تراجع نشاط القطاع الخاص غير النفطي في سبتمبر الماضي، مقارنة بأغسطس، تبعا لما أظهره مؤشر مديري المشتريات، المُعلن مؤخرا، والذي سجل 48.9 نقطة، مقابل 49.8 في أغسطس، ما شكل أدنى مستوى للمؤشر منذ يونيو الماضي، لتستمر وتيرة انكماش الاقتصاد غير النفطي في مصر منذ ديسمبر، حين انخفض المؤشر تحت مستوى 50 نقطة، الفاصل بين النمو والانكماش.
ويُعَد مؤشر مديري المشتريات بناء على استبيانات يجيب عليها مدراء المشتريات في حوالي 400 شركة من شركات القطاع الخاص في قطاعات غير نفطية، مُقسّمة حسب الحجم التفصيلي للقطاعات وحجم القوى العاملة بالشركات، والمساهمات في إجمالي الناتج المحلي، وتضم القطاعات التي يشملها المؤشر: التصنيع والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات، ويشير مستوى 50 نقطة إلى التعادل، حيث يمثل ما دون هذا الرقم الانكماش وما يفوقه التوسع.
مجموعة IHS markit التي تُعِد المؤشر قالت إن "الانخفاض في الطلبات والإنتاج جاء نتيجة انخفاض في طلب المستهلكين خلال ذلك الشهر".
ووفق اقتصاديين فإن "تراجع الطلب والشراء تقف ورائه العديد من الأسباب، منها ارتفاع الأسعار ما يفوق طاقة المستهلكك، أو فرض ضرائب ورسوم تضطر المنتج لرفع أسعار السلع وهو ما يُقابل غالبا بتراجع الاستهلاك وقلة الشراء، نظرا لعدم ملاءمة الأسعار الجديدة للرواتب والدخل الذي يتسم بالثبات النسبي".
وهو ما يمكن تفسيره بكم الضرائب والرسوم الكثيفة التي أدخلها نظام السيسي في الفترة الماضية.
شهدت السوق المصري سلسلة من القرارات العشوائية بإدراج الكثير من السلع ضمن قوائم الضرائب كضريبة القيمة المضافة وغيرها، بجانب سلسلة الرسوم المفروضة على الخدمات وفق قوانين المرور الجديدة وقانون السايس وزيادات الوقود والكهرباء التي تبتلع أجزاء كبيرة من دخل الأسر ، ينعكس سلبا على عمليات الشراء ومن ثم خفض الإنتاج وتقليص أعداد العمالة وزيادة نسب البطالة والفقر.
بالإضافة إلى سياسات زيادة رسوم الخدمات الحكومية والمستخرجات الرسمية التي زادت بنسب تجاوزت 600%، في رسوم الشهر العقاري والكهرباء والتعليم والاتصالات وغيرها التي باتت تتبتلع معظم دخل الأسر، في ظل توقف التوظيف والتعيينات في القطاعات الحكومية والعام، بعد سلسلة من تصفية الشركات العامة وشركات قطاع الأعمال.
ولعل الأخطر في انكماش مؤشر مديري المؤشرات، هو الانعكاس الأكيد على مجمل الاقتصاد القومي، الذي سيشهد تراجعا أكبر في نسبته من نسبة الانكماش.
والغريب أن صمت النظام عن التفكير في حلول عبر 10 أشهر يتواصل فيها الانكماش، يعد جريمة اقتصادية مضاعفة يقترفها نظام السيسي بحق المصريين، لأن المحلات التجارية والمولات حينما تشهد تراجعا في الطلب على منتجاتها وتتراجع إجمالي أرقام الشراء منها، تقوم بعمل عروض تشجيعية لزيادة الشراء وتدوير عجلة الإنتاج، لتحقيق أرباح أقل من أسعارها المرتفعة، لضمان ترويج أكبر كم من المنتجات ولو بنسبة ربح بسيطة، لتدوير عمليات البيع والإنتاج، وهو ما كان أجدى بالحكومة التي باتت عاجزة أمام مشكلات الاقتصاد المصري الذي يهدد حياة الملايين.
جانب آخر للأزمة وارتداداتها، يتمثل في سيطرة الجيش على أكثر من 60% من الاقتصاد المصري بالأمر المباشر، ما يمثل طردا صريحا من الدولة للاستثمارات الخاصة من السوق المصري، وهو ما يؤثر بشكل كبير على عمليات تحديد الأسعار ومن ثم حركة البيع والشراء، إذ أن شركات العسكر باتت المنتج شبه الوحيد في مصر ، وباتت أيضا الصانع شبه الوحيد، كما كان يخطط محمد علي باشا في القرن التاسع عشر، حينما أراد تشكيل أول جيش بمصر، وهي نفس السياسة التي يطبقها السيسي اليوم، بتوسيع استحواذ الجيش على الأراضي والشركات والقطاعات الإنتاجية.