بعد 9 سنوات.. لا زالت مذبحة رابعة عصية على النسيان

- ‎فيتقارير

يصادف هذا الأسبوع مرور تسع سنوات على مذبحة رابعة في أغسطس 2013، وهي حلقة غير مسبوقة من العنف الذي تقوده قوات الجيش ضد المتظاهرين المدنيين كجزء من استراتيجية الثورة المضادة التي يقودها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

ووقعت المذبحة، التي يشار إليها عادة باسم نهاية الربيع العربي، عندما هاجمت قوات الشرطة والجيش المتظاهرين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، وهاجمتهم بالعربات العسكرية المدرعة والذخيرة الحية والقناصة.

ثم أضرمت القوات العسكرية النار في مواقع الاحتجاج، ودمرت مسجد رابعة في هذه العملية، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 800 شخص قد استشهدوا، وانتهى المطاف بالعديد منهم في مشارح جماعية مؤقتة؛ بعض العائلات لم تعد الجثث لدفنها بشكل صحيح، واختفى العشرات ببساطة.

في عام 2018، وبعد محاكمة جماعية مدانة دوليا، حكم على 75 شخصا بالإعدام وأكثر من 600 شخص بأحكام سجن كبيرة.

يصف الكثيرون رابعة بأنها أسوأ عملية قتل جماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث، واليوم، بعد تسع سنوات، لا يزال المصريون يعيشون في ظل تلك الأحداث المروعة، التي عززت تثبيت نظام مضاد للثورة يتميز بتراجع مطرد في حقوق الإنسان، ودوريات مكثفة في الفضاء السياسي، ومحو المكاسب الاجتماعية والسياسية القليلة التي تحققت بعد انتفاضة عام 2011.

رابعة لم تحدث من فراغ ، وكان ذلك تتويجا لجهود الدولة العميقة المضادة للثورة، والتي كانت تلعب دورا منذ الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك وسط الاحتجاجات في أوائل عام 2011.

فتحت الإطاحة بنظام مبارك المجال السياسي في مصر بعد عقود من القمع، مما سمح بظهور جماعات معارضة سياسية كانت محظورة سابقا، مثل جماعة الإخوان المسلمين،  وفي نهاية المطاف وضعت مصر على مسار، وإن كان قصير الأجل، نحو التحول الديمقراطي.

تاريخ من القمع

كانت جماعة الإخوان المسلمين واحدة من الجهات الفاعلة السياسية الرئيسية التي احتلت مركز الصدارة بعد الإطاحة بمبارك، تأسست الجماعة في عام 1928 على يد مدرس المدرسة حسن البنا، وباستخدام شعار "الإسلام هو الحل" ودعت إلى أسلمة تدريجية للدولة، إلى جانب سرد قوي مناهض للاستعمار سرعان ما بنى قاعدة شعبية قوية.

تم حظر جماعة الإخوان المسلمين في عام 1948 ومنذ ذلك الحين كانت لها علاقة مضطربة مع الأنظمة اللاحقة، والتي تميزت بفترات قصيرة من التعاون ولكن بشكل كبير بسبب الاضطهاد.

وعلى الرغم من هذا القمع، تطورت جماعة الإخوان المسلمين على مر العقود لتصبح واحدة من أكثر حركات المعارضة السياسية تنظيما في مصر ولاعبا رئيسيا في المجتمع المدني.

وبالتالي، ليس من المستغرب أنه على الرغم من تردد قيادتها في البداية، كان لأعضاء الإخوان المسلمين والمنتسبين إليها دور أساسي في نجاح انتفاضة عام 2011. استفادت الحركة بشكل كبير من انفتاح المجال السياسي بعد الإطاحة بمبارك.

وفي أبريل 2011، أسست جماعة الإخوان المسلمين حزبها السياسي الخاص، حزب الحرية والعدالة، وفي العام التالي أصبح زعيم الحزب محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب بحرية في تاريخ مصر الحديث.

وفي حين أن هذا النصر كان معلما رئيسيا للإخوان، إلا أنه لم يكن موضع ترحيب من قبل المصريين ككل، ورفض كثيرون دعم جماعة الإخوان المسلمين، في حين فعل آخرون ذلك على مضض، بهدف تجنب انتخاب ممثل للدولة العميقة، مشيرين إلى أنفسهم باسم "عاصري الليمون" في إشارة إلى عادة إضافة عصير الليمون على الطعام عندما يكون على وشك الفساد.

الدولة العميقة تنقض على الثورة

وبعيدا عن الافتقار إلى الدعم الشعبي الساحق، كافحت جماعة الإخوان المسلمين أيضا مع انتقالها المفاجئ من الهامش إلى مركز السياسة المصرية، وفي حين تعلمت الحركة كيفية البقاء على قيد الحياة وحتى الازدهار في ظل القمع، إلا أنها افتقرت إلى الخبرة اللازمة لحكم بلد يمر بمرحلة انتقال ديمقراطي، كان حكم الإخوان قصيرا بشكل ملحوظ  ، فبعد عام واحد بالضبط من الانتخابات الرئاسية، اندلعت احتجاجات تحركها الثورة المضادة في جميع أنحاء البلاد مرة أخرى، وهذه المرة ألقت باللوم على الرئيس مرسي في الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور باطراد.

كانت هذه هي الفرصة التي كانت الدولة العميقة العسكرية تنتظرها في 3 يوليو 2013، دعم الجيش الاحتجاجات، وتم اعتقال مرسي في انقلاب عسكري قاده السيسي، الذي سيصبح رئيسا في العام التالي في مسرحية هزلية، كان هذا هو الدليل النهائي على أن نظاما سياسيا جديدا لم يظهر في أعقاب انتفاضة عام 2011، شكل الانقلاب بداية حملة مضادة للثورة أدت في نهاية المطاف إلى مذبحة رابعة.

بعد اعتقال الرئيس مرسي، تجمع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوها والمدنيون المؤيدون للديمقراطية في ميداني رابعة والنهضة، مع أكثر من 85 ألف متظاهر يطالبون بإعادة مرسي إلى منصبه والعودة إلى الحكم الديمقراطي، استمرت الاعتصامات لنحو ستة أسابيع، حتى المجزرة التي لا تزال تطارد المجتمع المصري حتى اليوم.

لقد بعثت مذبحة رابعة برسالة ساحقة، كان هذا العمل الشنيع أساسيا لاستقرار النظام المناهض للثورة، حيث أظهر أنه سيذهب إلى أي وسيلة ضرورية لاستعادة السلطة، ومحو الآمال الضعيفة في التغيير التي ظهرت بعد عام 2011، وبث أنه لن يتم التسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية.

الإفلات من العقاب

لم تكن تداعيات رابعة جذرية كما كان يمكن للمرء أن يتوقع، وعلى الرغم من الوحشية، أيد عدد من المصريين فض الاعتصامات، وفي حين أدان كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عمليات القتل، فقد واصلا العمل كالمعتاد مع نظام السيسي، وحتى يومنا هذا، لم يحاسب أحد على المذبحة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن رابعة غيرت المشهد الاجتماعي والسياسي في مصر بشكل كبير، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن المذبحة كانت هجوما متعمدا مساويا أو أسوأ من هجوم ميدان تيانانمين الصيني في عام 1989.

كما أعطى إفلات مرتكبيها من العقاب السيسي ضوءا أخضر لقمع المعارضة السياسية، مما أدى إلى أسوأ أزمة لحقوق الإنسان في تاريخ مصر الحديث، ومع تراكم الدولة لسلطات استثنائية، تم تمرير قوانين للحد من حرية التعبير والاحتجاجات وتكوين الجمعيات السياسية، في حين فرض النظام رقابة مشددة على وسائل الإعلام المعارضة.

واعتقل ما يقدر بنحو 60 ألف مصري لأسباب سياسية منذ رابعة واحتجز العديد منهم إلى أجل غير مسمى دون محاكمة، ولم تعد مذبحة رابعة الدولة العميقة فحسب، بل محت أي آمال في التغيير بعد عام 2011.

ويعيش الإخوان المسلمون في المنفى القسري بينما تحاول الحركة إعادة تجميع صفوفها وإيجاد اتجاه جديد، وفي حين أن القمع وعدم الشرعية ليس بالأمر الجديد على جماعة الإخوان المسلمين، فإن أحد أكبر تحدياتها الآن هو الحاجة إلى إعادة بناء قاعدة شعبية في الداخل وإقناع المصريين بأنها يمكن أن تكون قوة سياسية معتدلة وشاملة.

وفي الوقت نفسه، تكافح جماعات المعارضة المدنية والليبرالية في مصر لإيجاد مساحة في ظل نظام قمعي متزايد، على أمل إحياء العملية الانتقالية التي توقفت بوحشية بسبب الدماء التي سفكت في رابعة.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-rabaa-massacre-shadow-live