الحوار بين السلطة والشعب في مصر وتونس.. قراءة هامشية

- ‎فيتقارير

الفرق بين ديكتاتور مصر الجنرال عبدالفتاح السيسي وديكتاتور تونس الأكاديمي قيس سعيد، هو اختلاف في الدرجة لا النوع؛ فكلاهما حاكم مستبد يمارس الحكم بصلاحيات ديكتاتورية مطلقة، ويمضي وفق تصوراته وأفكاره دون اكتراث لأحد؛ قد يكون ديكتاتور تونس قد جاء بطريقة شرعية وانتخابات نزيهة بالفعل لكنه سرعان ما انقلب على النظام الدستوري الذي انتخب على أساسه وصار يحكم بدستور وهمي لا وجود له إلا في رأسه وخياله، كما عصف بالبيئة الديمقراطية التي جاءت به لينفرد بالسلطة بعدما أطاح بالدستور والبرلمان والحكومة ويتجه نحو إلغاء الأحزاب لتأسيس نظام سياسي لا مثيل له في العالم بلا أحزاب أو انتخابات. ويبدو أن يتجه إلى استنساخ تجربة العقيد القذافي الذي كان يحكم وفق ما تسمى باللجان الشعبية؛ الأمر الذي عرضه لسخرية واسعة على مستوى العالم.  أما السيسي فقد اغتصب الحكم بقوة العنف والإرهاب عبر انقلاب عسكري دموي يعلمه القاصي والداني، وأسس نظاما قمعيا لا مثيل له في العالم.

كلاهما (السيسي وقيس سعيد) يحتقر الإرادة الشعبية ولا يضع اعتبارا للأحزاب والقوى السياسية أو حتى الدستور والقانون، وكلاهما أيضا استنكف من اعتماد الحوار كوسيلة لحل المشكلات في بلاده؛ فالسيسي لا يجيد سوى الحوار بالرصاص والقناصة، وسعيد لا يجيد سوى لغة التخوين والتشكيك والتكفير الوطني لكل مخالفيه. كلاهما يعتمد على لغة التخوين والتكفير الديني والسياسي من أجل الانفراد بالسلطة بلا أي شراكة حقيقية؛ فلماذا أعلن كلاهما في توقيت متزامن عن إجراء حوار مع بعض معارضيه المقربين؟!

قد يكون ذلك لأسباب تتعلق بتفاقم الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين في أعقاب تفشي جائحة كورونا من جهة والغزو الروسي لأوكرانيا من جهة ثانية؛ وارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع معدلات التضخم إلى حدود مرعبة أسقطت عشرات الملايين في مصر تحت خط الفقر، وأسقت أكثر من نصف التوانسة كذلك تحت خط الفقر الدولي. بخلاف اعتماد السلطة الدكتاتورية في كلا البلدين على القروض وفرض الضرائب الباهظة من أجل إنعاش خزان الدولة الفارغة بفعل تفشي الفقر وتوقف عجلة الإنتاج والاعتماد على  الاقتصاد الريعي.

تفسير آخر يذهب إلى أن دعوات الحوار المتزامنة حتى ولو كانت صورية تقف وراءها حكومة أكبر تدير الإقليم؛ بمعنى أن إدارة السلطة في مصر وتونس ليست حصرا على الحكومات الظاهرة بالفعل؛ بل هناك حكومة خفية كبرى تدير المنطقة هي من تصدر الأوامر والتوجيهات للحكومات فتشرع الأخيرة في التنفيذ. لا سيما وأن البلدين (مصر وتونس) عضوان في تحالف الثورة المضادة الذي تقوده فعليا "إسرائيل"، وتقوم الإمارات بدور المدير التنفيذي لهذه الحكومة الخفية التي تستهدف إقامة تحالف عربي إسرائيلي واسع يضمن ليس فقط حماية أمن الاحتلال بل دمجه في المنطقة بوصفه قوة إقليمية ترتبط بعلاقات وثيقة مع جميع النظم العربية دون استثناء. قد يكون الدور الإماراتي أكثر بروزا في هذا الحلف الصهيوني بما تملكه من أرصدة مالية ضخمة، وشبكات إرهابية مسلحة تؤدي أدوارا قذرة في مختلف البلاد العربية لكن تبقى "إسرائيل" هي القائد الفعلي لهذا التحالف الشيطاني الذي يستهدف بقاء معادلة الحكم الحالية قائمة (دولة عربية هشة + حكومات مستبدة + انعدام ثقة بين الشعوب والحكومات + خذلان لفلسطين وشعبها ومقدساتها + إسرائيل قوية ومدعومة من هذه الحكومات الضعيفة المستأسدة على شعوبها).

بالطبع، لا السيسي أو قيس سعيد مستعد لإقامة حوار حقيقي من أجل مواجهة التحديات التي تواجه بلادهما؛ فكلاهما يريد فقط حوارا صوريا من أجل إقناع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما أن ثمة حوارا قائما، بهدف الحصول على مزيد من القروض من مؤسسات التمويل الدولية التي ربما قد تكون اشترطت إجراء مثل هذا الحوار المجتمعي في ظل عدم الرضا عن أداء هذه الحكومات العربية المستبدة. المشكلات القائمة في كلا البلدين مشكلات مزمنة منذ عقود تفاقمت بفعل فشل السيسي وسعيد، وستتفاقم ما بقيا على رأس السلطة لأن كلاهما مفلس في  عالم الأفكار والإبداع ولا يملك كلاهما أي مرونة أو حنكة سياسية يمكن أن تساهم في إجراء حوارات جادة أولا أو وضع حلول لمشكلات المستعصية ثانيا، أو وضع بلادهما على الطريق الصحيح ثالثا. لأن البداية الحقيقية هي انتشال البلدين من مستنقع الطغيان والاستبداد والشروع فورا في مسار ديمقراطي حقيقي يسترد السيادة من الجيوش والأجهزة ليجلعها في مكانها الصحيح (بيد الشعب) فهو وحدة صاحب السيادة على أرضه وبلاده. وتأسيس نظم حكم رشيدة تستمد شرعيتها من الشعوب بأدوات الديمقراطية الشفافة وصناديق الانتخاب النزيهة واحترام حكم المؤسسات والفصل بين السلطات وفق دساتير ترقها الشعب لا النظم.

وحتى يحدث ذلك وحتما سيحدث،على الشعوب أن تعلن بوضوح للعالم كله ولمؤسسات التمويل الدولية أنها غير مسئولة عن سداد هذه القروض الباهظة التي يتم تمويل الطغاة بها ليبقوا لأطول فترة متشبثين بالسلطة رغم فشلهم يقمعون الجماهير ويقدمون قرابين الولاء للغرب على حساب مصالح بلادنا وأمنها الوطني الذي بات مستباحا تحت حكم الجنرالات والأفاقين من أمثال السيسي وقيس سعيد. على الشعوب أن تتمرد على هذه العصابات التي كرست حكم المافياوات وعصفت بأي معنى لحكم الدستور والقانون.