وفي مصر إذا رأيت فسادا أو انحرافا، فانضم له فورا وإلا اعتقلوك، تلك هي الرسالة التي أرادت عصابة الانقلاب إرسالها للمصريين، وذلك بعد إهدار كرامة أستاذ إعلام بجامعة القاهرة وعرضه بـ"الكلابشات" على النيابة، وهو ما أثار غضبا واسعا بين المصريين، خاصة أنه اعتُقل بعد سلسلة منشورات على موقع فيسبوك انتقد فيها عددا من الإعلاميين المقربين من عصابة الانقلاب، كما تحدث عن وقائع فساد وتحرش جنسي تخص رئيس جامعة القاهرة.
وظهر الدكتور أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام، وهو مكبل بالأغلال أثناء العرض على النيابة، وجلوسه على سلم داخلي في مقر النيابة بانتظار قرارها بشأنه، ورأى مراقبون أن تسريب الصور تم بغرض تخويف المصريين وإرهابهم، ومنعهم من معارضة عصابة الانقلاب أو كشف فساد أذرعهم، خاصة أنه غير مسموح بالتصوير أبدا في مقرات النيابة.
اضرب المربوط!
وقرر قاضي المعارضات في محكمة جنح القاهرة الجديدة حبس الدكتور ندا 15 يوما على ذمة التحقيق في اتهامه بـ"ترويج أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمجتمع، وتكدير الأمن والسلم العام، والإضرار بمصالح الدولة" من خلال منشوراته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
من جهته يقول الناشط محمود السطوحي: "هل هكذا يتم تقدير العلم والعلماء في الجمهورية الجديدة؟ لم أصادف فى مصر من هو أكثر جدية من دكتور أيمن منصور ندا في مجال العلم والبحث، كان ينفق من ميراثه الخاص القليل للحضور إلى الولايات المتحدة وإجراء أبحاث ودراسات متخصصة فى مجال الرأي العام، وأصدر العديد من الكتب الهامة التي تساعد صانعي القرار في مصر لو كانوا يعترفون بالبحث العلمي، لكن اسم وعلم وخبرة دكتور ندا لاتعني شيئا مادام ارتكب الجريمة الكبرى، لقد تحدث في تخصصه وانتقد بأسلوب علمي كل مانعرفه من انهيار في منظومة الإعلام المصري، ثم تجرأ وكشف بالوثائق عن جرائم فساد في جامعة القاهرة".
مضيفا "في الجمهورية الجديدة، لايتم التحقيق في هذه الاتهامات وفحص هذه الوثائق، ولكن يتم حبس من كشف الفساد ووضع الكلابشات في يده مع المتهمين الجنائيين والبحث في قوانين الإرهاب عما يُلقي به في مجمع السجون الجديد ردعا له وعبرة لأمثاله".
من جهتها أكدت أسرة أستاذ الإعلام أيمن منصور ندا أنه "محتجز منذ أيام بقسم شرطة أول التجمع بالقاهرة الجديدة، وتم عرضه على قاضي التحقيقات وفق قانون الإرهاب، بتهمة ترويع وتعطيل مؤسسات الدولة".
وقال مصدر من أسرة ندا إن "النائب العام تجاهل التحقيق في البلاغات التي قدمها عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام بجامعة القاهرة رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في الكلية أيمن منصور ندا، ضد رئيس جامعة القاهرة المنتهية ولايته محمد عثمان الخشت، وعلى العكس تم حبس ندا".
وأعلنت كلية الإعلام بجامعة القاهرة في مارس الماضي، إيقاف الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون عن العمل حتى استكمال التحقيق الداخلي معه حول واقعة تعديه على وكيل الكلية السابق وخروجه عن التقاليد والأعراف الجامعية.
بلا حماية..!
بداية الخيط عندما كتب ندا مقالا على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعنوان "إعلام البغال من أحمد موسى إلى كرم جبر".
مقال "إعلام البغال" كان الثامن ضمن سلسلة مقالات كتبها أستاذ الإعلام هاجم خلالها مذيعين وصحافيين ومسؤولين في المؤسسة الإعلامية التي يتبع معظمها للمخابرات العامة بقيادة اللواء عباس كامل، المدير السابق لمكتب السفاح السيسي، فيما يشرف عليها مساعده وذراعه اليمنى المقدم أحمد شعبان.
بادر "شعبان" وكتب ردا على مقال منصور ندا، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي بعنوان "كلمات في فقه الجدل"، استشهد فيها بكلمات الإمام محمد عبده، لا صلاح في الاستبداد بالرأي وإن خلصت النيات".
وأثارت المعركة بين أستاذ الإعلام من جهة، ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمقدم أحمد شعبان وبعض المذيعين من جهة أخرى، استغراب الكثيرين في مصر، إذ إنه لم يجرؤ أحد قبل ذلك على توجيه النقد إلى المسؤولين عن المؤسسة الإعلامية التي تديرها المخابرات العامة، فما بالك بشخص هاجم المسؤول الأول باسمه وهو المقدم أحمد شعبان.
يقول الإعلامي أكرم شعبان عبده " الأخ والصديق العزيز الأستاذ الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة "مكلبشا" كعتاة المجرمين و"مفترشا الأرض" في مشهدين شديدي المأساوية والألم والحسرة، له ولابنتيه الرقيقتين ولطلبته ولأصدقائه ولكل محبيه وعارفي قدره الكبير وعلمه الغزير، لله الأمر من قبل ومن بعد، قلبي معك يا صديقي في هذه المحنة، التي أعلم أنك ستخرج منها أقوى وأشد، منتصرا ولو بعد حين".
ويُعرف المقدم أحمد شعبان في الوسط الصحفي بـ"رئيس تحرير مصر"، ليس ذلك فقط، بل وصل هجومه إلى العقيد محمود، نجل السفاح السيسي.
وكانت مصادر إعلامية مقربة من عصابة الانقلاب، قد رجّحت أن يكون وراء معركة الأستاذ والإعلام، خلاف بين مدير مكتب السفاح السيسي اللواء محسن عبد النبي، والمدير السابق اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة الحالي، الذي يسيطر على جميع وسائل الإعلام تقريبا بمعاونة المقدم أحمد شعبان.
وأشارت المصادر إلى أن "اللواء محسن عبد النبي مدير إدارة الشؤون المعنوية السابق في القوات المسلحة، يحاول منذ تعيينه مديرا لمكتب السفاح السيسي، أن يؤسس مجموعة إعلامية تابعة له، وأن يستحوذ على ملف الإعلام بشكل كامل بالتدريج، لكن اللواء كامل يقف ضد هذه الخطة بكل شراسة".