حزب أتاتورك.. خديعة جديدة تحت لافتة الاعتذر عن جرائمه السابقة

- ‎فيعربي ودولي

أمام الانتقادات الحادة التي يتعرض لها «حزب الشعب الجمهوري» التركي العلماني الذي أسسه الدكتاتور مصطفى كمال أتاتورك، والذي يحظى برفض الغالبية الساحقة من الأتراك؛ استخدم رئيس الحزب كمال كيليشدار أوغلو، طرق الخديعة والمناورة بهدف تفتيت أصوات الائتلاف الحاكم الذي يضم حزبي "العدالة والتنمية" والحزب القومي، أو استهداف استقطاب الشريحة التي خرجت من الحزبين؛ وذلك عبر إعلان ما أطلق عليه "حملة المسامحة" والتي تعني اعتذار الحزب عن الجرائم والأخطاء التي ارتكبها عندما كان ينفرد بالسلطة. والاعتذار عنها. لافتا إلى أن تلك “المسامحة” لن تغير الماضي، لكنها -وفقا لوجهة نظره- ستنقذ المستقبل.

وبحسب الباحثة في الشأن التركي "صالحة علام" في مقاله لها بعنوان "عندما يرفع حزب أتاتورك شعار: “عفا الله عما سلف”!». والمنشور بموقع "الجزيرة مباشر"، فإن الاعتذار عن الأخطاء السابقة هو هدف نبيل لكنها ترى أنه في هذا التوقيت ووتلك الظروف يراد به باطل.

وتضيف أن هذا الإقرار عندما يكون مجرد مدخل لاستقطاب أصوات الإسلاميين والقوميين الذين يمثلون القاعدة الإنتخابية لتحالف حزب الجماهير الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية فإن ذلك يخرج هذه الدعوى النبيلة عن مضمونها ومثاليتها، بل ويضعها في موضع الشبهة والانتهازية، ويوصم صاحبها بالجهل السياسي.

وتشرح ذلك بأن هذا الجهل السياسي جعل كيليشدار أوغلو هدفاً سهلا، ولقمة سائغة لكل من يمارس العمل السياسي في تركيا، حلفائه قبل أعدائه، الذين دشنوا حملة انتقاد واسعة لتصريحاته، وذهب البعض منهم إلى الحديث عن أن الوقت قد حان للتخلص من الرجل الذي انتهك النظام الأساسي لحزب أتاتورك، فيما اتهمه آخرون بالازدواجية في خطابه السياسي، فهو من جهة يسعى إلى المسامحة كما يقول بينما يقوم بطرد كل من يخالفه الرأي داخل الحزب، وتساءل هؤلاء هل سيتسامح كيليشدار أوغلو مع من رفضوا ترشحه للرئاسة؟ أو مع هؤلاء الذين طردهم من الحزب لأنهم رفضوا الوقوف إلى جواره ودعمه للاستمرار في رئاسة الحزب؟!

 

الهدف هو الانتخابات

يعتقد كيليشدار أوغلو أن الترتيبات التي قام بها مؤخرا وعمليات الاستقطاب التي ضم بموجبها العديد من الأحزاب السياسية حتى تلك التي تخالف حزبه في الأيدولوجية التي ارتكز عليها منذ إنشائه حتى اليوم، بما في ذلك تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد على الساحة السياسية، ما زالت غير كافية لضمان فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة سواء تمت في موعدها المحدد لها عام 2023 أو تم إجراؤها مبكراً وتحديداً في منتصف 2022، خصوصا وأن العديد من استطلاعات الرأي التي تجريها المراكز البحثية المتخصصة لا تزال تشير إلى تقدم العدالة والتنمية على الشعب الجمهوري بنسب تتراوح ما بين 5% و7% إذا أجريت الانتخابات اليوم.

لذلك يسعى حزب أتاتورك الذي يمثل الحزب المعارض الأكبر في تركيا، إلى تقليص الفجوة مع العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك عبر محاولة استقطاب أصوات الإسلاميين والقوميين، وتحديداً هؤلاء الذي انشقوا عن القاعدة الانتخابية لحزبي العدالة والتنمية، والحركة القومية، وهي شريحة انتخابية واسعة يخشى كيليشدار أوغلو أن تذهب إلى أي من الأحزاب ذات التوجه المحافظ التي لا تزال ترفض الإنضمام إلى تحالفه مع حزب الجيد، ومن هذه الأحزاب حزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أغلو، وحزب التقدم والديمقراطية بزعامة علي باباجان، وحزب السعادة بزعامة تمل كرمال الله أوغلو، الذين لا يزالون يراوحون مكانهم، ولم يحددوا موقفهم النهائي بعد.

وبسحب صالحة علام، فإن الحل للخروج من هذه المعضلة -وفقا لرؤيته- هو التوجه مباشرة إلى هذه الشريحة من خلال استخدام لفظ المسامحة، وعفا الله عما سلف، وهو ما بدا واضحاً في كلمة الرجل الذي اعترف أن تلك المسامحة لن تصلح أخطاء الماضي، وما أكثرها، لكنها دون شك ستنقذ المستقبل! فعن أي مستقبل يتحدث، مستقبل تركيا أم مستقبله هو شخصيا؟

 

جرائم حزب أتاتورك

وتتساءل علام: هل يمكن أن يغفر الأتراك ما تعرضوا له من ظلم جراء السياسات المخزية ضد هوية المجتمع التركي التي انتهجها حزب الشعب الجمهوري بهدف الانسلاخ عن كل ما يربط تركيا الحديثة بتاريخها الإسلامي تقرباً لأوربا؟ وهل يغفر الأتراك للشعب الجمهوري ما فرضه عليهم من سياسات التقشف، التي أدت إلى ظهور الطوابير الطويلة أمام المخابز، ومحال بيع المنتجات الغذائية، وارتفاع معدلات البطالة، والمصانع التي عملت بنصف طاقتها الإنتاجية، واختفاء الحريات الشخصية، وظهور العدالة الانتقائية. وسعيه جاهداً، رغم كل تلك المعاناة الاقتصادية، لمحاربة الهوية الإسلامية للدولة التركية عبر الكثير من القوانين الصارمة التي قام بسنها وتطبيقها رغم أنف المواطنين، الذين تعرض الكثير منهم للاعتقال والمحاكمة والاعدام فقط لتمسكهم بهويتهم الإسلامية.

فالأتراك لا ينسون أن حزب أتاتورك غير نظام الحكم إلى جمهوري علماني، وإبطال العمل بالشريعة الإسلامية، ومنع كل مظهر يمت إلى الإسلام بصلة، وتحويل المدارس الإسلامية إلى مدارس علمانية، وإلغاء المحاكم الشرعية، وإحلال القوانين الأوربية عوضاً عن تلك المستمدة من الشريعة الإسلامية، فتمت الاستعانة بالقانون الجنائي الإيطالي، وقانون التجارة الألماني، والقانون المدني السويسري، ومُنع تعدد الزوجات واستبدال الزواج الشرعي بعقود الزواج المدني، وحلت القبعات الأوربية محل العمامة والطربوش، وفُرضت الأزياء الأوربية على الرجال والنساء على حد سواء، وحلت الحروف اللاتينية محل الأحرف العربية في الكتابة، وتم بناءً على ذلك ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية.

لم يكتف حزب الشعب الجمهوري بتلك التغييرات بل قام بمنع الآذان باللغة العربية، وأغلق جامع آيا صوفيا في وجه المصلين، وحوله إلى متحف، واعتقل رجال الدين الذين اعترضوا على تلك القرارات ومحاكمتهم وإعدام عدد منهم.

 

هدم المساجد وبيعها!

ووفقا لصالحة علام ففي أعقاب وفاة مصطفى كمال أتاتورك وتولي عصمت إينونو السلطة ورئاسة الحزب بعده، وفي قانون الموازنة العامة للدولة الذي صدر عام 1927 جاءت مادة تحت عنوان “مشكلة الجوامع في تركيا” وهي المادة التي استباحت المساجد والجوامع، حيث أكدت على ضرورة إغلاق وتدمير العديد منها، بحجة أن تركيا تمتلك منها ما يفيض عن حاجتها، ووفقا لتوصية تلك المادة تم تدمير الكثير من الجوامع التاريخية في العديد من المدن سواء تلك الواقعة على البحر الأسود أو في الأناضول وأضنة، وفي وسط تركيا وجنوبها. بل واستخدم الحزب عددا من تلك المساجد كمخازن للدولة، فيما أغلق عددا آخر ومنع الصلاة فيها، ومنها مسجد السلطان علاء الدين كيكباد في مدينة شوروم، الذي أراد حزب الشعب الجمهوري هدمه ولكن رفض سكان المدينة حال دون هدمه والاكتفاء بإغلاقه. كما استخدم عدداً منها في المدن التركية كمقرات له، مثلما حدث مع مسجد “جوكسو” الذي بني بأمر من السلطانة مهري شاه زوجة السلطان مصطفى الثالث، وجامع “علي ده ده” في أضنة، واستخدم عددا آخر من المساجد كإصطبلات للخيول، ومعتقلات وسجون، وهي السياسة التي بررها كمال كيليشدار أوغلو منذ عدة سنوات بعدم وجود أماكن أخرى!

اللافت أن زعيم حزب الشعب الجمهوري اختص عددا من الجرائم التي ارتكبتها حكومات الحزب سابقا دون غيرها ن الجرائم الكثيرة التي يندى لها جبين الإنسانية، منها منفذو انقلاب 28 فبراير 1997، والمصالحة مع المحجبات اللاتي تم إجبارهن على دخول غرف الإقناع من أجل خلغ حجابهن، وحرمان من رفضن منهن المثول لذلك من استكمال دراستهن الجامعية! والمصافحة مع ضحايا مجزرتي سيواس 1993 ومرعش 1978، فهل يمد الإسلاميون والقوميون يدهم لمصافحة يد كيليشدار أوغلو الممدوة لهم باسم حزب الشعب الجمهوري وهي تقطر دماء أبنائهم وأقاربهم الذين راحوا ضحايا تمسكهم بهويتهم ورفضهم لسياسات التغريب؟!