“قيس” على خطى السفاح السيسي و”المرزوقي” يواجه مصير الشهيد مرسي

- ‎فيتقارير

من المفترض أن الرئيس التونسي قيس سعيد هو أحد أكثر الرؤساء الذين حظوا بتأييد شعبي بعد الثورة، استنادا إلى مواقفه الإيجابية المتقاطعة مع قيم ثورة الياسمين، وبالأخص في إيلاء العدالة الاجتماعية الاهتمام الأكبر مقارنة بالأسئلة الجدلية ذات الحمولة الثقافية، وجهره برفض التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني الذي يعد جزءا أساسيا من الأجندة الخارجية لدول الثورة المضادة.

بالنظر إلى هذه المقدمات، كان المتوقع أن تكون العلاقة بين قيس من جهة والسفاح السيسي من جهة أخرى، لا نقول إنها مقطوعة، ولكن يشوبها التحفظ في ظل اختلاف أولويات وقيم الطرفين، واستقبال شرائح كبيرة في المجتمع العربي خبر انتصار سعيد في السباق الانتخابي بالهتاف ضد عدد من المستبدين العرب، على رأسهم السفاح السيسي، على اعتبار أن سعيد المنتخب والسيسي المنقلب طرفا نقيض من الصعب تخيل التقائهما قيميا وسياسيا.

إلا أن الشواهد باتت تؤكد على خطا تلك الفرضيات وأن سعيد بات يحاكي السفاح السيسي، بعد تأكيد مصادر قضائية تونسية إصدار بطاقة جلب دولية ضد الرئيس السابق منصف المرزوقي، بتهمة مزعومة هي الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، عقب اتهامه من قبل الرئيس قيس سعيد بالدعوة للتدخل الأجنبي، وهو ما نفاه المرزوقي في وقت سابق.

 

المرزوقي ومرسي..!

حين زار قيس سعيد القاهرة، بدعوة من السفاح السيسي، وأكل خبزه وتحدث لغته، أكد المراقبون أن قيس غافل التونسيين، وأطل من شرفة زين العابدين بن علي، وعن يمينه السفاح السيسي، وعن يساره خليفة حفتر، يتضاحكون ويسخرون من تلك الرومانسية الثورية العبيطة.

وعلى غرار ما حصل في مصر قبل ثماني سنوات، فإن الجسم الأعظم لليسار التونسي متمثلا بالحركة العمالية، التي تعبر عنها قيادة "الاتحاد العام التونسي للشغل" قد وقع في فخ تأييد الانقلاب والتوهم وإيهام الشعب في آن واحد بأنه مجرد تصحيح للمسار الديمقراطي، مثلما فعلت أبرز قوى اليسار المصري إزاء انقلاب 3يوليو علما بأن منظمات سياسية يسارية تونسية مثل حزب العمال الذي يرأسه حمة الهمامي، قد أدانت تدابير سعيد وحذرت من انزلاق البلاد من جديد نحو الدكتاتورية.

ويبدو أن "سعيد" جرى تجنيده من أجل الانخراط في خطة إماراتية سعودية مصرية للانقلاب على ما تبقى من الربيع العربي، عبر شيطنة مهندسيها لحركة النهضة، وإزكاء مشاعر التفرد وإنقاذ البلاد من الخطر الذي يحدق بها لدى سعيد، وتشجيعه بأن مخططات الانفراد بالسلطة ستلقى دعما سياسيا وماليا من هذه الدول لتونس في أزماتها الاقتصادية والصحية الطاحنة، وأن بلاده لن تقف وحدها.

ونقلت وكالة الأنباء المحلية التونسية عن مصادر في المحكمة الابتدائية في العاصمة قولها إن "قاضي التحقيق المتعهد بملف المرزوقي، تولى إصدار بطاقة جلب دولية في شأنه".

وكان الرئيس قيس سعيد اتهم المرزوقي بالتآمر على أمن الدولة الخارجي، وتعهد بسحب جوار السفر الدبلوماسي منه، مطالبا وزيرة العدل بفتح تحقيق قضائي ضده.

ونفى المرزوقي اتهامه من قبل الرئيس سعيد وبعض الأطراف داخل تونس بالدعوة للتدخل الأجنبي، مؤكدا أنه دعا فرنسا لـعدم دعم الانقلاب، وليس للتدخل في تونس".

وقال المرزوقي إن "الرئيس قيس سعيد ورط البلاد في أزمة سياسية خانقة، ولا يعرف كيف يخرج منها" وأضاف أنه مثل الكثيرين تمنى النجاح لسعيد عندما تولى منصبه وكان الجميع يعتقد أن سعيد سيحارب الفساد، لكن شيئا فشيئا اكتشفوا أنه لن يفعل شيئا وأن الأزمة الاقتصادية تتفاقم يوما بعد يوم.

 

شعارات الانقلاب

نظر قيس سعيد حوله، فوجد كل قتلة الربيع العربي غارقين في المنح والهدايا والعطايا والمكافآت القادمة من الشرق والغرب، بل إن الذين لطالما قدموا أنفسهم باعتبارهم أصدقاء الربيع وأحبائه كانوا الأجزل عطاء والأكثر تفانيا في تدليل قتلة الربيع، وخطب ودهم وإسكات كل الأصوات التي يمكن أن تسبب لهم إزعاجا.

وذكر الرئيس التونسي الأسبق أنه يشعر بالكثير من الألم والحسرة لم يره يحدث في تونس، وقال إن "الرئيس سعيد يعيش في عالم آخر، ولا يريد أن يعترف بالحقيقة، وأضاف أنه من المفترض أن الرئيس يحصل على تقارير من أجهزة جمع المعلومات ومن المستشارين حوله".

وأوضح أنه في الوقت الذي تحدثت فيه أجهزة الأمن عن مشاركة عدة آلاف فقط في المظاهرات التي خرجت قبل أيام لمساندة سعيد، تحدث الأخير عن مشاركة نحو مليوني شخص في تلك المسيرات.

وقال المرزوقي إن "سعيد يستخدم شعارات وكلمات يغازل بها العامة، لكنها لن تذهب به بعيدا، وأضاف أن ما يقال عن دعم الشعب لسعيد سيتهاوى شيئا فشيئا، وسيتضح أن هذا الرجل معزول تماما ويشكل خطرا على البلاد".

وأوضح أن الانقسام الحالي في تونس هو بين من يؤمنون بأن ما وقع هو انقلاب على الدستور ويجب العودة إلى الشرعية الدستورية وبين من يبحثون عن أعذار للرئيس سعيد، وذكر المرزوقي أن الانقلاب هو الذي قسم الشعب التونسي وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية من قوى أجنبية.

كل المقولات والشعارات الفاخرة عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ديست بأقدام رافعيها ومصدريها، وجاءت لحظة انتفت معها الفروق الجوهرية بين جو بايدن ودونالد ترامب، وبدا معها الاتحاد الأوروبي وقد تحول إلى نسخ مكررة من إيمانويل ماكرون.