الأجهزة الأمنية تهيمن على تشكيل لجنة فصل الموظفين تعسفيا

- ‎فيأخبار

أصدر الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، زعيم الانقلاب العسكري، قرارًا جمهوريًا بتشكيل لجنة تتبع رئيس حكومة الانقلاب لمراجعة قرارات الوزراء الخاصة بفصل موظفي الدولة (تعسفيا) بغير الطريق التأديبي للموظفين بالدولة قبل إرسالها لمكتب السيسي للتصديق عليها. وقد نشر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ  2 أكتوبر الجاري، ويرأس اللجنة أحمد مساعدي وزير العدل بحكومة الانقلاب وعضوية ممثلين عن عشر وزارات وجهات، نصفهم تقريبًا ينتمي لمؤسسات أمنية، مثل وزارات الدفاع (المخابرات العسكرية) والداخلية (قطاع الأمن الوطني) إضافة إلى هيئات الأمن القومي والقضاء العسكري، إلى جانب ممثلين عن الرقابة الإدارية والنيابة العامة ووزارتي المالية والعدل وجهاز التنظيم والإدارة.

وبموجب القرار الجمهوري تتسلم اللجنة ملف تفصيلي عن حالة العامل المطلوب فصله بغير الطريق التأديبي من الجهة الحكومية التي يعمل بها متضمنًا: وظيفته، الجزاءات التي سبق وتم توقيعها عليه، مذكرة شارحة لأسباب فصله، المستندات والبيانات والتقارير المؤيدة لذلك، على أن تختص اللجنة الجديدة بدراسة مدى توافر شروط الفصل بغير الطريق التأديبي في هذا الموظف، وإعداد تقرير بتوصياتها وما خلصت إليه تقارير الجهات الأمنية  بشأنه للعرض على رئيس الجمهورية.

وكان السيسي قاد صادق في غرة أغسطس 2021م، على مشروع القانون  رقم 135 لسنة 2021م  والذي وافق عليه البرلمان بشكل نهائي في جلسة 12 يوليو، وهو القانون الذي تضمن تعديلات على القانون رقم 10 لسنة 1973 بشأن فصل العاملين في جهاز الدولة بغير الطريق التأديبي؛ حيث يمنح للحكومة صلاحيات فصل الموظفين من عملهم في الجهاز  الإداري للدولة بناء على تحريات الأجهزة الأمنية بدعوى أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وهي الجماعة التي يصفنها النظام العسكري في مصر تنظيما إرهابيا رغم أنها فازت بثقة الشعب المصري في كل الاستحقاقات الديمقراطية النزيهة في أعقاب الموجة الأولى من ثورة 25 يناير 2021م.

 

التنكيل بالموظفين

يُعتبر القانون بصياغته  التي أقرها البرلمان وصدق عليها السيسي، مقدمة لتطبيق خطة الحكومة للتنكيل بجماعة “الإخوان المسلمين” وامتداداتها في المجتمع المصري، على قطاع السكك الحديدية، كما حدث في قطاعات عدة منها التعليم والبنوك وشركات البترول ودواوين الوزارات والهيئات العامة والجامعات منذ عام 2019، بإصدار قرارات بفصل أكثر من أربعة آلاف موظف (منهم 1500 من وزارة التربية والتعليم وحدها) من الوزارات الخدمية وكذا في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة “الإخوان”. ويسمح القانون بالفصل المباشر بقرار إداري، من دون العرض على جهات التحقيق المختصة بالتعامل مع موظفي الخدمة المدنية وغيرهم من العاملين، ومن دون أن يكون القرار صادراً من النيابة الإدارية، وحتى من دون عرض الأمر على المحاكم التأديبية.

ويتضمّن القانون تعديلاً لتسهيل الفصل، إذ يسمح لرئيس الوزراء باتخاذ هذه القرارات بموجب تفويض يصدره (رئيس الجمهورية)، بعدما كانت تلك القرارات سلطة حصرية لـ (رئيس الجمهورية). أما التعديل الأخير فهو يغيّر طريقة التقاضي في هذا النوع من المنازعات، ففي السابق كان القضاء الإداري ملزماً بالفصل في الطعون التي يقيمها الموظفون أو العاملون ضد قرارات فصلهم بغير الطريق التأديبي خلال سنة من رفع الدعاوى، لكن المشروع الجديد يفتح المدة من دون قيود ليسمح بتأخير الفصل في الطعون إلى أجل غير مسمى. كما أن القانون القديم كان يسمح للقضاء الإداري استثنائياً بالاكتفاء بالتعويض المالي للموظف المفصول بدلاً من إعادته للعمل في أوضاع معينة، هي أن يكون القرار قد مسّ أحد شاغلي الوظائف العليا أو أن يكون قد صدر في ظل حالة الطوارئ. لكن المشروع الجديد يتوسع في هذا الاستثناء، لدفع المحكمة لعدم إعادة الموظفين المفصولين والاكتفاء بتعويضهم مالياً، إذ يزيل حالتي الاستثناء المذكورتين، ليصبح من الجائز الاكتفاء بالتعويض بصفة عامة “للأسباب التي ترى المحكمة أن المصلحة العامة تقتضيها”.

 

التحريات الأمنية

القانون يجيز فصل الموظف بناء على التحريات الآمنية دون الأحكام القضائية والتي استقرت أحكام محكمة النقض والإدارية العليا على عدم الاعتداد بها (التحريات الأمنية) كدليل إدانة وأنها لا تعدو أنها رأي لمن قام بها؛ كما أن القانون يكتفي بقرائن قد تثبت أنها غير صحيحة. كما أن القانون يتضمن عبارات عامة فضفاضة يمكن أن تتسع بحسب رغبة السلطة والقائمين على التحريات؛ وبالتالي فإن ذلك سوف يفضي إلى إفساد بيئة العمل وانتشار الشكاوى الكيدية وتعظيم دور الأجهزة الأمنية وتغول عناصرها وتوفير بيئة خصبة للفساد بينهم عبر ابتزاز الموظفين وتهديدهم بالفصل أو دفع إتاوات للقائمين على التحريات، إضافة إلى أن هذه البيئة الفاسدة سوف تسهم في ترقية أكثر الموظفين نفاقا وتزلفا للسلطة بعيدا عن الكفاءة والخبرة التي سيتم العصف بها بناء على تحريات الأمن؛ وبذلك تفقد مصر كوادر وخبرات عظيمة لأسباب سياسية بحتة تتعلق بتفشي أجواء الكراهية والعنصرية والتمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الفكري والسياسي.

 

عدم الدستورية

القانون يهدف إلى فصل أي موظف في الجهاز الإداري للدولة يثبت انتماؤه إلى جماعة “الإخوان”، في مخالفة لأحكام الدستور الذي نص على “عدم التمييز بين المواطنين أمام القانون بسبب الانتماء السياسي أو لأي سبب آخر”. ورغم موافقة مجلس الدولة على مشروع القانون قبل تمريره في البرلمان إلا أن شبهة عدم الدستورية تلاحقه من كل جانب بل يمثل ذلك برهانا على أن السيسي قد أحكم قبضته على الهيئات القضائية حتى باتت أداة من أدوات النظام يوظفها في الانتقام والتنكيل بخصومه ومعارضيه. واعتبرت وكالة “رويترز” للأنباء في تغطيتها للخبر أن هذا التطور لا يبتعد عن حملة أمنية موسعة استهدفت المعارضين السياسيين سواء من الإسلاميين أو الليبراليين، أشرف عليها السيسي منذ قاد عملية إطاحة الجيش في يوليو/تموز 2013 بالرئيس محمد مرسي الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ أواخر عام 2013، تصنف السلطة في مصر الإخوان المسلمين جماعةً إرهابيةً محظورةً، ويقبع أغلب كوادرها وقياداتها، في السجن على ذمة أحكام مرتبطة بالإرهاب والتحريض، وهي تهم عادة ما نفت صحتها الجماعة.

وفي تصريحات لصحيفة «الشروق» في أغسطس 2017م، يرى المستشار عادل فرغلى، الرئيس الأسبق لمحاكم القضاء الإدارى وقسم التشريع بمجلس الدولة، أن «هناك قاعدة دستورية بأن كل مواطن لا يرتكب عنفا تكون له حقوقه المتساوية مع الجميع، فلا يمكن عزل فئة معينة أو نطلق وصفا معينا عليها مثل «خلايا نائمة» لأن كل ذلك مخالف لنص دستورى صريح يضمن المساواة بين جميع المصريين فى الحقوق والواجبات ومنها مباشرة الحق السياسى، وحق الوظيفة وحرية العمل». ويضيف: «مافيش حاجة اسمها خلايا نائمة فى الدستور.. لكن إذا ثبت ارتكاب الموظف عنفا أو خطأ فليحاسب على هذا الخطأ وفقا للقواعد القانونية» ضاربا بذلك مثالا بالقانون 10 سنة 1972 بتنظيم الفصل بغير الطريق التأديبى، والذى ينص على أفعال مادية محددة عندما يرتكبها الموظف يعاقب بالعزل من وظيفته. ويتساءل فرغلى مستنكرا عن كيفية التعرف على معتقدات العاملين الحكوميين أو أفكارهم بدون ارتكاب أفعال مادية أو جرائم واضحة، مستطردا «لا يمكننا ولا يجوز أن نفتش فى نوايا الناس، وإلا سنفتح الباب للأخذ بالتحريات الأمنية والوشايات والمعلومات المغلوطة أو الانتقامية، وهى جميعا لا ترقى لدرجة القرائن أو الأدلة ليحكم بها القاضى، أو لتدعم قرارا إداريا بفصل الموظف».

 

خفض أعداد موظفي الحكومة

وكان السيسي قد صرَّح في مايو 2018، أن الجهاز الإداري للدولة لا يعمل بالشكل الذي يتمناه، مؤكدا حاجة الحكومة إلى نحو مليون موظف فقط. وفي 20 يونيو 2021م، أصدرالسيسي قانوناً برقم 73 لسنة 2021 في شأن بعض شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، والمعروف إعلامياً بـ”فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات”، متضمناً إجراءات تشريعية عقابية تدخل للمرة الأولى في تنظيم الوظيفة العامة في مصر، بهدف أساسي هو تخفيض عدد العاملين في الدولة، والذي يعد أحد أهداف الخطة التي وضعها النظام الحاكم منذ عامين لتقليل الإنفاق على الجهاز الإداري.

وتستهدف حكومة الانقلاب التخلص من 50% على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي إلى حوالي 3 ملايين و900 ألف موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5 ملايين و800 ألف موظف تقريباً، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكون من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة، وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين. وتصل قيمة رواتبهم أكثر من 300 مليار جنيه سنويا بحسب أرقام الموازنة العامة للدولة.

ويحذر خبراء ومحللون من أن هذا القانون سوف يطلق العنان لظاهرة “الوشاية” مرة أخرى بين الموظفين، باسم الوطن والاستقرار، وسيفتح الباب لدوائر الانتقام والتشفي، ويعيد الأجواء إلى عصر الستينيات، حين كانت الدولة الناصرية وقتها تستخدم نصف الشعب في التجسس والإبلاغ عن النصف الآخر. وبالتالي فإن هذا القانون ـ إذا على هذا النحو ما هو إلا وصفة لتمزيق ما تبقى من أواصر المجتمع الذي مزقه الانقلاب والسياسات الأمنية والاقتصادية والإعلامية لنظام 3 يوليو العسكري. وفصل الموظفين تعسفيا يعزز الشعور بعدم الانتماء للوطن، وهو مؤشر خطير؛ يغذي نوازع الإرهاب والتطرف والانتقام ويجعل المجتمع ساحة احتراب وليس وطنا يضم الجميع بالعدل والمساواة”.