصر بانقلاب عسكري دموي.
ويتصدر نظام السيسي كل من سبقوه في أحكام الإعدام المسيسة بحق معارضي النظام لاعتبارات سياسية تتعلق بأفكارهم وآرائهم؛ فقد أعدم عبدالناصر طيلة 17 سنة 11 شخصا "يساريان وتسعة إسلاميين على رأسهم الشهيد سيد قطب صاحب "الظلال"، والمستشار عبدالقادر عودة صاحب موسوعة "القانون الجنائي في الإسلام"، بخلاف المئات الذين قتلهم غدرا وغيلة خارج إطار أي محاكمات حتى لو كانت صورية. وأعدم السادات سبعة من الجهاديين في قضيتي الفنية العسكرية ومقتل الشيخ الذهبي. ومبارك كان الأكثر بحوالي مائة إعدام خلال 30 سنة بخلاف من قتلهم غدرا وغيلة والتعذيب، لكن ذلك أيضا كان من أسباب الثورة عليه. أما السيسي فقد أعدم 97 شخصا في ست سنوات فقط، وهناك 81 حكم إعدام بات ونهائي تحت التنفيذ في أي وقت، بخلاف الأحكام النهائية الجديدة التي ستصدر من المحاكم في قضايا إعدام أولية، أو الأحكام التي تصدر في قضايا جديدة.
وتمضي حكومة السيسي بمعدل غير مسبوق في تنفيذ الإعدامات، ما جعل مصر ثالث أسوأ دولة في العالم من حيث عدد الإعدامات في 2020، وفقا لـ "منظمة العفو الدولية". في أكتوبر ونوفمبر (2020) وحدهما، أعدمت سلطات الانقلاب 57 رجلا وامرأة على الأقل، 49 منهم خلال عشرة أيام فقط، بينهم 15 رجلا على الأقل أدينوا في قضايا عنف سياسي إثر محاكمات جائرة. واستمرت موجة الإعدامات في النصف الأول من العام الجاري 2021م، بتنفيذ 51 إعداما على الأقل. كان آخرهم 17 في قضية كرداسة والذيت أعدموا في نهار رمضان في مخالفة صارخة للدستور والقانون بعد محاكمات افتقدت لأدنى معايير النزاهة والعدالة، لتستمر الأمثلة على هذه الوحشية التي يرعاها النظام العسكري وتطول.
انتقام وتوظيف للقضاء
وبحسب الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش عمرو مجدي، فإن نظام السيسي يخوض مهمة للقضاء على جميع أشكال المعارضة المحتملة الناشئة عن انتفاضة 2011 في جميع أنحاء مصر، لتكريس الرواية السردية الأمنية التي يتبناها لإعادة تشكيل المجالات السياسية والاجتماعية في مصر وفقا لرؤية الحكومة السلطوية.
ويؤكد أن نظام السيسي تغول بشكل كامل تقريبا على النظام القضائي. فالدستور والقوانين الأساسية عُدّلت، وأُدخلت قوانين جديدة للتحايل على ضمانات الإجراءات القانونية أو أُلغيت تماما. وعينت السلطة قضاة خاصين لما يسمى بمحاكم الإرهاب، أصدر هؤلاء وحدهم مئات أحكام الإعدام. بينما لا يترددون في الإعلان بوضوح تام عن وجهات نظرهم السياسية، والطعن في سلوك أطياف المعارضة برمتها، والإشادة بالجيش والقوى الأمنية. كما أدخلت حكومة السيسي تعديلات في العام 2017 لتقويض استقلالية محكمة النقض، محكمة الاستئناف العليا، التي كانت ذات يوم مؤسسة تحظى باحترام كبير وعملت على مراجعة العديد من المحاكمات الجنائية المعيبة. وجرى استخدام السلطة القضائية كأداة لسجن المعارضين السياسيين وإعدامهم، وبالتالي رفع ثمن معارضة الحكومة بشكل باهظ، وهذا بهدف توجيه رسالة مفادها أن انتقاد الحكومة أو معارضتها يمكن أن يكلف الأشخاص حياتهم حرفيا. أحكام الإعدام في رابعة تمثّل الثمن "الطبيعي" لأولئك الذين تحدوا الإطاحة العسكرية بمرسي بقيادة السيسي في 2013. ويذهب الباحث في هيومن رايتس ووتش إلى أن عدم مساءلة أي مسئول على الإطلاق على مذبحة رابعة أو غيرها من حوادث إطلاق النار الجماعي على المتظاهرين قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. عازيا جرأة نظام السيسي إلى تواطؤ المجتمع الدولي وتراجع الضغوط المحلية والدولية فأدى ذلك إلى تصاعد موجات القمع الشامل وأن هذا القمع الذين يطول الإسلاميين اليوم قد يطول غيرهم من اليساريين والعلمانيين غدا إذا مثلوا تحديا للسيسي وتبريرات النظام دائما قائمة. وينتهي مجدي إلى أن الارتفاع الحاد في عدد الإعدامات في مصر يعكس مجتمعا مأزوما. المزيد من الإعدامات ليس حلا. ينبغي لحكومة السيسي ألا تؤجج أزمة حقوق الإنسان التي خلقتها. وأن سعار الإعدامات في مصر يجب أن يتوقف.
هل يمكن وقف الإعدامات؟
يرى الصحفي قطب العربي في مقاله " هل يمكن وقف الإعدامات؟"، أنع مع انتهاء المدة القانونية التي يحق فيه تنفيذ هذه الأحكام "أسبوعان بعد صدور الحكم" إلا أن إيقاف تنفيذ هذه الأحكام الباتة لاحقا يظل ممكنا وإن كان صعبا في ظل هذا النظام. ويرهن ذلك بمدى توفر رأي عام دولي واسع ضدها (من حكومات وهيئات ومؤسسات مجتمع مدني)، وهذا لن يتحقق إلا بعد توحد قوى المعارضة المصرية في وجه هذه الأحكام، وتحركها الجمعي محليا ودوليا، لأن النظام نفسه استغل تفرق وانقسام المعارضة والمجتمع ليضرب فريقا منها في ظل صمت أو رضا فريق آخر، وحين تسحب المعارضة هذه الورقة (ورقة الانقسام) من يد النظام فإنه سيصبح أكثر انكشافا، خاصة أنه يعيش في مأزق كبير بسبب فشله في مواجهة إثيوبيا في أزمة سد النهضة. ويشير إلى أنه جرى تشكيل لجنة وطنية لمناهضة الإعدام برئاسة الدكتور محمود وهبة؛ تضم رموزا مصرية من انتماءات مختلفة، وأخرى دولية للأمر ذاته برئاسة الدكتور المنصف المرزوقي وعضوية شخصيات عربية ودولية سياسية وقانونية وبرلمانية، والأمل معقود بعد الله على جهود هاتين اللجنتين.
هذه الجهود الرامية للدفاع عن المعتقلين والمحكوم عليهم ظلما هي جهود مشكورة يجب دعمها في كل الأحوال. وفي السياق طالب المجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية -في رسالة موجهة لإدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس- بالعمل على وقف الإعدامات الجماعية الجائرة في مصر. وطالبت الرسالة الرئيس بايدن والكونجرس بإدانة أحكام الإعدام المناهضة للديمقراطية وحجب جميع أشكال الدعم المالي والسياسي عن النظام المصري حتى يقوم بإلغائها وطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. وفي إشارة إلى النفوذ الأمريكي على القاهرة ذكرت الرسالة أنه ومنذ عام 1978، قدمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 50 مليار دولار مساعدات عسكرية و30 مليار دولار مساعدات اقتصادية.
التعاطف المرفوض
بقيت نقطة أخرى، أشار إليها الباحث محمد خير موسى، في مقاله " احذروا هذا النّوع من التّعاطف مع المحكومين بالإعدام على أيدي المجرمين" المنشور على موقع "عربي 21"، حيث أشار إلى أن بعض عبارات التعاطف مع المحكوم عليهم ظلما بالإعدام قد تكون صحيحة في مضمونها وأفكارها من حيثُ الأصل، لكنّ الإشكال يكمن في توقيتها، فخطورة هذا الخطاب في الاتّكاء على صحّة الفكرة دون الالتفات إلى توقيتها إن كان مناسباً أم غير مناسب، نافعاً أم ضارّاً. ومن هذه العبارات: "وما عليهم ألا يموتوا شهداء؟"، و"كم نغبطكم على هذه الخاتمة"، و"الشهادة تليق بكم"، و"وما عليهم أن يقتلوا لنعيشَ أحراراً"، و"إنَّ الشّهادة اصطفاء واتّخاذ واختيار"، وغير ذلك من العبارات في هذه السياقات.
وبحسب موسى فإن تكريسُ هذا النّوع من الخطاب في هذه المرحلة ينطوي على مخاطر جمّة؛ من أهمّها:
أولاً: الانشغال عن الواجب الأصلي وهو منع حدوث الجريمة، بالإغراق في الحديث عن مكانةِ العلماء والقادة واصطفائهم واتّخاذهم شهداء، ممّا يصرف النّظر عن الجهة والقضيّة التي يجب تركيز النّظر والخطاب والجهد عليها.
ثانياً: هذا الخطاب يتعامل مع التّهديدات وكأنّها وقعت فعلاً، وأنَّ هؤلاء العلماء قد استشهدوا، مما يعني المساهمة في تهيئة الرّأي العام لتقبّل الجريمةِ تحت عنوان الخاتمة العظيمة التي نالها هؤلاء العلماء والقادة وأنَّهم هم الفائزون بنيلِهم الشّهادة، فهل هناك خدمة للمجرم أكثر من هذا التقبُّل والتَّمرير؟!
ويضيف: "ما دمنا في مرحلة توقّع الجريمة فالواجب أن يكون الخطاب والجهد منصبّاً على حشد الطّاقات كلّها للحيلولة دون وقوعها. وذلك من خلال تركيز الخطاب على فداحة الجريمة، وعلى المجرم وخطورة إقدامه على فعله، وتحريك الشّارع مشاعريّاً وسلوكيّاً لرفض تقبُّل الجريمة والعمل الجادّ على منع حدوثها.