إصرار نظام الانقلاب على إلغاء بطاقات التموين ودعم رغيف الخبز أثار انتقادات حادة على المستوى الشعبي وعلى مستوى الخبراء والسياسيين الذين اعتبروا مثل هذه الخطوة بمثابة خضوع ذليل ومهين لإملاءات صندوق النقد الدولي.
وحذر الخبراء من ثورة تجتاح مصر بكافة محافظاتها خاصة في ظل ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، وخصخصة وتصفية الشركات العامة وتسريح العمالة والتداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، وعدم قدرة أغلب المصريين على الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية.
وقالوا إن "أكثر من 72 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، مما يحتم على دولة العسكر الإبقاء على الدعم حتى يحصل هؤلاء على رغيف العيش بما يمكنهم فقط من البقاء على قيد الحياة".
وأشار الخبراء إلى أن إلغاء الدعم يعني أن السيسي يضحي بالغلابة والفقراء، من أجل إرضاء صندوق النقد الدولي ويخضع لإملاءاته التي لا تنتهي .
يشار إلى أنه حسب التصريحات الانقلابية يبلغ الدعم الإجمالي للمواد التموينية 87 مليار جنيه، وهذا الرقم يستفيد منه قرابة 66 مليون منتفع بالبطاقات التموينية، أغلبهم تحت خط الفقر، ما يعني أن نصيب المواطن يوميا لا يتجاوز 3.5 جنيه ، في المقابل تستنزف دولة العسكر المصريين من خلال الضرائب، والتي تبلغ قرابة 965 مليار جنيه سنويا بحسب تصريحات وزير مالية الانقلاب، وهذه الحصيلة تضاعفت أكثر من 3 أضعاف خلال السنوات الستة الماضية، فكانت 306 مليار جنيه عام 2015، أي أن ما يدفعه المصريون يبلغ أكثر من 10 أضعاف قيمة الدعم الموجه للمواد التموينية.
كان عبد الفتاح السيسي قد زعم أنه ، في البلد دي بآخد الخدمة بأقل من تمنها، ولما أخلف أبقى عايز حد يأكل عيالي، مش هنحط بطاقة تموين تاني لأكتر من فردين في الجديد.
وأضاف ، لن نضع بطاقة تموين لأكثر من فردين في اللي فات وفي الجديد لا مفيش، إحنا لا يمكن هدي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز، لأنك بتتجوز ومستني أن الدولة تديك بطاقة تموين ، أنت مش قادر تصرف إزاي يعني ده كلام مش مظبوط، دي ثقافة اتشكلت في وجدان الناس مش موجودة في غير بلدنا إحنا بس وفق تعبيره.
خطة جهنمية
هذه التصريحات دفعت وزارة تموين الانقلاب إلى البدء في خطة جهنمية لإلغاء الدعم دون اعتبار للفقراء والغلابة والجائعين، وقررت رفع أسعار 5 سلع تموينية، ضمن قائمة 32 سلعة تطرحها على بطاقات التموين.
وبمقارنة أسعار شهر يناير الحالي بشهر ديسمبر الماضي ارتفعت أسعار الجبنة والمكرونة والعدس والمسلي النباتي ومسحوق الغسيل وذلك بعد رفع أسعار الزيت والسكر والأرز خلال الشهور الماضية .
وارتفع سعر الجبنة ربع كيلوجرام، إلى 5.90 جنيه بزيادة بلغت 65 قرشا، وارتفع سعر الجبنة نصف كيلو جرام بواقع 90 قرشا؛ حيث سجل سعر البيع 10.90 جنيه، وارتفع سعر عبوة المكرونة نصف كيلو جرام بواقع ربع جنيه، وسجل سعر البيع الجديد 4.5 جنيه، أما سعر عبوة العدس وزن نصف كيلوجرام فارتفع 3 جنيهات؛ حيث سجل نصف الكيلو جرام سعر البيع بـ11 جنيها .
وبالنسبة لسعر المسلي وزن 800 جرام، ارتفع من 17 جنيها حتى 24 جنيها بواقع 7 جنيهات، أما الإريال الأوتوماتيك فسجل ارتفاعا في سعر البيع 1.75 جنيه حيث سجل سعر البيع للجمهور بداية من أول الشهر 17 جنيها .
3 خدمات
لم تكتفِ تموين الانقلاب برفع أسعار السلع بل قررت حظر إتاحة 3 خدمات عبر بوابة دعم مصر التموينية كانت تتيحها البوابة من قبل.
وكشف مصدر مسئول بتموين الانقلاب، أن هذه الخدمات التي تم وقفها هي، إضافة الزوجة المحرومة تموينيا، إضافة الأفراد الجدد لبطاقات التموين، تحويل مستحقي الخبز إلى سلع، مشيرا إلى أن خدمة الفصل الاجتماعي لمستفيد من بطاقة إلى أخرى مستمر.
وقال المصدر،إنه تم وقف هذه الخدمات عبر بوابة دعم مصر منذ مدة وقبل تصريحات عبدالفتاح السيسي، بشأن قصر عدد أفراد البطاقات والبطاقات التموينية الجديدة.
في نفس السياق أعلن علي المصيلحي وزير تموين الانقلاب أنه لن يسمح بإصدار بطاقة تموينية جديدة لمن يتزوج حديثا، مؤكدا أنه لن يتم إضافة مواليد أو أبناء على البطاقات التموينية، وأنه مسموح فقط باستخراج بطاقات تموينية جديدة من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، لافتا إلى أن الفصل الاجتماعي وإصدار بطاقة منفصلة عن الأسرة ما زال مستمرا للمواطنين سواء الحاليين أو القادمين إن كانوا متزوجين حديثا بحسب تصريحاته.
واعترف المصيلحي في تصريحات صحفية بتراجع عدد المستفيدين من بطاقات الدعم التموينية من 81 مليون مواطن إلى 64 مليونا فقط، بواقع 50 جنيها للفرد شهريا لافتا إلى أن 62% من إجمالي عدد المصريين، البالغ حاليا نحو 102.5 مليون نسمة، ما زالوا يتمتعون بدعم التموين وفق تعبيره.
تبعات خطيرة
في المقابل حذرت الحركة المدنية الديمقراطية من المساس بحصص الفقراء في بطاقات التموين، معتبرة أن تصريحات السيسي وتموين الانقلاب حول خفض الدعم على رغيف الخبز والسلع التموينية أمر بالغ الخطورة وله تبعات لا يحمد عقباها.
وقالت الحركة في بيان لها إن "ميزانية العام المالي الحالي التي أقرها مجلس نواب السيسي بقانون 74 لسنة 2021 بربط الموازنة العامة وتنتهي في يوليو 2022 موجود بها دعم الخبز والسلع التموينية وأي مساس بها يعتبر باطلا ومخالفا للقانون والدستور، مشيرة إلى أن دعم الخبز والسلع التموينة هدفه توفير حماية للفئات والأسر الأولى بالرعاية".
واعربت الحركة عن قلقها البالغ من تصريحات السيسي بشأن تخفيض الدعم على رغيف الخبز والسلع التموينية، مؤكدة أن هذا الأمر له تبعات لا يحمد عقباها للأسباب الأتية :-
1- دعم للخبز والسلع التموينية يهدف إلى توفير أكبر قدر من الحماية والمساندة للفئات والأسر الأولى بالرعاية والفقيرة في ظل وجود اختلالات اقتصادية ونظرا للحالة الاقتصادية المتردية للغاية والذي زاد منها ظروف جائحة كورونا المؤثرة على استقرار الأوضاع الاقتصادية، تكون الحاجة للإبقاء على منظومة دعم الخبز والسلع التموينية أكثر من ذي قبل .
2- مبالغ الدعم المقررة في الباب الرابع من موازنة العام المالي الحالي 2021/2022 باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية تضمن إنفاقا كالآتي :
# دعم سلع تموينية لعدد 58.5 مليون فرد لكل فرد 50 جنيها شهريا للفرد الواحد لعدد 4 أفراد مقيدين على البطاقة، وما زاد عن ذلك 25 جنيها للفرد شهريا ويبلغ عددهم 5.1 مليون فرد ليكون إجمالي عدد المستفيدين من دعم السلع التموينية 63.6 مليون فرد بما قيمته 36.600 مليار جنيه .
دعم منظومة الخبز ودقيق المستودعات ونقاط الخبز يستفيد منه 71 مليون مواطن بإجمالي ما قيمته 50.622 مليار جنيه .
وأشارت إلى أن إجمالي الدعم للخبز والسلع التموينيه قيمته 87.222 مليار جنيه وهي تشكل نسبة 27 % من إجمالي المبالغ المرصودة للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية البالغة 310.929 مليار جنيه .
التكافل الاجتماعي
وانتقد الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعي الأسبق، تصريحات السيسي، التي تحدث فيها عن منع التموين عن المتزوجين حديثا وقصره على فردين في الأسرة.
وقال عبد الخالق في تصريحات صحفية "من المفترض أن دولة العسكر تلتزم بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، بحسب ديباجة الدستور".
وطالب بضرورة الكشف عن حقيقة ما يرمي إليه السيسي من تصريحاته حول البطاقات والدعم، متسائلا هل الدافع هو ضغوط الوضع المالي المقلق للبلاد؟ هل السيسي منزعج من العجز في الموازنة العامة لدولة العسكر؟ هل هو منزعج من التصاعد المخيف في الدين العام الذي تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية؟ أم أنه منزعج من الزيادة السكانية السريعة وما تولده من ضغوط اقتصادية واجتماعية شديدة؟ أم أنه يقصد عقدا اجتماعيا جديدا بخلاف ما قام عليه الدستور؟
وأضاف عبد الخالق في تقديري أن هذا العقد يعني أن كل شخص مسئول عن نفسه، وهو ما ينفي فكرة التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية التي نص عليها الدستور، فهل المطلوب الآن هو مراجعة الدستور طبقا للعقد الاجتماعي الجديد، بحيث نستبعد مفاهيم العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي؟.
إنسانيا وسياسيا
وأوضح أن بطاقات التموين التي تحدث عنها السيسي هي مجرد وسيلة لتقديم الدعم إلى الفئات المستهدفة، ومعلوم أن الدعم في أي مجتمع يعتبر ضرورة طالما وُجِد فقر، وطبقا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة الفقر في مصر حاليا حوالي 30% من السكان وبالتالي يصبح الدعم ضرورة من الناحية الإنسانية ومن الناحية السياسية، أما إنسانيا لا بد أن يكفل المجتمع لمواطنيه الحد الأدنى اللائق من متطلبات العيش الكريم، وسياسيا، لا يمكن ترك الفقر ينتشر على نطاق واسع في المجتمع دون تدخل الحكومة لمكافحته وإلا كان الاستقرار السياسي والاجتماعي على المحك .
وأشار عبد الخالق إلى أن مشكلة الزيادة السكانية تشكل ضغوطا اقتصادية واجتماعية شديدة، لكن هذه المشكلة المعقدة لا يمكن مواجهتها بالحرمان الاقتصادي، كأن نحرم المواطن المستحق من بطاقة التموين.
وشدد على أن مواجهة مشكلة العجز في الموازنة وتراكم الدين العام المرتبط بها لن يجدي فيه تخفيض مخصصات الدعم الغذائي، أو حتى إلغاؤه تماما فدعم السلع التموينية في موازنة 2021/2022 يبلغ 87.2 مليار جنيه تمثل 13% فقط من الاستخدامات ، منها دعم سلع بطاقات التموين بمبلغ 36.6 مليار جنيه والباقي دعم الخبز والدقيق. وبالتالي فلو افترضنا إلغاء البطاقات بالكامل، فستبقى مشكلة العجز المالي قائمة ويحتاج حلها إلى إجراءات أخرى طالما بُحَّ صوتنا في الحديث عنها .