11 مليون قضية أمام المحاكم.. قضاء الانقلاب يهدر حقوق المصريين ببطء إجراءات التقاضي

- ‎فيتقارير

آلاف القضايا تظل سنوات داخل أروقة محاكم الانقلاب في انتظار الحكم النهائي، ومع تباعد زمن الجلسات تحترق قلوب أصحاب الحقوق وأهالي الضحايا حتى يتحقق القصاص العادل، هذا في القضايا الجنائية وغيرها أما القضايا السياسية فإن شامخ الانقلاب يجند كل إمكانياته لإنهائها خلال جلسات معدودة لأن الأحكام الانتقامية معروفة وليس فيها نظر أو معارضة أو دفاع.

البطء الشديد في الإجراءات في المحاكمات الأخرى كانت سببا في ظهور ما يسمى بـالقصاص الشعبي، حيث يحاول البعض أخذ حقه بيده، وإن لم يستطع فقد يستعين بـبلطجي أو أحد الأشخاص الخارجين عن القانون.

وتشير الإحصاءات إلى أن هناك حوالي 11 مليون قضية مدنية وجنائية تنظرها المحاكم سنويا، وهذا يكشف حجم المأساة التي يعاني منها الشعب المصري من أجل الحصول على حقوقه في زمن الانقلاب وعن طريق شامخ الانقلاب.

 

مسكنات

من جانبه قال الدكتور أحمد القرماني أستاذ القانون الجنائي لا يمكن تصور حل أزمة بطء إجراءات التقاضي في صورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية أو المرافعات، مؤكدا أن هذه مجرد مسكنات لا تؤدي إلى حلول فعالة، حيث أكد الدستور المصري في المادة 97على إلزام الدولة بتقريب جهات التقاضي وسرعة الفصل في القضايا؛ ومع ذلك فما زال البطء مستمرا، وأوضح القرماني في تصريحات صحفية، أن هناك العديد من الأسباب وراء تباطؤ إجراءات التقاضي في العديد من المحاكمات منها أن القانون لم يحدد فترة زمنية للقاضي للنطق بالحكم في القضية المعروضة أمامه.

وكشف أن هناك أسبابا أخرى منها، لدد الخصومة من جانب المتقاضين لإطالة أمد النزاع، ولا تستطيع المحكمة أن تمنع طلبات الخصوم أو طلبات الدفاع، بالإضافة إلى التلاعب والتحايل في الإعلانات القضائية من قبل محضري وزارة عدل الانقلاب وموظفي البريد ومندوبي داخلية الانقلاب.

وأشار القرماني إلى أن أعداد القضاة وأعضاء النيابة ومساعدي العدالة من خبراء وفنيين وموظفين لا يتناسب مع حجم القضايا المعروضة عليهم، فضلا عن عدم تطوير وتهيئة المحاكم كأبنية عدالة متكاملة.

وأضاف أن تطوير منظومة العدالة تشمل كافة أطراف التقاضي وبيئة العمل القضائي من محامين وقضاة وأعضاء النيابة والمتقاضي صاحب الحق والدولة، مؤكدا أن بطء العدالة لا ينتهي إلا بتنفيذ الحكم وتأكيد فعاليته فلا يجوز القول بأن القاضي أصدر حكما في القضية، وما زال صاحب الحق لا يستطيع تنفيذ الحكم على الرغم من أن عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية والقوانين جريمة جنائية توجب العزل من الوظيفة العامة؛ وهذا ما يقودنا إلى معاناة صاحب الحق في تنفيذ الحكم.

 

التحول الرقمي

وأكد القرماني أن الإصلاح التشريعي ليس هو الحل، ولابد أن تكون هناك رؤية ومشروع من دولة العسكر لحل مشكلة بطء العدالة، كما يجب تفعيل قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 طبقا لنص المواد 38 و47 بشأن تعيين نسبة من المحامين للعمل بالقضاء.

وقال إن "التاريخ يشهد على أعلام من المحامين عملوا بالقضاء، وكذلك أعلام من القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين عملوا بالمحاماة وكان لهم تاريخ ومن هنا فإن مد السلطة القضائية بعناصر مهنية من المحامين يعد جزءا من حل الأزمة".

 وعما إذا كانت التكنولوجيا تلعب دورا في صدور أحكام ناجزة، شدد القرماني على أنه لا يمكن أن تحل الأزمة بالتكنولوجيا، لكن يمكن استخدام التكنولوجيا للتيسير على المواطنين بشأن الأشياء الإدارية كإيداع الدعاوى وإرفاق المستندات والمذكرات عن بعد والتواصل مع المواطنين والإعلانات القضائية والأحكام والاستعلامات الأمنية في النيابات والمحاكم وتبليغ القرارات القضائية إلكترونيا ويمكن أيضا تسجيل الجلسات ومحاضرها إلكترونيا.

ولفت إلى أن هناك أنواعا من القضايا التي تتطلب التحقيق والتواصل مع القاضي؛ خاصة في القضايا الجنائية موضحا أنه من الصعب تصور المحاكمات عن بعد، لأن هذا يصطدم مع حقوق الدفاع لأنه يمكن التآثير على المتهم ومحاميه في تحقيق دفاعه، وأيضا سماع الشهادة عن بعد تتطلب ضمانات لا تقبل العبث أو التحريف أو التبديل لأنه يمكن تصور الفهم الخطأ لشهادة أحد الشهود إذا تمت عن بعد بدون نقاش مع القاضي أو هيئة المحكمة، وهذا ما ينال من حقوق المتقاضين .

وأكد القرماني، أن بطء العدالة يحتاج لرؤية ومشروع متكامل للقضاء عليه، يشمل كافة أطراف التقاضي، والتغيير يتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية .

 

حياة المواطنين

وأكد الدكتور وائل أحمد عبدالله أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج أن الآثار السلبية لبطء إجراءات التقاضي لا تقتصر على تأخر وصول الحقوق لأصحابها، ولكنها تنعكس أيضا على حياة المواطنين بشكل عام، وعلى صحتهم النفسية وولائهم لوطنهم، موضحا أنه عندما يشعر المواطن أنه سيحصل على حقه سريعا يزداد تعلقه بوطنه، والعكس صحيح".

وقال عبدالله في تصريحات صحفية إن "بطء إجراءات التقاضي له أثر نفسي سلبي كبير على طرفي التقاضي من المدَّعين أو المدَّعى عليهم؛ فالأصل في القضاء هو تحقيق العدالة، وأول شروط تحقيق هذه العدالة هو سُرعة إنصاف المظلوم ووجوب الاقتصاص من الظالم، الأمر الذي يعمل على دعم ثقة المواطنين في القضاء ونشر ثقافة التقاضي وترسيخ قيم تعظيم المؤسسات وضمان وصول الحقوق لأصحابها.

وأشار إلى أن بطء إجراءات التقاضي يترتب عليه أمور كثيرة قد تؤثر سلبا على العامل النفسي لدى المواطنين؛ الأمر الذي يدعوهم إلى اتباع سلوكيات لا يقبلها المجتمع؛ فالإحساس بالظلم والقهر الناتج عن حدوث خلل ما قد يولد اليأس لدى بعض المواطنين من الحصول عن حقوقهم بالطرق المشروعة؛ وهذا يدعوهم لمحاولة أخذ حقوقهم بطرق غير مشروعة .

وأضاف عبدالله أن هذا التصرف سلوك ناتج عن اضطراب نفسي سلوكي تولد عن الشعور بالضيق أو العجز عن رفع الظلم الذي وقع على الفرد وقد يستمر أشهرا  أو سنوات نتيجة بطء إجراءات التقاضي.

وأوضح أن منظومة العدالة تكمن في إقامة العدل بين الناس لافتا إلى أن للعدالة 3 أوجه، يتصارع كل وجه منها في ذهن القاضي أثناء وضع حيثيات الحكم؛ الوجه الأول هو العدالة من وجهة نظر المدَّعي أو المظلوم؛ الذي يرى أن حقه مهضوم وأنه من الضروري إعادة حقه وعلى وجه السرعة، والوجه الثاني هو الذي يراه المدعى عليه أو الظالم؛ في ضرورة الأخذ في الاعتبار الدوافع التي دفعته لفعل هذه الأفعال التي يعاقب عليها القانون، والوجه الثالث للعدالة من وجهة نظر القاضي الذي ينظر للأمور نظرة فلسفية كلية شمولية واعية بالتشريعات العادلة واجبة التطبيق والتي تعمل على رفع الظلم عن المظلومين، وتطبيق عقوبة مناسبة من شأنها إصلاح وتهذيب المدانين؛ الأمر الذي يجعله يتريث طويلا ويفكر كثيرا ويستجيب لمطالبات الدفاع أملا في الوصول إلى دليل براءة.

وشدد عبدالله على ضرورة تفادي الآثار السلبية الناجمة عن بطء إجراءات التقاضي بتطبيق أمور من شأنها أن تعمل على تيسير الإجراءات؛ مثل تطبيق وتفعيل عملية التقاضي الآمن عن بعد من خلال شبكة الإنترنت؛ فلا يصح أن نكون في عصر التحول الرقمي ولا يتم تفعيل دور التقنية في خدمة التقاضي.

 

مماطلة

وقالت الدكتورة ولاء شبانة، استشاري الصحة النفسية والعلوم السلوكية إن "جزءا كبيرا في تحقيق العدالة يتمثل في إنجازها لعدة أسباب منها تحقيق الطمأنينة في نفوس المواطنين، وهذا ما نستمده من آيات كتاب الله «ولكم في القصاص حياة»، ومنها نؤكد أهمية تحقيق العدالة الناجزة التي تمنح الأهالي نوعا من الثقة في الحياة وعدالتها والتأكيد لهم بأن القصاص العادل سيأتيهم سريعا.

وأضافت د. ولاء في تصريحات صحفية أن بطء إجراءات التقاضي في العديد من القضايا قد يساهم بشكل كبير في تفشي الجرائم وقد يصل الأمر إلى القتل، خاصة عندما يرى المواطنون أن مسيرة القضايا تطول داخل أروقة المحاكم .

وتابعت ، من الجانب النفسي المماطلة في الأحكام يبعث نوعا من القلق حيث تشتعل النيران المكبوتة داخل الأنفس مما ينذر بحدوث مشكلات كبيرة.