إعلان المطرب "عمرو دياب" لصالح إحدى شركات السيارات مرّ بسلام من تحت رقابة العسكر، أو ربما بموافقتهم المسبقة ولن يواجه ببلاغ لإهانة الدولة وقوانينها التي تجرم التصوير بدون علم، المخزي في الأمر أن طاقم الإعلان تمادى في الخطأ، وقام بتصوير الفتيات في الشوارع بلا استئذان، ولم يجد من يعترض.
لم يرحم جمهور النشطاء سواء مصريين أو عربا إعلان المطرب الشهير المُتصابي، ولم يجد جمهوره تبريرا مقنعا ومنطقيا لهكذا دعوة للتحرش والاعتداء على خصوصية النساء، بعدما قام بتصوير "الموديلز" التي كانت بحسب سيناريو المشهد تمر بالصدفة من أمام السيارة التي يتم ترويجها، وذلك دون علمها في دعوة صريحة للتحرش والتعدي على خصوصية النساء.
حاجة حقيرة
ويمتد جشع عصابة العسكر إلى كل شبر في مصر، ولا يترك تفصيلا دون أن يستغله ويستحلبه ماليا، حتى ولو كان ذلك على حساب الأخلاق والقيم وشعائر الإسلام، وبناء على ذلك الجشع أصدرت عصابة الانقلاب، قرارا بتحديد رسوم تصوير الإعلانات والمشاهد السينمائية بشوارع وأبنية وأنفاق وجراجات العاصمة، دون أن تحذر من أن التصوير ممنوع بغير علم الأشخاص خصوصا النساء.
وتضمن القرار فرض رسوم قدرها ١٥ ألف جنيه كرسوم على التصوير في الساعة الواحدة، كما تضمن القرار فرض رسوم قدرها ١٠٠ ألف جنيه في اليوم الواحد.
ويسري القرار على شركات الإنتاج، إلا أنه لم يمنع الممارسات المغلوطة التي تحدث من آن لآخر في تصوير فيديوهات، يقول الناشط أحمد زين "خسارة عمرو دياب والله بعد التاريخ ده كله يعمل إعلان محتواه تحرش"، وتوافقه الناشطة هدى المصري وتقول "عمرو دياب ده مبيعرفش يطلع في أي إعلان ولا أي كليب ولا أي حاجة عامة من غير ستات، إيه ده؟ امتى حيبطلو الرخص ده باه، مخهم فقير للغاية ملوش غير في استخدام الستات ، حاجة حقيرة".
وتقول الناشطة ليدي ديانا "هو إعلان عمرو دياب عدى على كام مسئول وكام قناة ؟ عادي وكل الناس دي شايفينه شيء طبيعي وهاتك ياتحرش وتعدي وكله مبسوط وبيسقف للفنان، وكأننا كنا ناقصين وساخة ، أومال لو ماكوناش لسة طالعين من عركة الأوكرانية بسبب نفس الحوار ياهلافيت".
ويقول وائل حمدي "عرفت من فترة أن أي فون بينزل لليابان نسخة مخصوص فيها صوت الكاميرا عالي عشان عاوزين يقللوا من حوادث تصوير المتحرشين للبنات في الشارع، غالبا بعد اعلان عمرو دياب، اليابان مش هتدخل السيتروين السي فور عندها أصلا".
لكن الباحث السياسي جمال مرعي، رأى أن أهم أسباب انتشار الاغتصاب والتحرش في المجتمع؛ هو غياب القانون وعدم تفعيله، مشيرا إلى أن "غياب مبدأ الردع أدى إلى الحالة التي وصلت إليها مصر من تدنٍّ في سلوكات الأفراد".
وأضاف مرعي أن "قانون الاغتصاب المطبّق بمصر فيه عوار كبير"، لافتا إلى أن "هذا القصور ظهر بوضوح في جريمة اغتصاب وقتل طفلة في بورسعيد منذ عامين، حيث ظل المتهم يحاكم لما يقارب العام، وفي النهاية أفلت من عقوبة الإعدام رغم بشاعة الجريمة".
ورأى أنه "لو كان الجاني يعرف أنه سينال عقوبة رادعة؛ لما أقدم على ارتكاب مثل هذه الجريمة"، مشيرا إلى أن "جرائم الاغتصاب تندرج تحت جرائم المرض النفسي؛ لأن معظم من يرتكبونها يحتاجون لعلاج نفسي".
وشدد على أن "هناك تقصيرا أمنيا واضحا من جانب وزارة الداخلية في القيام بدورها وحفظ الأمن في المجتمع"، مؤكدا أن "هناك الكثير من الجرائم الجنائية يتم تجاهلها تحت ذريعة انشغال الشرطة بمحاربة الإرهاب، والذي أصبح شماعة تعلق عليها الداخلية التقصير الأمني".
واختتم مرعي تصريحاته بالقول إن "تنفيذ القانون على الجميع، والردع؛ هما الوسيلة الوحيدة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة".
تجميد القانون
ويقول مصطفى شلش "إعلان عمرو دياب عن تكنولوجيا ستروين عبر انتهاك خصوصية البشر بحجة توفير التصوير للأمان هو أحد مظاهر "الخوف السائل" التي وصفها زيغمونت باومان، حيث فشلت الحداثة وما بعدها في القضاء على الخوف، لكنهما نجحا في إعادة تدوير الخوف وبيعه للمستهلكين الخائفين حتى بات الخوف سائلا".
ويقول أحمد محيي "إعلان عمرو دياب دا معناه أن سواقين الميكروباصات خلال سنة من دلوقتي هيكون معاهم صور البنات كلها وداخلين على منحنى خطر".
وتقول إيمان محمود "أنا سعيدة أن الناس بتهاجم إعلان عمرو دياب، أخيرا بقينا نأخد بالنا من التفاصيل دي لأن هي مهما كانت بسيطة وماتعديش دقيقة بس ليها معاني كتير بتخرب المجتمع، وتبين أنها عادي لكن هي مش عادي خالص".
ويكافح المصريون في زمن الانقلاب على جبهة أخرى لا تقل خطرا عن جبهة تجميد القانون في مواجهة المشاهير، وهي جبهة الذوق العام والحفاظ على الهوية السمعية والتي تتعلق بالآداب العامة والأخلاق، وذلك بعد تصدر مهرجان "شيماء ارجعي متخافيش" الترند، نظرا لتبني إعلام العسكر مهمة الترويج له.
وفي أحد مواخير المخابرات العامة التي يديرها عباس كامل، احتفى الإعلامي شريف عامر بالشاب يوسف سوستة الذي قفز وبطته شيماء إلى الصدارة، وكأن قدر المصريين البقاء في إلهاء وعصافير أغاني المهرجانات وإغراق المجتمع في أمور تافهة وظواهر سطحية.
هذا النوع من الغناء، لا يختلف كثيرا عن المخدرات في تأثيرها المدمر على المجتمعات والشعوب، وتداولها والسماح بها هو نفسه مثل السماح بتداول المخدرات وعدم تجريمها، باعتبار أن كليهما حرية شخصية للناس وفق ما يراه العسكر.