يعرف كل صغير وكبير على أرض مصر لعبة "بص العصفورة" وفكرتها تتلخص في محاولة إلهاء الطفل من خلال أن تشير إلى مكان ما ، وتطلب منه أن ينظر إلى عصفورة لم تكن موجودة في الأصل ، فيتناسى الطفل طلباته ويبدأ في البحث عن العصفورة.
ومع حكم العسكر والانقلابات أصبحت "بص العصفورة " هي لعبة الإعلام، كل ذراع يلعبها على طريقته، ويعد أبرز لاعبيها على الساحة الآن، عمرو أديب وأحمد موسى وإبراهيم عيسى، فكلما اشتدت أزمة ضغط العسكر الزر فيسارع الإعلاميون بافتعال أزمة من لا شيء، ، حتى يتجه إليها الشعب عن بكرة أبيه، متلهيا بها ومتناسيا أزمته الحقيقية مع العسكر.
الأستاذ مايوه..!
ومن افتعال معركة "المايوه" التي وصم بها الإعلامي إبراهيم عيسى جميع نساء مصر في فترة الستينات، إلى إنكار ثابت مقطوع بتحققه بنصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، وصف "عيسى" معجزة المعراج بأنها مجرد “قصة وهمية”.
وزعم أن 99 في المئة من القصص ، التي يرويها الشيوخ والدعاة كاذبة، وقال إن "واقعة المعراج عبارة عن قصة وهمية كاملة، مؤكدا أنه لم يكن هناك أي معراج ، وأن ما ورد عبارة عن قصة وهمية، كما زعم بأن هذا ما ورد في كتب السيرة والتاريخ".
ولن يقدم أمثال إبراهيم عيسى أو يؤخر في مقطوع بثبوته بنصوص شرعية، ولن يهتز الشرع الحكيم لمقولات يهذي بها بغرض الإلهاء، وذلك بأوامر من المخابرات بقيادة العقيد أحمد شعبان، الذراع اليمنى للواء عباس كامل، إنما الإشكال أن يتم إغراق السوشيال ميديا بمثل هكذا فرقعات، الغرض من ورائها الغفلة عما تقوم به عصابة العسكر من كوارث على كافة الإتجاهات سياسية واقتصادية وتشريعية وقضائية وفي مجال حقوق الإنسان.
وكمثال على ذلك، ففي التاسع والعشرين من نوفمبر 2014، أعلن قضاء الانقلاب براءة المخلوع مبارك من تهم قتل المتظاهرين، وخلال ساعات كانت التظاهرات في الميادين، الأقلام تكتب غاضبة من الحكم، الشارع محتقن، والكل لا يتحدث إلا عن مبارك.
وغنى داعية تقسيم الشعب، علي الحجار، من كلمات عبد الرحمن الأبنودي عقب ثورة يناير التي أسقطت مبارك "يا عم أقعد بس واشرب شاي.. دي الدنيا ماشية وشعبنا نساي.. والبركة في الشاشة وفي الجرانين"، ويبدو أن قيادات المخابرات تتخذ من هذا المقطع من أغنية "ضحكة المساجين" شعارا لها.
مقهى الملحدين..!
حين خرج الإعلامي أحمد موسى متحدثا عن أنباء مؤكدة عن وفاة مبارك، فيتناسى قطاع من المصريين حكم براءته ، ويتحول الحديث هل مبارك حي أو ميت، رغم أن تلك الشائعة نفسها اعتاد المصريون عليها كلما اشتدت أزمة ما في البلاد، لكن يبدو أن الشائعة لم تؤدِ مستهدفها تلك المرة ولا بد من شيء أكثر سخونة ينسي الشعب اسم مبارك تماما.
فتطل بعد أيام قليلة الإعلامية ريهام سعيد في برنامجها "صبايا الخير" بحلقة ساخنة عن خمس فتيات يقلن إن "الجن التبسهن وأنهن ينزلن تحت الأرض كل ليلة، وفي محاولة منهن لتأكيد ادعائتهن، لمست إحداهن المصحف الشريف، فظهر على الشاشة يحترق، وفي مشهد درامي استطاع ضيف الحلقة الموصوف بأنه معالج روحاني أن يخرج الجن من الفتيات".
وبعد دقائق من بدء عرض الحلقة، كان الشارع المصري تناسى أن مبارك قد بُرئ وتحولت حواراته من مبارك وبراءته إلى ريهام سعيد وجن حلقتها.
وبعد أيام قليلة، ينشر خبر القبض على طفل متهم بسرقة خمسة أرغفة خبز من مخبز كان يعمل فيه، وتبدأ إثارة قضية عمالة الأطفال في مصر وسجن صغار السن، فيخرج في اليوم التالي رئيس حي عابدين في القاهرة ليعلن عن تدميره مقهى الملحدين، كما وصفه، وتذهب وسائل الإعلام للحديث عن الملحدين وما سمي بمقهاهم ويصبحون نجوما لـ"توك شو" الأهم لهذا اليوم، ليسدل الستار على الطفل المحبوس وإلى أين انتهى مصيره؟
بعد يومين، ينشر المتحدث العسكري خبر مقتل طاقم طائرة حربية أثناء قيامها بمهام تدريبية مشتركة مع دولة الإمارات، وقبل أن يبدأ الخبر في الانتشار، محدثا ضجة حوله، كان الجزء الثاني من حلقة الجن والعفاريت للإعلامية ريهام سعيد قد عرض واشتعلت معه برامج الـ"توك شو" من جديد، ولم ينتبه، إلا القليل لضحايا الطائرة المنكوبة، ولم يبحث أحد عن المسؤول عن موتهم.
يمر أسبوع وتبدأ قنوات فضائية في إذاعة تسريبات من مكتب السفاح السيسي حين كان وزيرا للدفاع، وتبدأ وسائل الإعلام في محاولة إثبات أن التسريبات لا أساس لها من الصحة، لكن التكذيب لم يجد نفعا، وبدأ البحث عن العصفورة التي يجب أن ينظر إليها الشعب الآن، ومع اقتراب الاحتفال بأعياد الميلاد، يصبح الموضوع الأمثل للإلهاء هو هل تجوز تهنئة المسلمين للمسيحيين في أعيادهم أم لا؟ لكن الجدل حول التهنئة فقط لن يجدي، لأن المصريين اعتادوا عليه كل عام، لذا وجب تكبير الأمر ليشمل مؤسسة الأزهر كاملة.
وكمثال على إعادة مشهد التكبير، دخل على خط إلهاء "عيسى" الدكتور عباس شومان المشرف على الفتوى بالأزهر الشريف، والذي قال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "من الغريب والعجيب، وبعد مرور هذه القرون على إجماع علماء الأمة على حدثي الإسراء والمعراج، يظهر علينا بين الحين والحين من يشكك في هذين الحدثين أو أحدهما" ، والمطلوب من شومان ومن فوقه حتى شيخ الأزهر فتاوى عن سد النهضة واستحلال العسكر للقمع والقتل وإعدام وإفقار المصريين.