الأحد الماضي شهدت القاهرة احتفالية كان البطل الوحيد فيها السيسي، الذي بدا باكيا بكاء التماسيح محتضنا أطفالا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وسط مدفعية ثقيلة من إعلام البغال الذي دق طبول الاحتفاء بدموع الفرعون تارة وضحكاته في احتفالية«قادرون باختلاف» التي استحضر خلالها دور الفناننين جميل راتب وعادل إمام في فيلم طيور الظلام ، حينما حث عادل إمام الفنان جميل راتب على حمل وتقبيل أحد أطفال أحد الفلاحين خلال جولة انتخابية للمرشح، الذي فاز بالانتخابات باكتساح بفضل دهاء المحامي عادل إمام في الفيلم.
واهتم إعلام الانقلاب بكلمات السيسي والتي منها، «نحن محميون بهم».
حيث رأى عبدالمحسن سلامة في الأهرام، أن الجملة تدل على معنى إيماني عميق لدى رئيس الجمهورية، لأنها تعني أن الله يحمينا ويرحمنا من أجل هؤلاء الذين ابتلاهم المولى عز وجل، فصبروا وشكروا وحمدوا، بكاء السيسي كان من القلب، وحينما ضحك وسط الأطفال، وهو يلقي خطابه، كان يضحك أيضا من القلب، هي مشاعر أب يبكي تأثرا، وبعفوية شديدة، وحينما وقف وسط الأطفال وداعبوه، وكانوا سعداء ضحك من قلبه، لأنه يفرح لفرحهم.
وتتالت المقالات المُشيدة بالاحتفالية ، فوصف كرم جبر موقف السيسي رعايته للأطفال ذوي الإعاقة، بأنه أكد صورة مصر الحضارية في الجمهورية الجديدة، التي تهتم بأبنائها ذوي الاحتياجات الخاصة بعد إهمالهم عقودا طويلة، وأنهم الآن جزء لا يتجزأ من وطنهم، لهم كل الحقوق والدعم والمساندة.
بل وصف جبر بمقاله بالأخبار، قلب السيسي بأنه أرق القلوب قلب يخشى الله، وأعذب الكلام ذكر الله، وأطهر الحب الحب في الله، وهذا الفضاء الواسع المملوء بالرحمة يؤلف بين الأرواح المتعانقة بالمحبة والنفوس المتضامنة بالسعادة، هكذا كان يوم الأحد الماضي في احتفالية «قادرون باختلاف» وهو أسعد أيام السيسي، وهو يقدم صورة إنسانية عفوية رائعة، لأن هؤلاء الناس هم الكنز الذي يحفظ مصر ويرعاها ويحمل لها الشفاعة في الدنيا والآخرة، كان يوما عنوانه البهجة والسعادة والسرور للقلوب الرحيمة والنفوس السوية".
الوجه الحقيقي
تلك الكلمات والحملات الثقيلة لإظهار السيسي بمشهد الإنسان، رغم أن الواقع مر وإجرامي، بدليل أعداد الأطفال الذين شابوا في سجون السيسي من الاعتقال غير الإنساني، وتلفيق الاتهامات غير المسبوقة لأطفال في عمر الزهور.
ولا أدل على ذلك مما يعايشه أصحاب الهمم في الأيام الأخيرة، حيث تعج أبواب الوزارات بمظاهرات واحتجاجات لملايين المصريين من ذوي الإعاقات، حيث أوقف السيسي بتجبر الخدمات التي كانت تقدم لهم، عبر الكارت الذكي، في مرحلته الثانية.
حيث يتظاهر بصورة مستمرة وسط تعتيم إعلامي، الآلاف بعد أن أوقفت وزارة التضامن استخراج الكروت الذكية لمن يعاني فقدان البصر في عين واحدة.
ووفق شهاداتهم المؤلمة، قال الكثيرون منهم في تصريحات واستغاثات على فضاء التواصل الاجتماعي بعد أن منعت الصحف وفضائيات البغال نشر تلك الشكاوى عبر منافذها المُسيطر عليها من قبل الأجهزة الأمنية، قالوا "إنهم يعانون من وقف حال في كل المجالات، إذ أن المعاقين بنسبة 50% من فاقدي البصر في عين واحدة، من المنع من التوظيف والسفر والعمل بسبب أن نتائج القومسيون الطبي الذي، يستلزم إصدار شهادة طبية لهم، يوصي بمنعهم من العمل والسفر والتوظيف واستخراج الرخص لقيادة السيارات أو الدراجات البخارية، ليتمكنوا من العمل لتحصيل أرزاقهم، ما يضطرهم للتوجه نحو طلب الدعم من الدولة، عبر استخراج الكارت الذكي الإلكتروني، الذي يمكنهم من حصول على معاش استثنائي بمقدار ألف جنبه، أو إعفاءات جمركية وتخفيضات أو الحصول على مساكن إسكان اجتماعي.
جيث قررت المجالس الطبية المتخصصة ووزارة التضامن وقف قبول أوراقهم وطلباتهم لتحديد مواعيد بالقومسيون الطبي كخطوة أولى نحو نيل حقوقهم.
وهو ما يحرم الآلاف من فاقدي البصر بعين واحدة والمصابين بصمم في أذن واحدة أو أصحاب الإعاقات الحركية.
وهو ما يمثل قمة الانتقام والإجرام من قبل السيسي "الانسان" من
أصحاب الاحتياجات الخاصة ، الذي يتشدق بأنهم مصدر للحماية والرزق لكل المصريين، ويقطع هو أرزاقهم ما يضطرهم للخروج للعمل في ظل إعاقتهم ما يعرضهم للموت أو القتل بحوادث الطرق أو حوادث العمل إن وجدوا عمل يقبلهم.
تعذيب المعاقين
ومن ضمن التعذيب المفضي للقتل جوعا الذي يتبعه نظام لسيسي، إلغاء تنفيذ القانون نسبة 5% من التعيينات الحكومية سنويا للمعاقين، وذوي الاحتياجات الخاصة، كما لا يزال قانون ذوي الإعاقة حبرا على ورق، حيث تقول داليا عاطف، عضو المجلس القومي للإعاقة، بتصريحات إعلامية إن "قانون ذوي الإعاقة رغم صدور لائحته التنفيذية، إلا أنه لم يطبق منه شيء على أرض الواقع، وأن بنوده جعلت كل الجهات تعزف عن تنفيذه، لتكلفته الكبيرة".
وأضافت عاطف أن تنفيذ قانون ذوي الاحتياجات الخاصة، سيحتاج سنوات ليتم تطبيق كافة بنوده، فربما يكون مقياس التنفيذ هو أولوية المواد تبعا لأهميتها وتأثيرها على ذوي الإعاقة من جهة، ووفقا لموارد الدولة من جهة أخرى، فإتاحة نسبة الـ5% للتوظيف لن يكون سهلا تحقيقها؛ لأنه لا توجد وظائف حكومية خالية، ومن ثم فإن خلق الفرص لن يكون سهلا.
وأوضحت "أن تنفيذ اللائحة مكلف ماليا، من بداية صدوره فلا بد أن يكون هناك إستراتيجية وطنية مع الوزارات والقطاعات المعنية فى الدولة، مبينة أن الأسباب التي ترجع لعدم التنفيذ هي ارتفاع نسبة التكاليف، مكملة أن الوزارات في حاجة لميزانية مخصصة لتحقيق بنود ذوي الإعاقة، فوزارة النقل في حاجة لميزانية لتخصيص ممرات تسهل عملية الحركة، وأيضا المترو، ووزارة التربية والتعليم أيضا في حاجة لميزانية لتحقيق الدمج، فلا بد من إستراتيجية وطنية يرأسها مجلس الوزراء.
فعلى صعيد المرور، لا بد أن تكون هناك إشارة مرور تسهل عليهم الحركة، والدمج في التعليم، فلا بد من وجود سبل إتاحة لصعود السلالم وتخصيص فصول لهم بالأدوار المنخفضة، أو سلالم ومدرجات تسهل عليهم عملية الصعود.
كمما أن المواصلات العامة لا زالت غير مؤهلة لخدمة ذوي الإعاقة، وأيضا كباري المشاة العلوية، والمصاعد في العمارات ومداخل العمارات نفسها، غير مجهزة لهذه الفئة.
أوضاع مزرية
الحال المزري لذوي الاحتياجات الخاصة، دفع النائبة هبة هجرس للتقدم بطلب إحاطة، اتهمت الحكومة بالفشل المزري، وأكدت "هجرس" أن الحكومة فشلت في اتخاذ الخطوات الإجرائية اللازمة لبدء تطبيق اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، موضحة أن هناك ملايين من المصريين من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ظنوا أن إقرار البرلمان في نهاية ديسمبر 2017 لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وإصدار السيسي له في التاسع عشر من فبراير 2018 نهاية لمعاناتهم في مجالات عدة وإعلان لبداية فترة جديدة من نيل الحقوق، مكملة أنهم انتظروا جميعا إصدار رئيس مجلس الوزراء للائحة التنفيذية للقانون، وبعد ميلاد عسير وبعد مرور عشرة أشهر كاملة أصدر رئيس مجلس الوزراء في ديسمبر الماضي اللائحة التنفيذية للقانون، وهنا استبشر الجميع خيرا وانتظروا المهلة القانونية لسريان العمل بالقانون ولائحته التنفيذية وهي ثلاثة أشهر بعد إصدار اللائحة التنفيذية تلك المدة التي تتخذ فيها الحكومة من الإجراءات والقرارات ما يمكنها من البدء في التطبيق الفعلي والكامل لكل ما جاء في القانون ولائحته التنفيذية.
وذلك على الرغم من أن القانون حصل على موافقة وزارة المالية قبل إصداره من البرلمان، وهذا ثابت في مضابط البرلمان، فمعنى الموافقة على إصدار القانون هو وجود التمويل له، وتبلغ تكلفة تنفيذ القانون نحو 30 مليون جنيه، وفق تصريحات وزيرة التضامن.
وبسبب هذا المبلغ البسط يشل السيسي حياة ملايين المعاقين بمصر ويقتلهم جوعا وقهرا وفقرا، وهو ما يفضح دموع التماسيح التي يزرفها اليوم على الأطفال المعاقين، الذين تحولهم سياساته القهرية لمشاريع ضحايا ومقتولين جوعا وفقرا غدا.