يبدو أن عصابة عبد الفتاح السيسي وعباس كامل قررت الاستيلاء بالكامل على شركة جهينة بعدما كانت تبتز رئيسها صفوان ثابت ونجله للتنازل عن بعض أصولها لهم، وأنها قررت الذهاب بعيدا في قضية اتهام ثابت بتمويل الإخوان كغطاء لتبرير هذه النهيبة الكبرى.
فبعد يومين من إصدار منظمة العفو الدولية بيانا يؤكد أن "جهازا سياديا (المخابرات) في مصر يبتز رجال الأعمال للتنازل عن ممتلكاتهم تحت عنوان (رجال أعمال خلف القضبان لمقاومتهم طلبات جهاز أمني) زعمت داخلية الانقلاب اعتقال شخص بزعم إدارة أموال الإخوان بتكليف من صفوان ثابت.
ما أقدمت عليه داخلية الانقلاب وجهاز الأمن الوطني يبدو خطوة تصعيدية بإيعاز من السيسي وعباس كامل بعد انتقاد منظمة العفو الدولية، لاستمرار اعتقال رجل الأعمال الشهير صفوان ثابت مالك شركة جهينة للصناعات الغذائية ونجله سيف الدين.
حيث أعلنت داخلية الانقلاب الخميس، إلقاء القبض على من وصفته بـالقيادي الإخواني يحيى مهران، وهو رجل أعمال وعضو سابق في مجلس إدارة النادي الأهلي زاعمة أنه أحد الأذرع الرئيسية للقيادي الإخواني المحبوس صفوان ثابت، وأنه كان مكلفا من قبله بإخفاء أموال الجماعة وتشغيلها وتمويل العمليات الإرهابية.
ومثلما استولت على محلات التوحيد والنور التي تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات تسعى لتفعل الشيء نفسه مع جهينة وغيرها وأي رجل أعمال لا يدفع أو يفاصل يتم القبض عليه والتحفظ على أمواله، والتهمة جاهزة، وهي تمويل الإخوان.
اعتراف رسمي بنهب الأموال
موقع "القاهرة 24" التابع للمخابرات نشر معلومات بشواهد تشير إلى أن رغبة السيسي في التهام جهينة أمر واقع.
فقد بين الفيديو الذي صورته داخلية الانقلاب ونشره الموقع خزينة فارغة ثم صورة حقائب بها أموال! ما يطرح تساؤلات حول احتمالات فبركة الأمر وأنه تم إحضار الأموال في حقائب لتبرير السبق الإعلامي باتهام الإخوان زورا.
واقتحمت شرطة الانقلاب شقة سكنية بالجيزة مدعية "العثور على غرفة سرية بها، تستخدم كخزينة لإخفاء الأموال وبداخلها مبلغ 8 ملايين و400 ألف دولار ومبالغ ببعض العملات الأخرى".
رفض الدفع فسرقوه
إثر قرار سابق من لجنة قضائية حكومية في أغسطس 2015 بالتحفظ على أموال رئيس شركة جهينة صفوان ثابت وممتلكاته بدعوى صِلاته بجماعة الإخوان المسلمين، تم اعتقاله من منزله في الثاني من ديسمبر 2020.
قبل اعتقاله بأسابيع، قامت شخصية كبيرة بأحد المشاريع المستحدثة للدولة لإنتاج الألبان التابعة للجيش بزيارات لمصانع جهينة، اطلع خلالها على كيفية إدارته وتحديث المعدات وأنظمة التشغيل.
بحسب مصدر سياسي لموقع "مدى مصر" 29 إبريل 2021، تمت مفاتحة صفوان ثابت، بعد هذه الزيارات بضرورة التفكير في إدماج جزء من مصانع «جهينة» مع مصنع ألبان الجيش الجديد، لكنه تجاهل الطلب.
تزامنت الزيارات لمصانع جهينة ومطالبة رئيس الشركة بإدماج جزء من مصانعه مع شركة الجيش، مع تكرار السيسي توجيهاته المستمرة منذ منتصف مايو 2020 وحتى بداية سبتمبر 2020 بإنشاء منظومة متكاملة لمراكز تجميع الألبان.
السيسي اجتمع مع رئيس وزراء الانقلاب ووزير زراعته ومدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة اللواء مصطفى أمين، أول ديسمبر 2020 وطالبهم بمنظومة تضم 200 مركز متطور لتجميع الألبان على مستوى مصر.
وفي اليوم التالي مباشرة جرى اعتقال رئيس شركة جهينة، ما يطرح تساؤلات حول وجود رابط بين بيزنس ألبان السلطة والجيش، وعرقلة نشاط أكبر شركة للألبان في مصر جهينة.
الأمر لم يكن صدفة، فقد كان هناك ما يُدبر لصفوان ثابت من قبل لأنه "رفض مقترحا تقدم به إليه وزير التموين لشراء شركتي قها وأدفينا المملوكتين للدولة، وتعانيان من عثرات اقتصادية كبيرة، بحسب مصدر يعمل في الصناعات الغذائية الحكومية لـمدى مصر".
المصدر قال إن «عدم إقبال صفوان ثابت على الفكرة لم يكن فقط نابعا من عدم اهتمامه بالمشروع، ولكن أيضا بسبب المقابل المالي الكبير والمبالغ فيه الذي كان سيكون على شركة جهينة تقديمه مقابل شراء شركتي الحكومة".
بعد رفض "ثابت" طلبت السلطة شراء قها وأدفينا ثم اعتقاله بعدها بأربعة أشهر، عاد وزير التموين على المصيلحي ليطالب رجال الأعمال 4 أبريل 2021 بشراء أسهم شركتي قها وأدفينا قائلا "من فضلكم تعالوا شاركونا".
محاولات ابتزاز متكررة
بعد القبض على صفوان ثابت، أصبح المطلوب منه هو التنازل عن أصول شركة فرعون للاستثمارات المحدودة التي تمتلكها الأسرة، وتجاوز الوضع دفع مبلغ من المال، فالأصول هي المطلوبة وليست الأموال.
"ثابت" دفع 50 مليون جنيه لصندوق تحيا مصر عقب لقاء إفطار في رمضان دعا له السيسي، عددا من رجال الأعمال بينهم ثابت يوم 11 يوليو 2014، وجمع فيه 5 مليارات جنيه، ومع ذلك استمرت محاولات ابتزازه.
مصادر خاصة من داخل نظام عبد الفتاح السيسي، كشف لصحيفة "العربي الجديد" في 15 فبراير 2021 أن المفاوضات مع ثابت بدأت بمطالبة أجهزة استخباراتية له بدفع مبلغ محدد، هو 150 مليون جنيه.
المبلغ كان سيتم دفعه كإتاوة لأنه لصالح إحدى الجهات الأمنية، وبشكل غير رسمي، وهو ما رفضه صفوان ثابت وعرض 50 مليونا فقط.
انتقلت المفاوضات لمرحلة أصعب حين قرر مسؤول رفيع في الدولة إلغاء العرض، والتقدم بتصور جديد يقضي بالتنازل عن ملكية 40% من مجموعة جهينة بصيغة البيع لإحدى الشركات المدنية المملوكة لهذا الجهاز السيادي.
رفض ثابت هذا العرض ورفض عرضا أخر بتخفيض النسبة المتنازل عنها من 40 إلى 20% من جهينة التي تقدر قيمتها بنحو 3 مليارات جنيه فصدرت تعليمات باعتقاله.
وسبق لجريدة اليوم السابع، المعروفة بما تلقيه من أضواء كاشفة على توجهات الدولة وسياستها الأمنية، أن أشارت صراحة إلى أن المطلوب من الدولة اليوم هو إنقاذ شركة جهينة من مؤسسها.
نشرت «اليوم السابع» مقالا مريبا بدون أسماء (ما يشير لأنه مُملى عليها من أحد الأجهزة الأمنية) يوم 16 يناير/ 2021 تحت عنوان: "إنقاذ جهينة يأتي بطرد عائلة ثابت وخضوع جهينة لإدارة الدولة"!.
سعى المقال الأمني لرصد مزاعم عن أن "صفوان ثابت واجهة لجماعة الإخوان الإرهابية، وشريك معلن يدير جانبا من أموال التنظيم، ويشارك بشكل مباشر في تمويل أنشطة الجماعة من خلال عوائد الشركة وأرباحها".
رصد المقال انتماء صفوان ثابت لأسرة إخوانية معروفة، فهو حفيد مباشر للمرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبي من جهة الأم، وجده الأكبر المرشد الثاني حسن الهضيبي.
وزعم أنه "جعل من جهينة ذراعا ماليا للإخوان من خلال الدعم والتبرعات والمساهمات المالية في أنشطة اجتماعية وسياسية للإخوان طوال سنوات" وفق زعم المقال.
انتهي المقال بالدعوة إلى سيطرة الدولة على الشركة وأن "إدارة الدولة هي الحل" بدعوى استمرار 4 من أسرة ثابت، هو ونجله سيف وابنتاه في مجلس الإدارة.
يفسر هذا اعتقال سيف ثابت نجل "صفوان" لأنه تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة بعد اعتقال والده، بينما الهدف إبعاد الأسرة عن الشركة تماما.
ماذا قالت العفو الدولية؟
ودانت منظمة العفو الدولية في بيان لها قبل أيام استمرار حبس صفوان ثابت ونجله، على خلفية رفضهما تلبية مطالب الدولة لتخليهما عن ملكية شركتهما الناجحة، وهو السبب الشائع عن ظروف القضية في أوساط الاقتصاد المصري.
وقالت المنظمة الدولية "تسيء السلطات المصرية استخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل احتجاز رجل الأعمال البارز صفوان ثابت وابنه سيف بشكل تعسفي، في ظروف ترقى إلى التعذيب وذلك انتقاما لرفضهما تسليم أصول شركة جُهينة"
أشارت لتزايد المخاوف على صحة رجل الأعمال صفوان ثابت، 75 عاما، مؤسس شركة “جُهينه” أكبر شركة لمنتجات الألبان والعصائر في مصر، ويمتلك أغلب أسهمها وكان رئيسها التنفيذي، حيث يُحتجز رهن الحبس الانفرادي المطول منذ القبض عليه تعسفيا قبل 10 أشهر وقد قُبض على ابنه سيف، 40 عاما، بعد شهرين في فبراير/شباط 2021، ولا يزال مُحتجزا أيضا رهن الحبس الانفرادي في ظروف ترقى إلى التعذيب، وقبل القبض على رجل الأعمال وابنه كان مسؤولون أمنيون مصريون قد طلبوا منهما التخلي عن أصول شركة جُهينة.
قال فيليب لوثر، مدير البحوث للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية “إن صفوان وسيف ثابت يتعرضان للعقاب لمجرد التجرؤ على رفض طلبات مسؤولين أمنيين مصريين بالتخلي عن أصول شركة “جُهينة” المعروفة في مصر والتي تمتلكها عائلتهما، وقد أبديا شجاعة نادرة في مقاومة محاولة المسؤولين لابتزازهما، وتهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات المصرية أن تُفرج عن الرجلين، اللذين ما كان ينبغي القبض عليهما أصلا”.
قال “يوضح الهجوم على شركة جُهينة إلى أي مدى يمكن أن تذهب السلطات المصرية من أجل إحكام سيطرتها، كما يكشف كيف تُستغل التهم المتعلقة بالإرهاب بلا رحمة في مصر اليوم، في تجاهل تام لأثر تلك الإجراءات على حياة وأرزاق الأشخاص المتضررين”.
أضاف فيليب لوثر "ولطالما استخدمت السلطات المصرية التهم المتعلقة بالإرهاب لقمع المعارضة السياسية، وها هي الآن تستخدم الأسلوب نفسه لاستهداف رجال أعمال، لأنهم يرفضون الإذعان للأوامر التعسفية بالاستيلاء على أصولهم”.
تحدثت منظمة العفو الدولية مع ثلاثة أشخاص على علم بوضع عائلة ثابت وشركة جُهينة، كما اطلعت على وثائق قضائية ومقالات إعلامية وتصريحات رسمية تتعلق بالقبض على الرجلين واحتجازهما.
ذكر مصدر على علم بأعمال شركة جُهينة أن "مسؤولا مصريا كبيرا كان قد طلب من صفوان ثابت، قبل وقت قصير من القبض عليه، التنازل عن جزء من شركته لصالح كيان مملوك للحكومة".
قالوا إنه "في 31 يناير 2021، أي بعد شهرين من القبض على صفوان ثابت، تلقى ابنه سيف ثابت أمر استدعاء إلى قطاع الأمن الوطني، ولم يُسمح له باصطحاب محام معه، كما أمره مسؤول أمني بالتنازل عن جميع أسهم العائلة في شركة جُهينة، وإلا فإنه سيواجه مصيرا مماثلا لوالده، ولا تزال عائلة ثابت ترفض التنازل عن أصول شركتها".
وفي 2 فبراير 2021، استُدعي سيف ثابت مجددا إلى مقر قطاع الأمن الوطني، ولكنه لم يخرج بل اقتادته قوات الأمن إلى نيابة أمن الدولة العليا يوم 6 فبراير/شباط، حيث أخبره محقق النيابة أنه متهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، وذلك أيضا استنادا إلى تقارير تحريات سرية من قطاع الأمن الوطني، ولم يُسمح له بالاطلاع عليها.