«أولاد الحاج رشوان».. هل تفرغ إعلام الانقلاب للتسلية والحكاوي لإلهاء المصريين؟

- ‎فيتقارير

الإلهاء في الأنظمة العسكرية والدكتاتورية يتم  بهدف استلاب عقول المواطنين، وإشغالهم عن قضاياهم الرئيسية ، بتشتيت الانتباه وإشعال الأزمات ونشر الشائعات واستخدام الفن والرياضة لتجميل صورة الاستبداد.

وقام إعلام الانقلاب الذي يُدار من مكتب  عباس كامل في المخابرات العامة، خلال الأيام الماضية، بتصدير مأساة خاصة جدا يعيشها الفنان رشوان توفيق، بسبب ابنته الصغرى، بعدما قامت بمقاضاته بمعاونة زوجها وابنها، من أجل السيطرة على ما يملك، على الرغم من كونه لم يعد يملك شيئا في الوقت الحالي، وهو ما جعله يعيش في حالة نفسية سيئة للغاية.

ويأتي هذا الإلهاء بحكاية الحاج رشوان وأولاده بينما تعيش مصر على وقع أزمات اقتصادية متتالية، من رفع لأسعار البوتاجاز، وارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات، وتغوّل الدولار على الجنيه المصري، وعجز حكومة الانقلاب عن توفير السلع الأساسية والأدوية، رغم ما اتخذته من خطوات بتعويم الجنيه وتخفيض الدعم ورفع أسعار الوقود.

 

وظيفة الإعلام

لعب الإعلام على الدوام دورا مهما في مصر والشرق الأوسط، وطرأت عليه تغييرات مهمة خلال العقدين الماضيين، بلغت ذروتها في دخول شبكات التواصل الاجتماعي التي استخدمتها القوى الثورية بصورة إستراتيجية لدعم قضيتها وإسقاط المخلوع الراحل حسني مبارك، الدكتاتور الذي حكم مصر مدة ثلاثين عاما.

ومنذ اندلاع الثورة في العام 2011، كانت التغيّرات سريعة ومتكررة، حيث حاولت وسائل الإعلام الحكومية معرفة رؤسائها الجدد، أما وسائل الإعلام الخاصة، فهي تحاول عدم تنفير الناس في الوقت الذي تحافظ على مصالح أصحابها، الذين كان معظمهم متحالفين بشكل وثيق مع عصابات العسكر.

انقلاب السفاح السيسي كان أكثر قسوة على وسائل الإعلام، لكن تبقى شبكات التواصل الاجتماعي قوة مستقلة، على الرغم من أن عصابة الانقلاب حاولت تضييق الخناق على الأصوات المعارضة في وسائل الإعلام كافة.

من جهته يقول الكاتب الصحفي طه خليفة "رشوان توفيق ممثل قدير، لكني لم أتعاطف معه فيما أشار إليه أمس في برنامج عمرو الليثي، ولم أجد في حلقة هذا البرنامج، ولا في أداء عمرو، أي مهنية أو احترام لدور وقيمة الإعلام".

وأضاف خليفة "الحلقة تم إعدادها خصيصا لمشكلة عائلية بين الأب رشوان توفيق، وابنته وتدعى آية، ما علاقة جمهور المشاهدين بخلاف أسري، وميراث وزّعه وكتبه الأب برضاه وهو على قيد الحياة على بناته؟".

واعتبر الكاتب الصحفي أن هناك طرفا آخر في الموضوع تم تغييبه تماما، وقال  "لم نستمع لروايته طالما فرضوا علينا هذه القصة السيئة المسيئة، ثم هل وظيفة الإعلام هو عرض أمور شخصية تحط من قدر أصحابها، واستعراض لأفراد عائلات الممثلين وأحاديثهم التافهة السخيفة سواء ما شاهدناه أمس، أو ما نشاهده يوميا من  حياة أناس ليسوا هم القدوة، ولن يكونوا أبدا؟، وهم بما يعرضونه بأنفسهم من مشاكل وقضايا تجري بينهم يثبتون أنهم غير جديرين بالاقتداء بهم أو السير وراءهم".

وتابع "ما حصل في قضية هذا الفنان هو ابتزاز لمشاعر الناس عبر الشاشة، ومحاولة صنع رأي عام إلى جانبه ضد ابنته، وقد تكون ظالمة، وهذا لا يعنينا أيضا لأنه لم يستشر أحدا من جمهور الناس في شؤونه الحياتية الخاصة، ولا في طبيعة علاقاته مع ابنتيه".

موضحا "ثم إنني لم استسغ إفراط الحاج رشوان توفيق في حكاياته عن رؤيته للأنبياء، تقريبا رآهم كلهم في المنام ، ما كل هذا الخيال الخصب؟".

وتابع "هذا إعلام انتهازي ابتزازي ارتزاقي، وهذه النوعية من الناس لا تخجل عندما تفضح نفسها بنفسها على رؤوس الأشهاد، وتقريبا كل يوم نستيقظ على قصة منحطة منهم وعنهم يروونها بألسنتهم دون احترام للذات، أو اعتبار للكرامة الشخصية".

وختم بالقول إنه "بؤس العقل وزمن التهافت والمساخر والتدليل لمن لا يستحق والتجاهل والتغييب لمن يستحق".

 

مطبخ الاشتغالات

من جهته، قال الإعلامي حازم غراب: "ظني أن الجهة التي تتحكم في وعي المصريين هي جهة مصرية محكومة ومقادة من الخارج، وأكاد أؤكد أن خبراء غسل أدمغة أجانب يعملون مع قائد الانقلاب وحوله، بل ويقودونه في هذه الأمور بخبرات عالية".

ودعا غراب المصريين أن "لا ينساقوا خلف إعلام الانقلاب، وطالب إعلام المعارضة بأن يضع له ثوابت؛ على رأسها ألا تسهم معالجاته الإعلامية في تمزيق النسيج الوطني، وتفضح من يرتكبون هذه الكبيرة وغيرها من الكبائر، والاستعانة بفريق إستراتيجي من أصحاب الخبرة والبصيرة"، بحسب تعبيره.

ويقول خبير الإعلام الدكتور أحمد جعفر " والشيء غير المستساغ انصياع الفنان المحترم لهذه الدنيئة بحجج واهية ، منذ متى كان الإعلام ساحة لنشر صور عدم البر بالآباء ، لقد علمتني التجارب أنه مفيش جحود للأبناء إلا وللآباء دور فيه ، فهل نجحت الحلقة في كشف الخفي في علاقة رشوان بأولاده؟".

 

قدرهم المحتوم

إلهاء الشعوب جزء أصيل من سياسات الدكتاتورية وأساليبها ، وقد نجحت هذه السياسة فى مصر إلى حد كبير، لدرجة أن المصريين، أصبحوا متعايشين مع الفساد والفقر والحرمان والمحسوبية وتردي الخدمات وكأنها قدرهم المحتوم.

من جانبه، يقول الكاتب الصحفي قطب العربي؛ إن "الأنظمة العسكرية الديكتاتورية كلما تصاعد الغضب الشعبي ضدها، وكلما مرت بأزمات لا تجد لها حلا، فإنها تعمد إلى سياسة إلهاء الشعب؛ لتصرفه عن قضايا رئيسية من غلاء وبطالة وفقر، وأن الانقلاب يستثمر أحداثا فعلية، ويصطنع أحداثا ويضخمها عبر أذرعه الإعلامية لتصبح حديث الناس".

وأضاف العربي "سلطة السيسي التي تكتمت على محاولة اغتياله لمدة سنتين؛ أخرجت هذه الحادثة – إن صحت – من أدراجها لتشغل بها الرأي العام، ولتحاول كسب تعاطفه معها بعد أن شعرت بانهيار شعبيتها تحت وطأة الأزمات المعيشية"، بحسب تعبيره.

وأكد العربي أنه "يجب على الإعلام المستقل أن يكشف زيف هذه المحاولات، ولا ينساق خلفها ويصبح جزءا منها، بل إن عليه أن يعيد الناس للتركيز على قضاياهم وقضايا الوطن وعدم الانجرار خلف الألاعيب السلطوية المكررة"، كما قال.