ورقة بحثية: انقلاب السودان فضح عداء العسكر للديمقراطية

- ‎فيتقارير

قالت ورقة بحثية بعنوان "انقلاب السودان.. المقدمات والمواقف والمآلات المحتملة" إن الانقلاب السوداني يأتي ليثبت أن التجربة السودانية لم يتعظ أصحابها من التجارب السابقة، رغم رؤية القاصي والداني للسيناريو المصري وهو يُطبق بحذافيره في السودان، ومع ذلك كرروا نفس الأخطاء التي أوصلتهم إلى هذا الانقلاب المنتظر، وانخدعوا بوعود العسكر رغم معرفتهم بما يدبرونه لإفشال تجربتهم، وظنوا أن الجيش سوف يتنازل عن مصالحه ويسلم لهم السلطة".
واستشهدت كدليل على ذلك تصريح عبدالله حمدوك الذي قال بعد الإعلان عن انقلاب سبتمبر، إن "الجيش السوداني الذي حَمَى الثوار أمام القيادة لا ينقلب، مَن ينقلبون ويَدعون للانقلاب هم من ضد الانتقال المدني، وهم بالضرورة فلول".
وأضافت الورقة التي أعدتها وحدة الرصد بمركز "مسارات للدراسات الإنسانية" أن انقلاب السودان؛ حلقة من حلقات الصراع بين محور الثورة المضادة من ناحية، وثورات الربيع العربي من ناحية أخرى، وحذرت من أنه ييمثل حال نجاحه واستيلاء العسكر على السلطة هزيمة أخرى تضاف إلى سلسلة الهزائم التي مُنِيَ بها معسكر الثورة.

مقدمات ونتائج
وخلصت الورقة إلى أن "المقدمات التي سبقت هذا الانقلاب العسكري كانت تنذر بوقوعه، وذلك بعد أن رأينا التجربة المصرية تتكرر على أرض السودان، حينما قام العسكر بتوريط المدنيين في مشاكل لا تنتهي، وشوهوا صورتهم أمام الشعب، وحملوهم مسؤولية تردي الأوضاع، بسبب الانقسامات فيما بينهم والصراع على المناصب، ثم قدموا أنفسهم في صورة المنقذ الذي يريد حماية الثورة وتجنيب البلاد الحرب الأهلية من خلال الانقلاب وتسلم السلطة".


دول الثورة المضادة
ولمحت الورقة أن "المواقف العربية وكأنها صدرت عن مصدر واحد، فقد اتفقت كلها على أن الحكومات العربية تراقب الأوضاع بقلق واهتمام، وتدعو إلى احتواء الموقف وعدم التصعيد من جميع الأطراف، وتطالب الفرقاء في السودان بضبط النفس والتهدئة وعدم التصعيد، وتغليب الحكمة والعمل لمصلحة الشعب السوداني، ولم تدنْ الدول العربية الانقلاب العسكري، وفيما عدا البيان القطري، لم تذكر البيانات العربية شيئا عن العودة إلى المسار الديمقراطي، وكأنها تدعو إلى الرضا بالأمر الواقع.
وأضافت أن تقارير صحفية عديدة وجود تأييد عربي للانقلاب، منها صحيفة "تلجراف" و"الجارديان" البريطانيتين وصحيفة “واشنطن بوست” وليبراسيون الفرنسية وأن من يقف وراءه مصر ودول خليجية.
ورفضت روسيا وصْف ما حدث في السودان بالانقلاب، وفشل مجلس الأمن في اتخاذ موقف قوي في هذا الشأن، بسبب اعتراض روسيا على تضمين بيان المجلس أي إدانة لإجراءات الجيش السوداني.

مآلات الأمور
وطرحت الورقة عدة سيناريوهات للتنبؤ بمآلات الأمور في ظل الإجراءات التي أعلنها البرهان، وتوالي ردود الأفعال الداخلية والإقليمية والدولية،
السيناريو الأول:
ورأت أن مآل الانقلاب النجاح بتمسك الجيش السوداني بالإجراءات التي اتخذها، واستنساخ التجربة الانقلابية في مصر، وذلك عن طريق تكليف رئيس وزراء مدني موال للعسكر بتشكيل الوزراة، وتقديمه للشعب السوداني والمجتمع الدولي بوصفه حاكما مدنيا للدولة، لنفي صفة الانقلاب العسكري عن الوضع القائم، والاعتماد على عامل الوقت في تهدئة الشارع السوداني، والنجاح في تجاوز أي تبعات مستقبلية للانقلاب، من جانب الشعب والقوى السياسية المعارضة، أو من جانب القوى الدولية، ثم الذهاب إلى انتخابات يفوز بها مرشح عسكري، ينتقل الحكم بعدها إلى العسكر من خلال رئيس ذي خلفية عسكرية".
وأن الدعم السياسي والاقتصادي العربي، والخليجي بشكل خاص، لإقناع أمريكا والغرب بتخفيف الضغوط على العسكر، وعدم وَصْف إجراءاتهم بالانقلاب العسكري، والرضا بالخطوات الشكلية، لإعادة الحياة المدنية، والتعامل مع القيادة الجديدة، وقد يكون لإسرائيل دور مؤثر في هذا الأمر".

السيناريو الثاني:
وطرحت الورقة أن المكون المدني قد ينجح في إفشال مخططات العسكر، والعودة إلى المسار المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، ونقل السلطة إلى المدنيين في الموعد المحدد، أو في موعد يتم التوافق عليه، وذلك عن طريق التظاهر والاعتصام والعصيان المدني، ووقوف القوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها أمريكا، في صف المدنيين، خاصة وأن المكون المدني السوداني لا ينتمي إلى التيار الإسلامي الذي تجاهلت أمريكا والغرب الانقلاب على ممثليه في مصر وتونس.
وأضافت أن تصاعد حِدة الغضب الشعبي، ونجاح المحتجين في الضغط على الجيش السوداني من خلال المظاهرات والاعتصامات، وتنفيذ عصيان مدني واسع النطاق، يُعطّل حركة الدولة، ويُصِيب مفاصلها بالشلل، ويزيد من التوتر والاضطرابات والمشاكل الاقتصادية التي يصعب على الجيش مواجهتها.

السيناريو الثالث:
ورأت الورقة أنه قد يجلس العسكر والمدنيون إلى طاولة المفاوضات، للبحث عن حل للأزمة بوساطة إقليمية أو دولية، والوصول إلى صيغة جديدة للتعاون بينهما، قد تقوم على استئناف المرحلة الانتقالية وفق خارطة طريق جديدة، وهو ما قد يُعِيد بعض الهدوء الهش والمؤقت إلى الشارع السوداني والمشهد السياسي".
وأضافت أنه يمكن أن "تكون عودة حمدوك للمشهد مرة أخرى، من خلال تكوين وزارة جديدة من التكنوقراط، ولا تقوم على المحاصصة الحزبية، هي المخرج المناسب في ظل هذا السيناريو، ولكن على أساس توافقات جديدة، تتجاوز الخلافات السابقة بين الطرفين، وتستبعد بعض الشخصيات التي لا يرغب العسكر في التعاون معها ويتهمها بالتحريض على القوات المسلحة".

السيناريو الرابع:
أشارت الورقة في هذا المآل إلى "انزلاق السودان إلى حالة من الفوضى التي يمكن أن تعم البلاد حال تمسك الجيش بما اتخذه من إجراءات، وتمسك المكون المدني برفض هذه الإجراءات، واستمرار الشعب السوداني في التظاهر وتحدي سلطة الجيش، وهو ما قد يدفع العسكر إلى استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المحتجين، والتوسع في سياسة الاعتقال، وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، الأمر الذي سوف يشعل الشارع السوداني".
وحذرت من استغلال الجماعات الانفصالية والفصائل المسلحة في دارفور وكردفان هذه الأوضاع لإحداث حالة من القلاقل والاضطرابات وإدخال البلاد في دوامة الانفلات الأمني.

ترجيح واحد
ورأت الورقة أنه بعد استعراض السيناريوهات المختلفة، يظل السيناريو الأول هو الأقرب إلى الوقوع على ضوء المعطيات التالية:

  • انقسام القوى السياسية السودانية وتأييد فصيل منها للانقلاب.
  • انقسام الشارع السوداني، حتى وإن كانت كفة المعارضين للعسكر هي الغالبة.
  • صعوبة تخلي الجيش عن مصالحه بالانسحاب من الشأن العام السوداني.
  • دعم محور الثورة المضادة للانقلابات العسكرية ورفضها لأي تجربة مدنية ديمقراطية في المنطقة.
  • إمكانية دخول إسرائيل على خط الانقلاب ودعم قادته لدى أمريكا والغرب في مقابل التطبيع.
  • الشك في رغبة الغرب في قيام تجربة ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية.

 

https://almasarstudies.com/the-coup-sudan-introductions-and-attitudes-and/?fbclid=IwAR0mp8PNXjPKpP2GFt_jBJPEC0a8h3PLF0XD839DllZXjceNf3lpP5B1C2Y