سادت حالة من التخبط والارتباك بين ذيول نظام الانقلاب عقب إعلان إثيوبيا أنها ستبدأ في المرحلة الثالثة لملء خزانات سد النهضة مجددة رفضها لتوفيع أي اتفاقات مع نظام السيسي والسودان تتعلق بإدارة السد وتشغيله.
واعتبرت إثيوبيا أن إدارة وتشغيل السد شأن سيادي يخصها، ولا يجوز التدخل فيه من دول خارجية بأي حال من الأحوال.
في المقابل واصل السيسي سياسة الاستجداء من دول العالم لإقناع إثيوبيا بالعودة إلى طاولة المفاوضات التي فشلت على مدار عقد من الزمان ولم تتوصل إلى أي نتيجة.
واعترف السيسي خلال كلمته في أسبوع القاهرة للمياه بدورته الرابعة، بأن السد سيؤثر سلبا على المصريين وكميات المياه التي تصل إليهم رغم أنه لا يوجد مصدر آخر للمياه يعيش عليه المصريون ويزرعون أراضيهم.
وأشار إلى وصول مصر إلى مرحلة متقدمة من الفقر المائي، وهي مشكلة قديمة تسبق أزمة سد النهضة، وجاء السد ليزيد العبء على مصر وفق تعبيره.
وزعم السيسي، أن مصر من أكثر الدول جفافا في العالم بأقل معدل لهطول الأمطار بين سائر الدول مما يجعل الاعتماد على النيل بشكل حصري، معترفا بأن مصر اقتربت من بلوغ مرحلة الفقر المائي؛ حيث إن نصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 560 مترا مكعبا سنويا.
وقال إن كل ما نريده هو الحصول على حصتنا من المياه دون تأثير، زاعما أن البرامج التي وضعتها مصر لمعالجة المياه أو تحليتها تصل تكلفتها إلى 80 مليار دولار.
انهيار السد
فيما توقع محمد عبد العاطي وزير الري بحكومة الانقلاب انهيار سد النهضة مشيرا إلى أن وزارته تعمل على كافة الاحتمالات الخاصة بسد النهضة ومنها احتمال انهياره وفق تعبيره.
وقال عبد العاطي في تصريحات صحفية إن "وزارته تستعد لإقامة بنية تحتية حول السد العالي في أسوان تستطيع استيعاب كميات كبيرة من المياه وغير محددة تصل إلى بحيرة ناصر في وقت قصير بحسب زعمه".
وزعم أن البنية تشمل أيضا احتمالية عدم وصول المياه إلى بحيرة ناصر. مدعيا أن وزارته تستعد لكافة المخاطر".
ترشيد الاستهلاك
من جانبه قال الدكتور أحمد فوزي كبير خبراء المياه بالأمم المتحدة إن "المصريين لم يعد أمامهم خيار في ظل فشل المفاوضات في حل أزمة سد النهضة إلا ترشيد الاستهلاك مشددا على ضرورة إصدار قوانين تجرّم إهدار المياه وفرض رقابة صارمة على تنفيذها، ومحاسبة من يلقي مخلفات الصرف الصحي بالمجاري المائية والبحث عن موارد مائية جديدة".
وطالب فوزي في تصريحات صحفية بضرورة حل مشاكل المياه، وعمل توعية مجتمعية بخطورة إهدارها وتدريب المسئولين عن قضايا الحفاظ على المياه، ودعم الجمعيات الأهلية المتعلقة بالمياه، وكذلك إمداد المزارعين بأحدث الوسائل التكنولوجية للزراعة وتوعية المواطنين بأهمية المحافظة على المجاري من التلوث وعدم إلقاء المهملات بها.
وكشف أن مصر تواجه عجزا مائيا حوالي 30 مليار متر مكعب وهذا في غاية الخطورة ويحتاج إلى التحرك سريعا، محذرا من أن استمرار الحال على ما نحن عليه، سوف يجعلنا نعاني من مجاعة مائية.
وأشار فوزي إلى أن مصر من أعلى دول العالم استخداما للمياه النقية، 50% منها تهدر في الوصلات غير الشرعية بالمناطق العشوائية والعمارات المخالفة، و50% إهدار من قبل الناس، ويتم التعامل مع المياه بثقافة الوفرة وليست ثقافة الندرة.
وقال "ليس أمامنا حل إلا التوسع في معالجة وتحلية المياه الجوفية والتوسع في معالجة المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي، وإعادة الهيكلة الفنية والمالية والإدارية والتشريعية للقطاعات المتعاملة مع قضية المياه".
الصوت الإثيوبي يعلو
وأكد الدكتور محمد نصر الدين علام ، وزير الموارد المائية والري الأسبق، إنه برغم ظروف إثيوبيا الداخلية الكارثية، إلا أن الصوت الإثيوبي مازال يعلو، ومازال التعنت السياسي مستمرا للآن ، موضحا أنه بالتوازي هناك بيانات سودانية غير دقيقة حول استعدادات أثيوبيا للملء الثالث ، مما يخلق بيئة متضاربة غير صحية مع تمثيليات إقليمية ودولية لمحاولات فاشلة لتقريب وجهات نظر لا يمكن التقريب بينها.
وشدد علام على ضرورة وجود موقف مصري معلن في غياب السودان المبتلى بأزمة الانقلابات مطالبا دولة العسكر بتوضيح موقفها مما يحدث والتساؤل حول إلى أين نحن سائرون؟
وحذر من أن المخطط الإثيوبي لاستنزاف الوقت مازال مستمرا والخيارات تقل مؤكدا أن هناك تغيرا جذريا يحدث معنا وحولنا لأسباب تبدو متشابكة وشديدة التعقيد في الوقت الذي يزعم نظام السيسي أن حصة مصر من مياه النيل خط أحمر ممنوع الاقتراب منه ولا يمكن تجاوزه لكن على الأرض لا توجد جهود لردع إثيوبيا أو الضغط عليها لتغيير موقفها المتعنت.
عجز مائي
وأكد الدكتور نادر نور الدين أستاذ المياه بجامعة القاهرة، أن مصر تعيش في مرحلة الشح المائي خلال هذه الفترة، مشيرا إلى أننا نعاني من عجز مائي بمقدار 42 مليار متر مكعب سنويا .
وقال نورالدين في تصريحات صحفية إنه "من المفترض أن يكون لدينا 104 مليارات متر مكعب حتى نكون فوق حد الفقر المائي، لكن الموجود هو 62 مليار فقط، منها 55 مليارا ونصف المليار متر مكعب من مياه النيل، وحوالي 5 مليارات من المياه الجوفية، وتسقط الأمطار على سواحل الدلتا والصحراء ما يقرب من 1.3 مليار متر".
وأشار إلى أن التغيرات المناخية تعد تحديا كبيرا لمواردنا المائية في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة وكذلك ما تشهده مصر من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة مثل الأمطار الشديدة التي تضرب مناطق متفرقة من البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب سطح البحر وتأثيره السلبي الخطير على المدن والمناطق الساحلية.
وأوضح نور الدين أن سد النهضة الإثيوبي يُعتبر أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر في ظل الإجراءات الأُحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص ملء وتشغيل السد وما ينتج عن هذه الإجراءات الأحادية من تداعيات سلبية ضخمة على حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل .