“إيكونوميست”: السيسي وجنرالاته يتبعون أساليب المافيا للاستيلاء على “جهينة” وغيرها

- ‎فيتقارير

أكدت مجلة "الإيكونوميست" أن جنرالات الجيش المصري يستولون على كل ما يريدون، وأنهم يحاولون الاستيلاء على شركة جهينة أكبر شركة لتصنيع الألبان والعصائر في مصر، عبر أساليب "المافيا" والعصابات.

وفضحت المجلة نظام السيسي وابتزازه لرجال الأعمال، مؤكده أن مصر مكان غير جاذب للمستثمرين، والدليل على ذلك ما يقوم به السيسي من ابتزاز لشركة جهينة وسجن صاحبها صفوان ثابت وابنه.

وأوضحت، في تقرير نشرته 23 إبريل 2022 ، أن شركة جهينة، واحدة من أكثر الشركات المصرية قيمة في بورصة القاهرة، وفي أي بلد آخر يمكن اعتبارها مفخرة قومية، لكن في حكم العسكريين تعرضت للابتزاز على طريقة عصابات المافيا، بعد أن رفض صاحبها صفوان ثابت تسليم الجيش حصة حاكمة في الشركة، فسجنوه، وأن مصر بيئة طاردة للاستثمار.

 

رفضوا نهب شركتهم فاعتقلهم

بحسب إيكونوميست، بدأت مشاكل جهينة عندما قررت السلطة الاستيلاء عليها، فبعد أن رفض مؤسسها، صفوان ثابت، التنازل عن 51% من أسهم شركته، أُلقي به في سجن سيئ السمعة بسبب ما يجري فيه من تعذيب، وعندما رفض ابنه سيف نفس الصفقة، انضم إلى والده في السجن.

أوضحت أن السلطة تتهم آل ثابت بتمويل الإرهاب ، حيث كان جد صفوان وعمه ينتميان لجماعة الإخوان المسلمين إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن بعد انفلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، على الرئيس الشهيد المنتخب محمد مرسي في يوليو 2013. 

وأوضحت الصحيفة أن عائلة "ثابت" تصر على أنه لا علاقة لهم بالإخوان ، لكن الأب والابن أمضيا في السجن أكثر من عام، ولم تنظر المحاكم في قضيتهما.

وأوضحت أيكونوميست أن عائلة ثابت جزء من المؤسسة الحاكمة ، حيث كان صفوان ودودا مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك ، وسافر إلى الخارج مع وفود حكومية لجذب المستثمرين وتقديم المشورة للوزراء.

وبعدما أن أصبح السيسي رئيسا في عام 2014، تبرع ثابت الأب بمبلغ 50 مليون جنيه لصندوق تحيا مصر لمشاريع التنمية وكان السيسي سعيدا بتلقي الأموال من أفراد عائلة ثابت، رغم صلاتهم المزعومة بالإخوان بحسب ما تقول المجلة البريطانية.

 

شركة رامي شعث

مثال آخر أوردته الإيكونوميست هو رامي شعث الذي قالت إنه "رجل أعمال ناجح تنتج شركته أجهزة إلكترونية لتتبع استخدام الكهرباء والمياه والغاز لشركات المرافق العامة".

أوضحت أنه عندما رفض السماح لشركة عسكرية بمشاركة تقنيته، بدأت شركات المرافق في إلغاء العقود لشركته.

ونقلت المجلة عن شعث قوله «بدأنا في الإفلاس، ليس لأن أداءنا كان ضعيفا، ولكن لأن الجيش كان يضغط علينا»، وأكدت أنه بصفته منتقدا للسيسي، تم اعتقاله لأكثر من عامين بتهم إرهاب غير محددة، ولم يُحاكم مثل ثابت الأب والابن.

 

بيزنس الجيش

وتوضح إيكونوميست أنه في ديسمبر 2021 ظهر السيسي على شاشة التلفزيون وهو يضغط على ثلاثة من مالكي شركات البناء لقبول التأخير في سداد مدفوعات الدولة لهم لبناء الطرق والجسور.

قالت "ابتسم رجال الأعمال بخجل وأذعنوا، لأنه ماذا كان سيحدث لهم لو رفضوا؟

أوضحت أن قلة من رجال الأعمال يجرؤون على الوقوف في وجه الجيش ويُظهر التعامل مع ثابت وابنه ما يمكن أن يحدث إذا فعلوا ذلك.

وذكرت أن الجيش يحصل على إعفاءات ضريبية خاصة وإعفاءات جمركية، ويبع كل شيء من اللحوم حتى البسكويت.

أشارت لفتح السيسي مدينة سايلو الصناعية للمواد الغذائية العام الماضي، وهي عبارة عن مجمع لمصانع المواد الغذائية يشرف عليها الجيش مشيرة لأن شعار الشركة، العالم له طعم جديد، مسروق من حملة جهينة العالم له طعم جميل.

ونوهت لأن شركة الجيش تريد فتح مصنع حليب خاص بها وأنه بعد اعتقال سيف ثابت، عرض سيف إدارة عمليات شركة الجيش مقابل راتب رمزي بشرط أن تترك السلطة شركة جهينة وتطلق سراحه هو ووالده، لكن العرض رُفِض.

وتقول إيكونوميست إن "سيف قال من داخل السجن ، إذا أخذوا جهينة سوف يدمرونها ولن أُسلم ما بناه والدي، وعندما ظهرت زوجة ثابت في مقطع فيديو على فيسبوك تتوسل لإطلاق سراحه هو وابنها تم استدعاؤها للاستجواب وتهديدها".

وطلب منها أن تصمت أو تواجه نفس المصير، حتى تُوفيت الشهر الماضي إثر إصابتها بالسرطان، منع النظام مئات المعزين من حضور جنازتها.

https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2022/04/21/why-egypt-isnt-open-for-business

 

حملة السيسي علي جهينة

يوم 5 أبريل 2021، فوجئ العاملون بشركة جهينة لمنتجات الألبان والعصائر بالمنطقة الصناعية بمدينة 6 أكتوبر بالجيزة، بحملة ضخمة تقودها شرطة المرور تتمركز قرب منافذ التوزيع، وكانت هذه أول إشارة قمعية تبين محاولة السيسي وجنرالاته نهب الشركة بقوة المافيا.

بدء الحملة قبل شهر رمضان الماضي بثمانية أيام، وهو موسم التوزيع المكثف لمنتجات الشركة، وتوقيفها كل عربات ومبردات الشركة صباحا ومساء كان أمرا مستغربا.

جهينة قالت إن "كمائن الشرطة سحبت رخص 132 سيارة نقل وتوزيع للشركة بحجج واهية أمن ومتانة التي لا تطبق على غالبية السيارات التي تسير في شوارع مصر، ما زاد من علامات الاستفهام.

استغربت قيام إدارة المرور ومباحث مرور الجيزة بالتمركز بشكل شبه مستمر عند مصانع الشركة وأرصفة تحميل المنتجات بالمصانع والفروع، وسحب رخص سيارات نقل منتجات الألبان، بحسب بيان منها لوكالة رويترز 3 مايو 2021.

أكدت أن "وحدة تراخيص 6 أكتوبر امتنعت أيضا عن تجديد رخص 65 سيارة، ورفضت ترخيص ثماني سيارات جديدة موديل 2021 بدون سبب واضح أو معلوم".

حاولت الشركة دفع مخالفات سحب الرخص كي تلحق منتجاتها من الألبان بالسوق الرمضاني، فرفضت الشرطة، ما يشير لأن الأمر ليس حملة مرورية ولكن أمنية سياسية عقابية.

تقدمت الشركة بشكاوى رسمية ضد هذه الإجراءات المرورية ووصفتها بأنها غير مفهومة وغير مبررة، وتسبب لها خسائر، دون جدوى ووسط تعتيم إعلامي.

قدمت الشركة شكاوى إلى وزارتي التجارة والصناعة، والتموين، وغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، وإلى المحامي العام لنيابات منطقة 6 أكتوبر، ولم يتحرك أحد، أو ترد وزارة الداخلية لتبرر ما تفعله.

خروج مسؤولة كبيرة بالشركة رئيسة قطاع العلاقات الخارجية للشكوى العلنية لقناة CNBC Arabia الاقتصادية مما جرى، كان مؤشرا على عجزهم الوصول لحلول مع السلطات المصرية، وأن هناك أمورا أخطر يجري تدبيرها.

https://twitter.com/CNBCArabia/status/1389492226124877827

 

مطلوب إزاحتها من السوق

إثر قرار سابق من لجنة قضائية حكومية في أغسطس 2015 بالتحفظ على أموال رئيس شركة جهينة صفوان ثابت وممتلكاته بدعوى صِلاته بجماعة الإخوان المسلمين، تم اعتقاله من منزله في الثاني من ديسمبر 2020.

قبل اعتقاله بأسابيع، قام أحد كبار الشخصيات بواحد من المشاريع المستحدثة للدولة لإنتاج الألبان التابعة للجيش، بزيارات متعددة لمصانع «جهينة» اطلع خلالها على كيفية إدارته وتحديث المعدات وأنظمة التشغيل.

بحسب مصدر سياسي لموقع مدي مصر 29 أبريل 2021، تمت مفاتحة صفوان ثابت، بعد هذه الزيارات بضرورة التفكير في إدماج جزء من مصانع «جهينة» مع مصنع ألبان الجيش القادم، لكنه تجاهل الطلب.

تزامنت الزيارات لمصانع جهينة ومطالبة رئيس الشركة بإدماج جزء من مصانعه من شركة الجيش، مع تكرار السيسي توجيهاته المستمرة منذ منتصف مايو 2020 وحتى بداية سبتمبر 2020 بإنشاء منظومة متكاملة لمراكز تجميع الألبان.

السيسي اجتمع مع رئيس الوزراء ووزير الزراعة ومدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، اللواء مصطفى أمين، أول ديسمبر 2020 وطالبهم بمنظومة تضم 200 مركز متطور لتجميع الألبان على مستوى مصر.

وفي اليوم التالي مباشرة جرى اعتقال رئيس شركة جهينة، ما يطرح تساؤلات حول وجود رابط بين بيزنس ألبان السلطة والجيش، وعرقلة نشاط أكبر شركة للألبان في مصر جهينة.

الأمر لم يكن صدفة، فقد كان هناك ما يُدبر لصفوان ثابت من قبل لأنه رفض مقترحا تقدم به إليه وزير التموين لشراء شركتي قها وأدفينا المملوكتين للدولة، وتعانيان من عثرات اقتصادية كبيرة، بحسب مصدر يعمل في الصناعات الغذائية الحكومية لـمدي مصر.

المصدر قال إن «عدم إقبال صفوان ثابت على الفكرة لم يكن فقط نابعا من عدم اهتمامه بالمشروع، ولكن أيضا بسبب المقابل المالي الكبير والمبالغ فيه الذي كان سيكون على شركة جهينة تقديمه مقابل شراء شركتي الحكومة".

بعد رفض "ثابت" طلب السلطة شراء قها وأدفينا، ثم اعتقاله، بأربعة أشهر، عاد وزير التموين على المصيلحي ليطالب رجال الأعمال 4 أبريل 2021 بشراء أسهم شركتي قها وأدفينا قائلا "من فضلكم تعالوا شاركونا".

 

الأصول هي المطلوبة

بعد القبض على صفوان ثابت، أصبح المطلوب منه هو التنازل عن أصول شركة فرعون للاستثمارات المحدودة التي تمتلكها الأسرة، وتجاوز الوضع دفع مبلغ من المال، فالأصول هي المطلوبة وليست الأموال.

"ثابت" دفع 50 مليون جنيه لصندوق "تحيا مصر" عقب لقاء إفطار في رمضان دعا له السيسي، عدد من رجال الأعمال بينهم "ثابت" يوم 11 يولية 2014، وجمع فيه 5 مليارات جنيه، ومع هذا استمرت محاولات ابتزازه.

مصادر خاصة من داخل نظام عبد الفتاح السيسي، كشف لصحيفة "العربي الجديد" 15 فبراير 2021 أن المفاوضات مع ثابت بدأت بمطالبة أجهزة استخباراتية له بدفع مبلغ محدد، هو 150 مليون جنيه.

المبلغ كان سيتم دفعه كإتاوة لأنه لصالح إحدى الجهات الأمنية، وبشكل غير رسمي، وهو ما رفضه صفوان ثابت وعرض 50 مليونا فقط.

انتقلت المفاوضات لمرحلة أصعب حين قرر مسؤول رفيع في الدولة إلغاء العرض، والتقدم بتصور جديد يقضي بالتنازل عن ملكية 40% من مجموعة جهينة بصيغة البيع لإحدى الشركات المدنية المملوكة لهذا الجهاز السيادي.

رفض ثابت هذا العرض ورفض عرضا أخر بتخفيض النسبة المتنازل عنها من 40 إلى 20% من جهينة التي تقدر قيمتها بنحو 3 مليارات جنيه فصدرت تعليمات باعتقاله.

جريدة اليوم السابع، المعروفة بما تلقيه من أضواء كاشفة على توجهات الدولة وسياستها الأمنية، أشارت صراحة إلى أن المطلوب من الدولة اليوم هو إنقاذ شركة جهينة من مؤسسها.

نشرت «اليوم السابع» مقالا مريبا بدون أسماء ، ما يشير لأنه مُملى عليها من أحد الأجهزة الأمنية يوم 16 يناير 2021 تحت عنوان "إنقاذ جهينة يأتي بطرد عائلة ثابت وخضوع جهينة لإدارة الدولة".

سعى المقال الأمني بامتياز لرصد مزاعم عن أن "صفوان ثابت واجهة لجماعة الإخوان ، وشريكا معلنا يدير جانبا من أموال التنظيم، ويشارك بشكل مباشر في تمويل أنشطة الجماعة من خلال عوائد الشركة وأرباحها".

رصد المقال انتماء صفوان ثابت لأسرة إخوانية معروفة، فهو حفيد مباشر للمرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبي من جهة الأم، وجده الأكبر المرشد الثاني حسن الهضيبي.

وتحدث عن أنه "جعل من جهينة ذراعا مالية للإخوان من خلال الدعم والتبرعات والمساهمات المالية في أنشطة اجتماعية وسياسية للإخوان طوال سنوات".

انتهى المقال بالدعوة إلى سيطرة الدولة على الشركة ، وأن إدارة الدولة هي الحل، بدعوى استمرار 4 من أسرة ثابت هو ونجله سيف وابنتاه في مجلس الإدارة.

يفسر هذا اعتقال سيف ثابت نجل صفوان لأنه تولي رئاسة مجلس إدارة الشركة بعد اعتقال والده، بينما الهدف إبعاد الأسرة عن الشركة تماما.

ما يحدث ليس مجرد حملة أمنية، ولكنها إستراتيجيته ضمن خطة توسيع بيزنس العسكر كشفت عنها عشرات الدراسات الأجنبية.

مصادرة أموال رجال الأعمال بشكل رسمي، أو أمني، واعتقال رؤساء شركات وكيانات مستقلة جزء من محاولات إخلاء الطريق لبيزنس الجيش، بحسب متابعين.

هذا التوسيع في بيزنس العسكر، مع التوسع في القروض وصفقات السلاح أمر مُستهدف من قبل السيسي لتوريط العالم معه في الدفاع عن نظامه حفظا لمصالحهم، وفق دراسة لمعهد كارنيجي 26 أكتوبر 2020.