الثانوية العامة والتطوير.. تمييز وانتحار وتغطية على الفشل الكبير

- ‎فيتقارير

يتعامل وزير تعليم الانقلاب طارق شوقي مع المصريين بمنطق "الصدمة والترويع"، وهو ذات المنطق الذي تأسس عليه نظام 3 يوليو، والذي بنى أعمدته بالمذابح الجماعية وأبرزها مذبحة "رابعة العدوية" التي تعد أكبر مذبحة جماعية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وهي المذبحة التي سبقتها ولحقتها عشرات المذابح الجماعية التي تبرهن على أن المؤسسة العسكرية تحولت إلى أداة تتحكم فيه شلة من الخونة والطامعين اختطفوها من أجل أن يختطفوا بها الدولة نفسها وإجهاض ثورتها ومسارها الديمقراطي حتى يبقى هؤلاء الجنرالات وهم قلة داخل المؤسسة العسكرية يتمتعون بالمزايا وينهبون خيرات البلاد لحسابهم وحساب رعاتهم في واشنطن وتل أبيب والرياض وأبو ظبي.

وزير التعليم يستخدم هذه النظرية "الصدمة والترويع" مع الشعب بدلا من الكياسة والذكاء، لذلك يرى قطاعات واسعة من المصريين في أداء الوزير انتقاية واجتزاء وترددا بما ينزع من خطابه الصدقية ومن قراراته الفعالية، فالتطوير الذي يزعم الوزير شعاره لا يتناول سوى جوانب محددة من منظومة متكاملة، تضم المدرّس والطالب والمدرسة والمحتوى المعرفي والامتحانات. إضافة إلى عناصر أخرى لا تقلّ أهمية، مثل التعليم الفني وموقعه من التخصّصات المطلوبة لسوق العمل، والتغذية المرتدّة بين التعليم والسياسات الصحية والديمغرافية والثقافية.

المعضلة الكبرى التي تواجه التعليم المصري حالياً ليست في امتحانات الثانوية العامة ولا نتائجها الصادمة، وإنما في غياب رؤية شاملة بعيدة المدى لمنظومة التعليم بكل مكوناتها. وكيفية تطويرها بشكل متوازن وواقعي وفعال، فالفعالية والقابلية للتطبيق شرطان ضروريان لا يمكن تجاهلهما في أي تطوير مهما بلغت صعوبته، شرط أن يكون تطويراً كاملاً ومتوازياً، وليس جزئياً أو مظهرياً فقط.

وشهدت مصر في أثناء وبعد إعلان نتائج الثانوية العامة عدة مشاهد ومظاهر بالغة الدلالة والتأثير.

أولها، كثرة عدد المنتحرين من طلاب الثانوية والذين بلغ عددهم أثناء الامتحانات وبعد إعلان النتيجة إلى نحو 11 حالة. هذا العدد الهائل من حالات الانتحار لم يحدث من قبل، ومن جهة أخرى فإنه يعطي مؤشرا بالغ الدلالة إلى مدى الصدمة التي أحدثتها نتائج شهادة "الثانوية العامة" بين المصريين بشكل عام، والطلبة بصفة خاصة. كما يمكن أيضاً بسهولة إدراك الارتباك الناجم عن تطبيق النظام الجديد لامتحانات الثانوية من كمّ التعديلات والتراجعات في قرارات وزارة التعليم المصرية، بشأن مضمون الامتحان وشكله، وإجراءاته وطريقة التصحيح وغيرها من جوانب تفصيلية متعدّدة.

ويقر كثير من المراقبين والمحللين أن طلاب الثانوية العامة تعرضوا لظلم كبير، فلم يكن هناك مدارس من الأصل في ظل تفشي جائحة كورونا، نعم  دور المدرسة ترجع بشدة منذ سنوات ولم تعد هي المصدر الرئيس للتعلم في ظل مافيا السناتر والدروس الخصوصية، إلا أن تفشي جائحة كورونا قضى تماما على دور المدرسة. وبالتالي فإن الصدمة التي أصابت الطلاب وأهليهم متعددة المستويات. أولها تطبيق نظام جديد للامتحان شكلاً ومضموناً. ولم يكد الطلاب يستفيقون من صعوبة الامتحانات نفسها وغموضها، إلا وأصابتهم النتائج بصدمة أعنف. بعد الانخفاض الشديد في المجاميع إلى حدٍّ لم يحدث في مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود. وعلى الرغم من أن ذلك الانخفاض جماعي وعام، أي سيستتبع بالضرورة انخفاضاً موازياً في الحدود الدنيا للقبول في كل الكليات والمعاهد العليا، إلا أن الأمر لم يقتصر على مفاجأة الانخفاض بحد ذاتها، حيث يعتبر طلابٌ كثيرون أن النتائج لا تعبر عن مستواهم الحقيقي، ولا حتى عن أدائهم الفعلي في الامتحانات.

ثانيا، ترتب على انهيار دور المدرسة تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية والسناتر، رغم أن الوزير قبل سنتين عندما أعلن عن منظومة التعليم الجديدة تعهد بالقضاء على هذه الظاهرة، لكن الواقع يؤكد أنها تعززت وتضخمت والجديد هو أن الحكومة تمكنت من الحصول على جزء من تورتة هذه المافيا والتي تقدر بنحو 30 إلى 40 مليار جنيه سنويا، ففرضت رسوما باهظة على هذه السناتر، وبعض أجهزة الدولة عقدت اتفاقات سرية مع حيتان الدروس الخصوصية وباتت تفرض إتاوات باهظة مقابل استمرار هؤلاء الحيتان بكل حرية.  وعزز من هذه الظاهرة "الدورس الخصوصية" أن الوزير أصر بناء على توجيهات عبدالفتاح السيسي على فكرة المنظومة الجديدة والمناهج المرنة والمصادر المفتوحة واستخدام الوسائل التكنولوجية في تحصيل المعلومات. من دون تمهيدٍ له في مراحل التعليم الأولية، ولا تحضير أو تدريب كافٍ للمدرسين، ولا حتى توفير بنية تحتية تكنولوجية تضمن الحصول على المعلومة أو حتى التمكّن من أداء الامتحانات عن بعد إلكترونياً.

ثالثا، اعتمدت المنظومة الجديدة للتعليم التي أعلنها الوزير قبل سنتين، على التعليم الإلكتروني وتوزيع التابلت الذي مثل سبوبة كبيرة للمؤسسة العسكرية التي تولت توريد هذه الأجهزة على ملايين الطلاب، لكن التجربة فشلت مرارا وتكرارا وحتى الامتحانات الأخيرة للثانوية العامة لم تتمكن الحكومة من إجرائها إلكترونيا لعدم توافر الإمكانات من شبكة إنترنت قوية وبنية  تحتية مهترئة بالمدارس بخلاف عدم تدريب المعلمين على هذه المنظومة وعلى على المناهج وطرق التدريس الأنسب لها. وكان إعلان الحكومة عن إجراء امتحانات الثانوية ورقيا برهانا على فشل التجربة التي يجري التغطية عليها دون مساءلة الوزير ولا الحكومة عن ذلك الفشل الكبير. حتى في ظل المظاهرات التي خرجت أمام مبنى الوزارة تطالب بإقالة الوزير لكن السيسي يتمسك به بشدة؛ لأنه  ينفذ توجيهات السيسي حتى لو كانت بالغة الفشل واللاجدوى.

رابعا، لا يزال نظام الانقلاب يمارس العنصرية والتمييز، فمع إعلان أوائل الثانوية العامة تجاهلت الوزارة تكريم الطالبة إيمان سعيد يونس عبد الرحيم علي، الحاصلة على المركز الثاني على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة قسم علمي علوم بمجموع 403 درجات، كما تجاهلتها أذرع النظام في التغطيات والبرامج التي خصصت حلقات وفقرات عن أوائل الثانوية فور إعلان الوزارة للنتائج، وذلك لأن والدها معتقل سياسي في سجون الانقلاب. كما تجاهل النظام وآلته الإعلامية الأولى على الجمهورية فاطمة محمد عبد اللطيف الطنطاوي من بلقاس دقهلية، بسبب لحية والدها ونقاب والدتها".