بعد توقف 10 شهور.. السيسي ينبطح لإثيوبيا ويعلن التفاوض غير المشروط حول سد النهضة

- ‎فيتقارير

رغم فشل المسار التفاوضي حول أزمة سد النهضة لمدة 10 سنوات، ما زال  المنقلب السفيه السيسي ونظامه العسكري العاجز عن حماية أمن مصر القومي، يراهن على التفاوض كمسار وحيد.

وبعد تعطل المفاوضات منذ 4 أبريل الماضي؛ لإصرار إثيوبيا على جر مصر نحو حلقة مفرغة من التفاوض غير المشروط خاضعة لأديس أبابا التي لم تقدم أي تنازل أو تستجيب لأي مناشدات أو مخاوف مصرية، حيث طرح السيسي وخلال لقائه الرئيس الجزائري عبد  المجيد تبون بالقاهرة أول أمس، استعداد مصر لبدء جولة مفاوصات مع إثيوبيا حول سد النهضة بدون شروط مسبقة.

 

السيسي المنبطح 

ويمثل عرض السيسي قمة الانصياع والرضوخ لإثيوبيا؛ لأنه يأتي بعد أكثر من 10 سنوات من التفاوض بين الأطراف الثلاثة من دون جدوى، وبعد اقتراب إثيوبيا من إتمام الملء الثالث لبحيرة السد، من دون التوصل إلى اتفاق فني بين الدول الثلاث، فإن الهوّة أصبحت عميقة والعوائق باتت ضخمة والنوايا ليست صادقة والصدع كبير. لذلك فإن مجرد عرض العودة إلى المفاوضات من دون وضع شروط محددة ومن دون تدخل أطراف دولية ضامنة، أمر غير مفهوم. بل يعبر عن فقدان مصر لقواها الدبلوماسية و العسكرية والإستراتيحية، إذ أن مصر عرضت في أوقات سابقة التفاوض من أجل التوصل لاتفاق ملزم حول ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن إثيوبيا كانت تصر على أن قبول التفاوض بشرط عدم تقديم أية اشترطات أو ضمانات لمصر والسودان، وهو ما رضخ له السيسي بإعلانه القبول بجولة مفاوضات مع إثيوبيا دون شروط.

وبذلك يمثل عرض  السيسي غير المشروط للعودة إلى التفاوض، مزيدا من تضييع الوقت والدوران في حلقات مفرغة، وفق خبراء.

يشار إلى أن المفاوضات متوقفة منذ 4 إبريل الماضي، عندما طالبت الخرطوم في كينشاسا، بوساطة دولية، وأيّدت القاهرة الاقتراح، بينما رفضت أديس أبابا المقترح السوداني، متمسكة بالمفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، والتي لم تحقق أي نجاح ملموس طيلة 10 سنوات من التفاوض.

 

العرض المفتوح عجز وانكسار

وبلور نظام السفاح السيسي العرض المنكسر أمام صلف إثيوبيا، عبر بيان لرئيس الوزراء الانقلابي مصطفى مدبولي، أول أمس، قال فيه إن "مصر تؤكد حرصها على التوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانونيا لسد النهضة يحقق المصالح المشتركة، من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة من سد النهضة، في مجال توليد الكهرباء وتحقيق التنمية المستدامة، في مقابل عدم حدوث ضرر لدولتي المصب مصر والسودان".

وأضاف مدبولي أن مصر "أبدت اهتماما باستئناف المفاوضات في أقرب وقت، بهدف الإسراع في حل النقاط الخلافية الفنية والقانونية، وصولا إلى اتفاق عادل ومتوازن ومنصف، أخذا في الاعتبار ما تعانيه مصر من ندرة المياه واعتمادها بشكل رئيسي على مياه النيل، الذي يعد المصدر الأساسي لمصر من المياه".

 

عراقيل وعقبات 

رؤية قائد الانقلاب، التي أكدها بيان رئيس وزراء الانقلاب، رآها أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة تواجهها مصاعب كبيرة وعراقيل لا تبشر بأي آمال لحلحلة الموقف المأزوم، وتحريك أي حجر في الماء الآسن الذي لم يتحرك على مدار عقد من الزمان منذ عام 2011 وحتى الآن، معتبرا  أن مصر تستبق الأحداث التي تتمثل في عودة السودان لمباشرة عضويته في منظمة الاتحاد الأفريقي، في حال صدور قرار من مجلس السلم والأمن الإفريقي بعودة السودان إلى المنظمة.

ويؤكد سلامة أن  أي مفاوضات ثلاثية جديدة بعد ماراثون زاد عن عشرة أعوام بين المتنازعين الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، يجب أن تفضي في النهاية إلى توقيع الاتفاق الفني النهائي الذي يترجم ما ورد في اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة، التي أُبرمت في الخرطوم في 23 مارس 2015.

وقال سلامة إن "إثيوبيا لا تزال تعاند وتكابر وترفض التوصل والتوقيع على مثل ذلك الاتفاق، كبقية الاتفاقيات المنظمة والحاكمة للمشاريع المائية على الأنهار الدولية".

وتتلاعب إثيوبيا بمصر والسودان عبر تقديم طروحات غير منطقية، بإعلانها الاستعداد لتوقيع ما يسمى بتوجيهات إطارية عامة لتشغيل سد النهضة، وهي  لا تختلف عن أي إعلانات أو بيانات سياسية غير إلزامية وغير قابلة للتنفيذ في الوقت ذاته.

وقال سلامة إن "منظمة الاتحاد الإفريقي نفسها تواجه هذه السابقة الخطيرة في تاريخ النزاعات الأفريقية، منذ إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963 في إثيوبيا، ولذلك فإن المقترح الذي يمكن أن ينصح به، هو دخول وسيط دولي بخلاف الآلية الحالية التي تعملها منظمة الاتحاد الإفريقي".

وأضاف أن "وسيطا دوليا يعني إما منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، أو منظمة الاتحاد الأوروبي، أو مجموعة دول قد تكون دول جوار مؤثرة مثل السعودية والإمارات، لما لهما من استثمارات وتأثيرات مهمة على الدول الثلاث، على أن تسير هذه الوساطة الدولية بالتوازي مع جهود منظمة الاتحاد الإفريقي".

وبحسب الخبراء فان االعرض المصري، لا يمكن أن يوصل إلى اتفاق فني نهائي لكيفية تشغيل وإدارة سد النهضة، ويحقق الانتفاع المنصف المشترك بمياه نهر النيل الأزرق بعد إنشاء سد النهضة؛ حيث خرجت إثيوبيا عن كل المألوف والمعهود بين الدول التي تتنازع على الانتفاع المنصف المشترك بالنهر الدولي الذي يجري في أقاليم الدول المتنازعة.

 

استدراج إثيوبي لمصر

ويأتي العرض المصري بعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الخميس الماضي، بشأن سد النهضة، ومطالبته مصر والسودان بتغيير خطابهما بشأن السد من أجل تحقيق التنمية، بالشكل الذي يُعلي خطاب بناء السلام.

هذه التصريحات فسرها خبراء ومراقبون، بأنها محاولة منه لاستباق انعقاد الدورة الـ35 للقمة الأفريقية في 5 و6 فبراير المقبل في أديس أبابا. مع توقعات بأن تعود الدبلوماسية الإثيوبية بقضية السد إلى سابق عهدها بعد انتهاء القمة، والتي لا يريد أبي أحمد أن تخرج بموقف معارض لأديس أبابا بقضية السد، وهو ما يتوجب على القاهرة والخرطوم التنبه له.

وقال الخبراء إن "عرض مدبولي بالعودة إلى المفاوضات من دون شروط، يعطي الفرصة لأبي أحمد لتنفيذ مراده بتجاوز محطة القمة الأفريقية المقبلة، من دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم".

فتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي تبدو عاقلة وإيجابية تجاه مصر والسودان، هدفها تجنّب أي ضغوط محتملة على بلاده من الدول الإفريقية المشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية، لا سيما أنه لطالما أكد سابقا أن أزمة السد يجب أن تُحل داخل إطار الاتحاد الإفريقي.

ومن خلال استقراء السياسات الإثيوبية السابقة، فإنه من غير المستبعد، أن تعود السياسة الإثيوبية إلى سابق عهدها بعد انتهاء قمة الاتحاد الإفريقي، وهو ما لا يتنبه له السيسي ونظامه العسكري، الذي لا يُفعّل قواه العسكرية حتى ولو بالتهديد من أجل الحفاظ على أمن مصر المائي.

كما أن مجاراة  السيسي لتصريحات أديس أبابا الإيجابية والتلطيفية، قد يورط مصر في دائرة جديدة من المفاوضات التي لا طائل منها.

وكانت إثيوبيا أعلنت مؤخرا أنها ستقوم بإكمال الملء الثاني والثالث خلال يونيو المقبل، بعد أن كانت قد فشلت عملية الملء الثاني بشكل كامل ، خلال الصيف الماضي لعدم اكتمال البناء بالقطاع الأوسط من السد.

فيما أعلن آبي أحمد خلال اجتماع حكومته بمقر سد النهضة مطلع يناير الجاري، أن عملية توليد الكهرباء من السد ستبدأ خلال أيام، من التوربينات المنخفضة، وأن لا أحد يستطيع إلزام إثيوبيا في تحديد كميات المياه المحتجزة خلف السد، بوصفها مياها إثيوبية خالصة، لا يحرم منها الشعب الإثيوبي.

وهي التصريحات التي تعتبر تحديا كبير لمصر التي تعاني نقص كميات المياه الواردة إليها، وما تحمله من مخاطر تراجع المساحات المزروعة بدلتا مصر وهجرة نحو 40 مليون مصري من تلك المناطق، وتراجع الإنتاج الزراعي ومن ثم القومي بمقدار 82%، وفق دراسة حديثة لوزارة التخطيط بحكومة الانقلاب المصرية، وهو ما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري، الذي تتفاقم أزماته المالية والمائية والصحية إثر إصرار النظام العسكري، الذي يحل أولا في استيراد الأسلحة،  على البدائل المائية ، سواء بمياه الصرف أو مياه البحر.