ثورة 1952.. ذكرى سبعة عقود من الحكم العسكري الاستبدادي

- ‎فيتقارير

في 23 يوليو 1952، أطاحت مجموعة من ضباط الجيش المصري بالملك فاروق الأول من السلطة وسط دعم شعبي من الجماهير لإنشاء جمهورية خالية من الحكم الأجنبي.

كان الانقلاب العسكري غير الدموي مهما بشكل خاص لأنه مهد الطريق أمام مصر للتحول من مملكة إلى جمهورية، وبعد مرور سبعين عاما، لا تزال المثل العليا للحرية والمساواة بعيدة المنال كما كانت دائما.

في السنوات التي سبقت ما سمي لاحقا "ثورة 23 يوليو"، كانت القومية العربية تتصاعد في مصر. لم يكن الجيش المصري مجهزا بشكل صحيح في حربه لدعم الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، مع إلقاء اللوم على الملك بسبب أوجه القصور فيه.

كما تعرض فاروق الأول لانتقادات بسبب قيادته أسلوب حياة باهظ والإذعان للاحتلال البريطاني للبلاد، والذي استمر في ذلك الوقت لمدة 70 عاما.

وقع عدد من الأحداث في عام 1952 مما قوض حكم الملك. وكان من بينها الهجوم الذي شنته القوات البريطانية في 25 يناير على محافظة الإسماعيلية لنزع سلاح الشرطة المحلية من أجل الحفاظ على سلطتها على منطقة القناة. وقتل عشرات الضباط في الهجوم.

أدى الحادث إلى مظاهرات واسعة النطاق ضد البريطانيين في جميع أنحاء مصر وأصبح التاريخ يعرف لاحقا باسم عيد الشرطة الوطني.

ومن الأحداث الأخرى التي أثارت غضب المصريين ضد الملك والبريطانيين "حريق القاهرة"، الذي شهد تدمير أكثر من 700 مبنى في أعقاب سلسلة من الاحتجاجات المناهضة لبريطانيا.

دفع عدم الاستقرار الداخلي هذا العقيد جمال عبد الناصر إلى تعبئة مجموعة داخل الجيش أطلقت على نفسها اسم "حركة الضباط الأحرار" بهدف واحد: الإطاحة بالنظام الملكي.

رئيس قصير العمر

بعد أن أطاح الضباط الأحرار بالنظام الملكي، اختاروا أكبرهم سنا، اللواء محمد نجيب، كقائد يمكنه مخاطبة الشعب. وأعلن ابن فاروق الرضيع، الأمير أحمد فؤاد، ملكا وتم تعيين مجلس وصاية.

وعلى الرغم من دعمهم المتحمس لحركة الضباط الأحرار، لم يكن المصريون يعرفون في ذلك الوقت أن الحرية والازدهار اللذين سعوا إليهما سيظلان بعيدي المنال، وبدلا من ذلك وضعا الأسس لما يقرب من سبعة عقود من الاستبداد العسكري.

أدى نجيب اليمين الدستورية كأول رئيس للجمهورية المصرية في عام 1953، ولكن بعد خلافات مع أعضاء آخرين في مجلس قيادة الثورة أطيح به وحل محله عبد الناصر في عام 1954.

وقال مؤرخ مصري لصحيفة العربي الجديد شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية "دعم نجيب الليبرالية والحكم المدني، معتقدا أن دور الجيش قد انتهى بعد الإطاحة بالنظام الملكي وتحرير البلاد وأنه يجب عليهم العودة إلى وحداتهم، في حين أراد أقرانه حكم البلاد، هكذا سارت الأمور بشكل خاطئ بالنسبة له".

وورد أن نجيب تعرض للإذلال على أيدي الضباط الأحرار وأجبر على البقاء قيد الإقامة الجبرية معزولا عن عائلته والعالم الخارجي، ولم يكن لديه سوى كلب يرعاه حتى وفاته في عام 1984.

كانت التغييرات في البنية الاجتماعية في مصر من بين بعض نتائج الإطاحة بالنظام الملكي، حيث أصبحت الثقافة الريفية أكثر بروزا في المراكز الحضرية، مما أدى إلى تغيرات في المواقف تجاه النساء والأقليات الدينية، وفقا لعالم الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق.

في أعقاب أحداث 23 يوليو، قام عبد الناصر بتأميم الشركات المملوكة في الغالب من قبل الطبقة الأرستقراطية والأجانب والجالية اليهودية في مصر.

كما غير عبد الناصر النظام الاجتماعي الإقطاعي، وأعاد توزيع الأراضي التي يملكها الأغنياء بين الطبقة الريفية.

وقال صادق للعربي الجديد "سيطر الريف وثقافته على الدولة، مقارنة بزمن الملكية عندما كان لدينا طبقة عليا".

الالتصاق بالقصر

منذ 23 يوليو 1952، لم يترك أي رئيس مصري منصبه طواعية أو بعد خسارته الانتخابات. فقد اغتيل القادة أو أطيح بهم.

على مدى السنوات ال 70 الماضية، كانت مصر إما تحت حكم ضباط عسكريين سابقين أو تحت سيطرة الجيش، باستثناء عامين. خلال حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا جرى الانقلاب عليه في 3 يوليو 2013 من قبل وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي.

وحل محل مرسي رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، الذي شغل منصب الرئيس المؤقت حتى استولى السيسي على السلطة، في مسرحية هزلية، بعد عام في يونيو 2014.

وقال المؤرخ المصري للعربي الجديد "لقد حكم الجيش البلاد دائما سواء أحببنا ذلك أم لا. أولئك الذين جاءوا بعد الضباط الأحرار لم يتخلوا أبدا عن القيادة طواعية".

وأضاف "يمكنك أن ترى هذا بوضوح مع الرؤساء اللاحقين الذين أداروا البلاد ، وتم تعديل الدستور للبعض للبقاء في السلطة كما هو الحال مع الراحل أنور السادات ، الذي اغتيل في عام 1981 ، تلاه سقوط حسني مبارك في عام 2011."

بدوره قال صادق ، إن "الخوف وفقدان المصالح جعلا المصريين يمتنعون عن تحدي الحكام، وينظرون إلى الحكم العسكري على أنه أمر لا مفر منه، خاصة وأن الأنظمة العسكرية المتعاقبة أضعفت أي مصلحة عامة في السياسة".

وأضاف صادق: "أصبح من المعتاد بالنسبة للعائلات إذا تم احتجاز أحدهم أن يدافعوا عنه [أو عنها] قائلين إننا عائلة محترمة لا علاقة لها بالسياسة".

وقال محلل سياسي، رفض الكشف عن اسمه من أجل سلامته، لصحيفة العربي الجديد "من أجل أن يتمكن السيسي من تأمين منصبه، يحافظ على علاقة ثابتة مع الجيش ويسيطر على القضاء بينما يحكم البلاد بقبضة من حديد".

وأضاف "يتمتع ضباط الجيش بعد السيسي بمزايا لم يحصلوا عليها بنفس الطريقة قبله، السيسي يحرص على الإمساك بالقادة لضمان ولائهم وتجنب أخطاء أسلافه، وتحديدا مبارك ومرسي، حتى يتمكن من البقاء في السلطة وعدم الثورة ضده".

وتابع:"علاوة على ذلك، يسيطر على وسائل الإعلام ولا يوجد مجال لحرية التعبير أو الديمقراطية، كما أنه يتجنب أخطاء مبارك ومرسي".

هذا الشهر، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، عين السيسي قاضيا عسكريا نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا.

وخلص المحلل إلى أنه "بهذه الطريقة يتأكد السيسي من أنه يسيطر أيضا على أعلى محكمة في مصر من خلال إبقاء قاض في الجيش في الداخل من المفترض أن يكون مخلصا له".

مع حكم السيسي الذي يمكن القول إنه أحد أكثر الفترات قمعًا في تاريخ مصر الحديث، يبدو أن طول عمر الحكم العسكري في مصر سيستمر.

 

https://english.alaraby.co.uk/analysis/egypts-1952-revolution-seven-decades-military-rule