كل يوم تزداد مصر فقرا وجهلا وتخلفا، ويكفي أن نعلم أن ديون مصر الخارجية وفقا لبيان البنك المركزي في إبريل 2022م بلغت 145 مليار دولار بنهاية سنة 2021م، وأن فوائد الديون وفقا لأرقام مشروع الموازنة القادمة (2022/2023) بلغت 690.1 مليار جنيه، بينما أقساط الديون ارتفعت إلى 965.48 مليارا. ليصل بند خدمة الديون وحده إلى 1.655 تريليون جنيه سنويا، وهو ما يفوق جملة الإيرادات المتوقعة (نحو (1.517) تريليون جنيه)! معنى ذلك أن مصر تدفع كل يوم نحو 5 مليارات جنيه لخدمة الديون فقط، بينما تبقى الديون ذاتها تتعاظم وتتضخم لأن النظام عاجز عن إدارة موارد الدولة بشكل صحيح، ولا يعتمد سوى على الديون والضرائب والتسول؛ من أجل سداد الربا (فوائد الديون) من جهة، واستمرار العمل في مشروعاته القومية العملاقة من جهة أخرى!
في مصر المقهورة بحكم العسكر منذ عهد محمد علي باشا ثم انقلاب الضباط الأشرار في يوليو 1952م، هناك جيش، لكنه لا يحمي حدود الوطن وأمنه القومي، بل لا هم لجنرالاته سوى الحكم والسلطة والمكاسب، وهزيمة 67، واتفاق كامب ديفيد، ثم انقلاب 03 يوليو والتفريط في تيران وصنافير وهشاشة الموقف من سد النهضة الإثيوبي خير أمثلة على ذلك. وهناك شرطة لكن عناصرها ينتهكون القانون كل لحظة، ويمارسون أبشع الجرائم والانتهاكات من قتل وتعذيب وابتزاز ودعارة وتجارة مخدرات، ولا هم لهذا الجهاز سوى حماية أمن النظام تاركا المجتمع يعاني من جميع صور وأشكال الجرائم من قتل وسرقة وخطف وقطع طرق وفلتان أمني، المجتمع ينهار ويتفكك، لكن المهم ألا يتم تسليط الضوء على هذه الأوضاع المزرية. هناك مدارس لكنها لا تقدم تعليما حقيقيا؛ ما يضطر أولياء الأمور إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية أو المدارس الخاصة ومدارس اللغات للميسورين منهم، وهناك مستشفيات لكنها لا تقدم رعاية صحية مقبولة؛ فيضطر المرضى إلى الذهاب إلى العيادات الخاصة والميسورين منهم إلى المستشفيات الخاصة، وبالتالي تدفع الأسرة المصرية جزءا كبيرا من دخولها على نفقات التعليم والصحة في ظل غياب الدولة وانهيار مؤسساتها.
هناك مدن جديدة، لكن ملايين الشباب المصريين لا يستطيعون الحصول على سكن مناسب، فأسعار الوحدات في مدن السيسي تفوق دخول 80% من المصرييين، وحتى الإسكان الشعبي تصل أسعاره إلى نحو 350 ألف جنيه وهو رقم مهول قياسا للحد الأدني للدخول الذي يصل إلى 32 ألف جنيه سنويا. وهو رقم لا يكفي أسرة من شخصين للسكن والطعام والملابس فقط!
وبفعل السياسات المالية والاقتصادية بلغ التضخم مستويات مرعبة وصلت فعليا إلى ما بين 400% إلى 1000% قياسا إلى أسعار 2010م، فأنبوبة الغاز مثلا كانت بــ 3 جنيهات في 2010، ارتفعت إلى 8 جنيهات حتى 2014، لكنها اليوم بـ80 جنيها بزيادة نسبة تضخم تصل إلى 2500%!! وسعر لتز بنزين 80 والسولار وهما الأكثر استخداما في المجتمع المصري كان بـ 0.8 جنيها في 2010، وظل هكذا حتى 2015 فبدأ رحلة الصعود ليصل حاليا إلى نحو 9 جنيهات بنسبة تضخم تصل إلى 1000%!
كيف لمصر الفقيرة (أوي) أن تهدر مئات المليارات على عاصمة جديدة في الصحراء تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار؟ كيف لهذه الدولة التي تتضخم ديونها لهذا الحد أن تعقد عشرات الصفقات المليارية من الأسلحة في وقت تتقارب فيه بشدة مع عدودها اللدود "إسرائيل"، وترى في التفاوض مع عدودها الجديد (إثيوبيا) مسارإستراتيجيا؟ كيف تكون مصر الخامسة عالميا في شراء السلاح في ظل هبوط عشرات الآلاف من أبنائها تحت خط الفقر؟ وكيف لها أن تستعد لإقامة مفاعل نووي بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة في بلد لديه فائض في الكهرباء؟ وكيف يهدر السيسي 8 مليارات دولار على تفريعة بلا جدوى في قناة السويس ودون تحقيق أي عائد إضافي يذكر؟!
آخر التحذيرات صدرت الأربعاء 20 إبريل 2022م، من مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، بأن أوضاع الاقتصاد المصري في تدهور، وتزداد سوءا، رغم تجربة الصندوق مع مصر التي وصفتها بالـ"ناجحة سابقا"! حيث تقول إن "الصندوق كان لديه تجربة ناجحة مع مصر في البرنامج السابق، لكن الآن ظروف الاقتصاد المصري تزداد سوءا"، عازية السبب في ذلك التدهور إلى مُعاناة مصر بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، بسبب اعتمادها على واردات الغذاء من روسيا وأوكرانيا. لافتة إلى أن أعدادا كبيرة من المصريين معرضون للخطر بفعل الغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والوقود. ويجري نظام السيسي حاليا مباحثات مع الصندوق لقرض جديد (قد يصل إلى 3.5 مليارات دولار) هو الرابع خلال 6 سنوات، بعدما اقترض 12 مليارا في نوفمبر 2016م، ثم 2.8 مليار في مايو 2020، ثم 5.2 مليارات في يونيو 2020م، بإجمالي نحو 20 مليار دولار.
هذه هي المعارك الحقيقية التي يهرب منها الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وأجهزته لخلق بطولات مفتعلة في معارك وهمية مع الإخوان، في عالم الدراما والاختيار 3 وغيره من الأعمال الدرامية والسينمائية التي يستهدفون بها تضليل الجماهير وتغييب الشعب عن المعارك الحقيقة التي يواجهها الناس كل يوم عندما يخرجون لشراء أي سلعة أو الاشتراك في أي خدمة. معركتك يا سيسي مع الغلاء الفاحش والفلتان الجنوني في الأسعار، مع الديون الضخمة، نريد أن نرى كفاءتك في لجم الاقتراض وزيادة الإنتاج والاعتماد على الذات، أرنا قدرتك ومهارتك في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، نريد أن نرى بطولاتك أمام إثيوبيا وردعها عن تهديد الأمن القومي المصري في أهم شيء في حياة المصريين وهو نهر النيل، فهل تقدر يا سيسي على الانتصار في هذه المعارك الحقيقية؟ أم أنك تعالج عجزك ببطولات وهمية في العالم الافتراضي (المسلسلات) هروبا من العجز المزمن في العالم الحقيقي؟!