“المنقلب” و”المخلوع” منظومة فساد واحدة.. عودة “رشيد” بشراكة مع صندوق السيسي السيادي

- ‎فيتقارير

 

جاء توقيع صندوق مصر السيادي التابع مباشرة للمنقلب عبد الفتاح السيسي اتفاقا مع شركة يملكها رجل الأعمال الفاسد ووزير التجارة بعهد مبارك، رشيد محمد رشيد، ليكشف أن نظام الانقلاب امتداد لمنظومة الفساد في عهد المخلوع مبارك.  ورشيد محمد رشيد مُدان بنهب أكثر من 1,7 مليار جنيه من أموال المصريين خلال عهد مبارك، وهو ما يؤكد أن خراب مصر أمر حتمي على يد عصابة العسكر التي تستكمل خطة الفساد التي بدأها مبارك وترعى رجاله الذين أطاحت بهم ثورة يناير.

 

اتحاد الفاسدين 

الأسبوع الماضي، وقّع صندوق مصر السيادي اتفاقا مع شركة "بدايات مصر" لتحويل منطقة باب العزب بقلعة صلاح الدين الأيوبي، لأول منطقة إبداع متكاملة في الشرق الأوسط وإفريقيا، في حفل شهد حضور عدد كبير من مسؤولي الصندوق وقيادات الشركة، وعلى رأسهم رشيد محمد رشيد.

كان ظهور وزير التجارة والصناعة الأسبق (2004- 2011) الذي أطاحت به ثورة 25 يناير في أيامها الأولى قبل أن تطيح لاحقا بمبارك، في هذا السياق لافتا، بعد سنوات قضاها هاربا في الإمارات حيث أُدين بالفساد في عدة قضايا وحُكم عليه بالسجن 15 سنة، قبل أن يعود منتصف 2016 وتتصالح معه حكومة الانقلاب مقابل 1.6 مليار جنيه.

ولكن اللافت أيضا في صفقة "بدايات مصر" مع صندوق مصر السيادي، الذي تأسس سنة 2018 بالقانون رقم 177، أن الشركة التي تقول إن "رشيد أسسها ويترأس مجلس إدارتها، ليست إلا صندوقا فرعيا لشركة أخرى هي شركة السارا للاستثمار، تأسست الشركتان في سويسرا، في نفس اليوم وبنفس الرأسمال وبنفس عدد الأسهم ، والسؤال هو لماذا أسس رشيد شركاته في سويسرا وليس في مصر؟ وما سابقة الأعمال للشركة التي أـاحت لها الحصول على مشروع التطوير؟

 

شركات صورية 

وفقا لما هو منشور على الموقع الإلكتروني للشركة، فإن مؤسسها هو رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة والتجارة الأسبق، وعنوانها المنشور على الموقع الإلكتروني هو 13 شارع بيسينا 6900 بمنطقة لوجانو (Via Pessina 13, 6900 Lugano) لكن بحسب وثيقة تسجيل الشركة ، فإن بدايات أسسها ويملك كل أسهمها محامي إيطالي اسمه توماس سلفيا باجوني.

وتشير وثائق إنشاء الشركة أن رأسمالها يبلغ 100 ألف فرنك سويسري مُوزعة على 100 ألف سهم، وأن الغرض من تأسيسها هو استثمار وحيازة الأسهم والحصص في شركات أخرى، مع جواز إجراء عمليات مالية واستثمارية، إضافة لإمكانية تملّك وتأجير العقارات في سويسرا وخارجها.

وتأسست شركة "السارا" أيضا، وفقا لوثيقة التأسيس، في 31 مارس 2021،

وتطابقت أغراض الشركتين في جواز استثمار وحيازة الأسهم والحصص في شركات أخرى، وجواز إجراء عمليات مالية واستثمارية، واكتساب وتملك وتأجير العقارات في سويسرا وخارجها، بحسب وثيقة تأسيسها.

وتعمد الكثير من الشركات إلى تسجيل نفسها في الملاذات الضريبية الآمنة للتهرب من الضرائب، وهو ما وجده أسامة دياب الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أمرا مثيرا للاهتمام، وذلك في دراسة صدرت عام 2015 بعنوان السياحة الضريبية، رصد فيها وجود عدد ضخم جدا من الشركات يتشاركون نفس العنوان، بما ينم عن عدم وجود أي عمليات حقيقية لتلك الشركات، وأن وجودها هو وجود على الورق فقط.

وهو ما يتطابق مع شركة رشيد محمد رشيد التي يقع عنوانها في أحد طوابق المبنى رقم 13 في شارع بيسينا بسويسرا تبين أنه كوافير. ويُدلل دياب على ذلك، بمبنى يسمى "أوجلاند هاوس" في جزر كايمان، يتكون من أربعة طوابق فقط ولكنه يحتوي على 19 ألف شركة مسجلة.

ولفتت عمليات تسجيل الشركات بمثل هذه الطريقة نظر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، فقال في أول خطاب رسمي له عام 2009 عن إصلاح السياسات الضريبية "لسنوات تكلمنا عن غلق الملاذات الضريبية الدولية التي تسمح بإنشاء عمليات بهدف التهرب من دفع الضريبة في الولايات المتحدة، ولقدغضبنا من مبنى في جزر كايمان يحتوي على أكثر من 12000 شركة يدّعون جميعا أن هذا المبنى هو مقرهم الرئيسي ولقد قلت من قبل، إما أن هذا هو أكبر مبنى في العالم، أو أكبر عملية تهرب ضريبي في العالم".

وتُوضح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن "هذه الوسائل التي تستخدمها الشركات ليست مجرمة بحكم القانون، ولكنها في نهاية الأمر تعيق العدالة والنزاهة الضريبية، وتعمل على تآكل الوعاء الضريبي".

وتذكر المنظمة أن "تسجيل الشركات في دول الملاذات الضريبية تضمن سرية معلومات مُلاّك هذه الشركات، إضافة لإمكانية تسجيلها بأسماء وهمية، مشيرة إلى استخدام هذه الشركات كأماكن للتحويل الصوري للأرباح بغرض التهرب من الجهات الضريبية الموجودة في البلدان التي تُحقق فيها أرباحها المالية".

 

لماذا سويسرا؟

منطقة لوجانو هي أكبر مقاطعة تتحدث الإيطالية في سويسرا، وفقا لوزارة السياحة السويسرية، فضلا عن كونها تعفي الشركات من الضرائب والرسوم، مع الأخذ في الاعتبار أن سويسرا ترتبط مع مصر باتفاقية لمنع الازدواج الضريبي وقعه البلدان عام 1987، وفقا لموقع كي بي إم جي.

كما أن سويسرا تحتل المرتبة الخامسة في مؤشر الملاذات الضريبية للشركات، والذي يسمح للشركات بتحويل أرباحها خارج البلدان التي تُمارس فيها أنشطتها الاقتصادية، وفقا لموقع الوحدة الدولية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسري SWI حيث تقدّر أن سويسرا مسؤولة عن 5.1% من الخسائر العالمية المترتبة عن التهرب الضريبي، بإجمالي مبلغ قدره 12.8 مليار دولار سنويا، ويخسر العالم ما قدره نحو 427 مليار دولارا من الضرائب سنويا بسبب التجاوزات الضريبية الدولية، وفقا لـ SWI.

وتُوضح الدراسة المنشورة عام 2015 أن "الشركات تلجأ لتملك فرع من شركتها في ملاذ ضريبي بهدف التلاعب في حساباتها، بحيث تظهر أغلبية أرباحها في الشركة المُسجلة في الملاذ الضريبي وتختفي من الفرع المُسجل في الدولة التي تعمل بها، وبذلك تتهرب الشركة من دفع الضرائب، وتُضيف أن تكلفة التهرب الضريبي في مصر تقدر بنحو 68 مليار جنيه سنويا".

 

عمل مربح

ويعتبر العمل مع صندوق مصر السيادي مُربحا، ذلك لأنه وفقا للمادة 19 من قانون تأسيس الصندوق في 2018، فإنها أعفت المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم وما في حكمهما، ولا تسري هذه الإعفاءات على توزيعها الأرباح، ويحدد النظام الأساسي للصندوق ضوابط تطبيق ذلك.

وفي 2020، تم إعفاء المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل فقط من جميع الضرائب والرسوم وما في حكمها، لتشمل تلك الإعفاءات والمعاملات البينية بين صندوق مصر والصناديق الفرعية والشركات التي يساهم فيها صندوق مصر، وبذلك تضمن شركة بدايات إعفائها من الضرائب والرسوم، إضافة للميزة الأكبر وهي الحرية في نقل أرباحها من مصر إلى الخارج. وإلى جانب ذلك يعمق الاتفاق الفساد المالي للسيسي ونظامه الذي بات مرتعا للفاسدين من نظام مبارك ولا عزاء للمصريين.