مع الارتفاع المتواصل للأسعار في عهد الانقلاب الذي كانت له تأثيراته الكارثية على مستوى المعيشة، حيث أصبح أكثر من 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفق بيانات صادرة عن البنك الدولي، حذرت شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية من ارتفاعات جديدة في الأسعار، خاصة بالنسبة للسلع المستوردة.
وقالت الشعبة إن "التغييرات العالمية والأزمات التي شهدتها دول العالم المتمثلة في أزمة سلاسل الإمداد والطاقة والمناخ وارتفاع سعر الشحن والخامات، انعكست على الأسواق المصرية التي هي جزء من دول العالم".
وأكدت أن أسعار السلع المستوردة شهدت زيادات تتراوح بين 20 و30% تأثرا بالزيادات العالمية في الشحن والخامات، مشيرة إلى أنه رغم وفرة المعروض من السلع، وحالة الركود التي تشهدها السوق المصرية منذ بدء جائحة كورونا إلا أن أسعار السلع تواصل الارتفاع .
أزمة الطاقة
حول هذه الأزمة قال متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية إن "أزمة الطاقة التي يشهدها العالم، وارتفاع أسعار الشحن والخامات، تسببت في ارتفاعات للأسعار في بعض القطاعات المعتمدة على الاستيراد بشكل كبير".
وكشف "بشاي" في تصريحات صحفية أن هناك ارتفاعات غير مسبوقة في الواردات المصرية من الصين بسبب أزمة الطاقة التي شهدها العالم، مشيرا إلى أن ارتفاع تكاليف الشحن كان له أثره في إمدادات السلع الرئيسية وأسعار البضائع الاستهلاكية على مستوى العالم، ولا أحد يعرف على وجه اليقين متى سيتحسن الوضع أو ما إذا كان سيتفاقم.
وأكد أن أسعار البضائع الواردة من الهند وأوروبا شهدت زيادة نحو 100%، وكذلك البضائع الواردة من الصين شهدت زيادة نحو 300%، وأرجع ذلك إلى زيادة أسعار الشحن من الخارج من ناحية، ووجود أزمة في الطاقة من ناحية أخرى، ما أدى إلى تقليص العمل بالمصانع لأقل من الثلث في الصين وغيرها .
وتوقع "بشاي" ارتفاعات كبيرة في أسعار الواردات من الصين التي تعد من الأسواق الرئيسية للواردات المصرية، مشيرا إلى أن هناك أزمة جديدة تلاحق الشحن الدولي البحري، بعد أن تقلصت تداعيات أزمة كورونا جزئيا، والتي تسببت في ارتفاعات كبيرة في أسعار الشحن، لأن أزمة الطاقة والغاز الطبيعي ليست في الصين فقط بل وصلت إلى أوروبا أيضا.
ولفت إلى قيام شركات الملاحة العالمية بوقف تشغيل أكثر من 50 % من بواخر الحاويات لخفض المصاريف الإدارية والتشغيلية، وذلك لعدم توقع تلك الشركات عودة التجارة إلى وضعها الطبيعي خلال مدة قصيرة الأمر الذي أدى إلى زيادة عرض في الحاويات المتوفرة للشحن ونقص في البواخر التي ستقوم بنقل هذه الحاويات.
الدواجن والبيض
واستبعد المهندس محمود العناني، رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، أن تنخفض أسعار الدواجن والبيض، خلال الفترة المقبلة كما تزعم حكومة الانقلاب، لكن السوق قد يستقر بعد معادلة الأسعار وفقا لآليات العرض والطلب.
وتوقع العناني في تصريحات صحفية أن يهدأ السوق، لكن لا يمكن الحديث عن تراجع الأسعار مرة أخرى، ليصل سعر طبق البيض إلى24 جنيها، أو كيلو الدواجن إلى 17 جنيها ، فهذا لن يحدث لكن قد تهدأ الأسعار بنحو5% إلى 6% فقط.
وقال ، إن "السوق عكس سعر التكلفة الأصلية لإنتاج الدواجن والبيض من خلال الزيادات الأخيرة في الأسعار موضحا أنه على مدى شهور زادت تكلفة الإنتاج، وفي المقابل لم ترتفع أسعار البيع بنفس قيمة الزيادة، فمنذ شهور كانت تكلفة طبق البيض 40 جنيها بينما يباع بـ 24 جنيها في الأسواق، وهذا جعل منتجي البيض يحققون خسائر ليس لها حدود".
وأضاف العناني، نفس الأمر بالنسبة لمربي الدواجن، عندما زادت أسعار الأعلاف لم ترتفع أسعار التسمين، واستمر المربون لمدة عام يبيعون الدجاج بسعر 17 و18 جنيها للكيلو، بينما تكلفته تتعدى العشرين جنيها، وهذا جعلهم يحققون خسائر لم تحدث في تاريخ صناعة الدواجن في مصر .
وأكد أن زيادة أسعار الدواجن والبيض، سببها الرئيسي ارتفاع أسعار تكلفة الإنتاج من الأعلاف والذرة والصويا، وهي زيادات بدأت منذ نحو عام، مشيرا إلى أن سعر طن الذرة كان نحو 3 آلاف جنيه، لكنه ارتفع إلى 5500 جنيه ، والصويا كانت أقل من 5 آلاف جنيه للطن ، وصل سعرها الآن إلى 9 آلاف جنيه، وهذا ارتفاع ضخم وغير مسبوق عالميا.
وأشار العناني إلى أن هامش الربح هذا يجب أن يستمر لمدة سنة سواء لصغار المربين أو الشركات الكبيرة، لتتمكن من تعويض خسائرها المهولة، بما يساعد المربين الذين خرجوا من السوق للعودة مرة أخرى.
سياسات خاطئة
وقال أحمد سمير سامي باحث اقتصادي أن هناك أسبابا اقتصادية لارتفاع الأسعار منها:
1. عجز الموازنة الذي يقترب من 300 مليار جنيه، والدين العام الذي وصل إلى حوالي 4 تريليونات جنيه.
2. زيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار الكهرباء؛ لأن الإنتاج الصناعي والزراعي يحتاج إلى طاقة، وزيادة التكاليف تترجم لارتفاع في الأسعار.
3. مصر تستورد معظم السلع بالدولار؛ ما يؤدي إلى زيادة الأسعار حتى للسلع المحلية، ورغم أن البنك المركزي مسؤول عن ضخ العملة لتوفير تلك السلع، إلا أن الاستهلاك ما زال أكبر من العرض.
4. أي إجراءات تعرقل الاستيراد قد تخل بالتزامات مصر في الاتفاقيات الدولية؛ ومن ثم قد تواجه الصادرات مبدأ المعاملة بالمثل، وقد تؤدي لارتفاعات كبيرة في أسعار السلع دون استثناء، بما فيها السلع المحلية.
5. سياسيات البنك المركزي، فهو لم يوفر الدولار في السوق؛ وبالتالي كان من الطبيعي أن يتم رفع أسعار السلع الغذائية.
7. الزيادة السكانية، حيث تتسبب في تقليل المعروض وعدم كفاية الطاقة الإنتاجية، وحينما تنخفض الكمية المطلوبة يتم رفع الأسعار تلقائيا؛ بسبب ارتفاع الطلب من المستهلكين، مقابل نقص المعروض.
وأشار سامي في تصريحات صحفية إلى أن هناك أسبابا خاصة بالسلع منها :
1. ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية: يرجع إلى تكلفة الزارعة والمزارعين، وانتهاء المواسم الزراعية أو تغير المناخ، كما أن زيادة أسعار السلع الغذائية تؤثر على السلع الأخرى.
2. ارتفاع أسعار الكهرباء: بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وانخفاض نسبة الغاز الطبيعي في إجمالي الوقود من 84% إلى 70%، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات والمشاريع الاستثمارية، مقابل القدرة الضعيفة لإنتاج الطاقة، فضلا عن ارتفاع أسعار الصيانة، وعجز الدعم بمقدار 20 مليار جنيه، وارتفاع أسعار المواد البترولية المستخدمة في محطات الكهرباء.
3. ارتفاع سعر الأرز: بسبب نقص المعروض، وسوء التخزين من جانب التجار وارتفاع معدل التهريب للخارج؛ من أجل الاستحواذ على العملة الأجنبية لتحقيق هامش ربح مرتفع، في ظل ارتفاع أسعار صرف الدولار داخل السوق المحلي، كما أن أزمة النقد الأجنبي أدّت بشكل كبير إلى توقف استيراد الأرز الهندي.
4. ارتفاع أسعار السيارات: يرجع لزيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار السيارات في بلد المنشأ، فضلا عن قلة الاستيراد لعدم توافر العملة الصعبة، ووجود أزمة في عملية التصدير لمكونات السيارات المحلية.
5. ارتفاع أسعار السجائر: نتيجة تخفيض شركة الشرقية للدخان المكسب من التاجر من 4 جنيهات في «الخرطوشة» إلى جنيهين؛ الأمر الذي أدى إلى تخزين تجار الجملة للمنتج بغرض الحصول على مكسب مضاعف.
وحمل حكومة الانقلاب مسئولية ارتفاع الأسعار، بسبب السياسات الخاطئة التي تتبعها كما أنها تفتقد رؤية واضحة للإصلاح بجانب فساد بعض المسؤولين عن الجمعيات التعاونية، الذين يخفون بعض السلع مثل اللحوم ثم يبيعونها لمحلات الجزارة، والسلع الأخرى تباع للأسواق ومحلات البقالة وكذلك عدم وجود رقابة على الزيادة في الأسعار، فكل تاجر يرفع السعر، ويقلده بقية التجار، كما يقوم تجار السوق السوداء بتخزين البضائع، ثم رفع أسعارها بحجة نقصها في السوق بالإضافة إلى غياب الرقابة من جانب حكومة الانقلاب على الأسواق وعدم محاسبة التجار في حالة تحكمهم في الأسعار، وجشعهم ورغبتهم في تحقيق أكبر مكسب من وراء ارتفاع الأسعار.
موجة تضخمية
وقال الدكتور علي الإدريسي خبير اقتصادي، إن "الاقتصاد العالمي يشهد موجة تضخمية وهذا الأمر أثر على ارتفاع معدل التضخم في مصر، حيث وصل لنحو ٦.٤%، في شهر أغسطس وارتفع لنحو 8% في شهر سبتمبر الماضي مع وجود توقعات باستمرار الارتفاع على الأقل خلال العام القادم طبقا لتوقعات صندوق النقد الدولي للأسواق الناشئة".
وأضاف الإدريسي في تصريحات صحفية فمع وجود ارتفاعات بأسعار السلع الغذائية والطاقة ومواد البناء، ليس هناك حل إلا العمل على تحقيق الوعي الاستهلاكي من جانب المواطن وترتيب الأولويات والسعي لشراء الحاجات الأساسية وتقليل حجم السلع الكمالية والترفيهية.