في صفعة جديدة لتحالف الاستبداد العربي الذي يضم حكومات السعودية والإمارات ومصر وغيرها والذي يطلق عليه أيضا تحالف الثورات المضادة، أكدت محكمة نمساوية أن جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة إرهابية واعتبرت أن السلطات النمساوية اركتبت تجاوزات بحق نشطاء إسلاميين في عملية أمنية نهاية العام الماضي "2020م". وقضت محكمة مدينة "غراتس"، بحسب وسائل إعلام محلية، بأن مداهمات العام الماضي، التي استخدمت فيها الشرطة "قدرا غير متناسب من القوة" ضد نشطاء وأكاديميين مسلمين، بذريعة "مكافحة الإرهاب"؛ كانت غير قانونية.
وقالت إليزابيث ديبر، المتحدثة باسم المحكمة، لصحفيين؛ إنه قد تم تأييد شكاوى تسعة أشخاص داهمت الشرطة منازلهم في 9 نوفمبر 2020، على أساس أنهم "قدموا دعما ماليا ولديهم علاقات مع منظمات إرهابية". وشددت ديبر على أن المداهمات لم تكن قانونية.
وتطرقت المحكمة إلى اتهام النيابة للنشطاء بأنهم أعضاء في حركة المقاومة الفلسطينية حماس وجماعة الإخوان المسلمين. وشددت المحكمة على أن جماعة الإخوان المسلمين لا تعتبر منظمة إرهابية.
وكان شرطة فيينا داهمت في 9 نوفمبر الماضي 60 عنوانا واعتقلت 30 ناشطا وأكاديميا مسلما في عملية أطلق عليها اسم "الأقصر" بتهمة "إنشاء منظمة إرهابية، وتقديم الدعم المالي للإرهاب، وتكوين الجريمة المنظمة، وغسيل الأموال". وأدى استخدام الشرطة للقوة غير المتناسبة ضد أشخاص معروفين لدى الجمهور ومعاملتهم كإرهابيين إلى ردود فعل من مجموعات مختلفة. ودعت العديد من المنظمات غير الحكومية والصحفيين والكتاب إلى توضيح هذه المسألة على وجه السرعة.
وتركت القوة الشرطية المفرطة خلال المداهمات بصماتها على أفراد عائلة تعرضت للعنف من قبل قوات الأمن. وبدأ أكثر من 10 أطفال في تلقي العلاج النفسي بعد العمليات، فيما واجه الأشخاص الـ30 الذين تم اعتقالهم وعائلاتهم صعوبات مالية خلال الشهرين الماضيين بسبب حظر حساباتهم المصرفية.
وبحسب مراقبين فإن الحكم يمثل صفعة لنظم الاسبتداد العربي التي دأبت على اتهام الجماعة بالإرهاب لمجرد أنهم تطالب بإصلاحيات سياسية تجعل السيادة الحقيقية للشعب الذي يعد مصدر السلطات في نظم الحكم الديمقراطية الرشيدة.
الحكم يعيد إلى الأذهان نتائج التقرير الذي أصدرته لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني في مارس 2017م تحت عنوان «الإسلام السياسي ومراجعة الإخوان المسلمين: رد الحكومة على تقرير لجنة الشؤون الخارجية السادس»، والذي شارك في وضعه أحد عشر نائباً بريطانيا (ستة محافظين وأربعة من العمال وواحد من الحزب الوطني الإسكتلندي) والذي نفي تهمة الإرهاب تماما عن جماعة الإخوان المسلمين بل اعتبر الجماعة جدارا قويا ضد أفكار التطرف والإرهاب الأمر الذي برهن على وجود تغيّر مهم في فهم السياسة البريطانية لحركات الإسلام السياسي.
وقال التقرير إن الحكومة البريطانية اتفقت مع اللجنة على أن مصطلح «الإسلام السياسي» يمثل قوسا واسعا من الحركات والأيديولوجيات، وأن وجود سياسة واحدة تناسب كل الحركات هو أمر غير ملائم، ولكنه أيضاً يقول إن الحكومة لم تردّ على استنتاج اللجنة بضرورة عدم الجمع بين تنظيم إسلامي يوافق «مبادئ الديمقراطية والقيم الليبرالية» وآخر «غير متسامح وذي قيم متطرفة» تحت مصطلح «الإسلام السياسي» نفسه.
ويظهر التقرير جوانب الاختلاف العديدة مع سياسات الحكومة ويقوم بانتقاد عدم تواصلها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ويشرح أن جزءا من سرّية الجماعة يعود إلى القمع الذي تتعرض له، وهو يؤكد، بدون لبس، أن جماعة «الإخوان» في مصر هي جماعة لا عنفية، ويعتبر عدم دعم الحكومة البريطانية للديمقراطية، «بعد إزاحة الجماعة عن الحكم في انقلاب عسكري متزامن مع عنف شديد»، أمرا مؤسفا، وتقترح التعاطي الإيجابي مع الجماعة كنوع من الدعم لسياستها اللاعنفية.
ولعلّ من أهم الاستنتاجات التي وصلت إليها اللجنة هو أن «الإسلام السياسي» في بعض البلدان يمكن أن يقدم خيارا ديمقراطيا للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما يؤمن سردية ضد الأيديولوجيات المتطرفة، ويعتبر أن أغلب حركات الإسلام السياسي معارضة للعنف وأنه لهذه الأسباب فإن «الإسلام السياسي هو نوع من الجدار الناريّ ضد التطرف».
يقدّم التقرير مجموعة من الأفكار الشديدة الأهمية والنابعة من التحليل الدقيق للواقع السياسي في العالم الإسلامي، ومن ذلك قوله إن لا حركة سياسية، في ظروف القمع الشديد، تستطيع أن تسيطر على تصرفات كل عناصرها أو مناصريها وتمنعهم من استخدام العنف ضد السلطات، وأن استهداف هؤلاء من دون محاكمات عادلة وإقفال القنوات السياسية لتصريف الغضب يقود غالباً إلى التطرف.