الإخوان والمنقلب . تسوية مقبولة أم صك إذعان واستسلام؟ا

- ‎فيتقارير

في حواره مع صحيفة "عربي 21" الإلكترونية بتاريخ 17 أغسطس 2022م، تحدث الدكتور عمرو هاشم ربيع، عضو "مجلس أمناء الحوار الوطني"، ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (الحكومي)، عن ملف المصالحة بين النظام العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية والشعبية في مصر والعالم، و الجماعة هي الكيان الوحيد الذي وصل إلى السلطة في مصر بإرادة الشعب الحرة في الانتخابات الوحيدة النزيهة والديمقراطية في تاريخ البلاد، ثم انقلب عليها الجيش ومؤسسات الدولة العميقة المتمردة بدعم إقليمي خليجي إسرائيلي، ودعم دولي من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. فتم تدمير جميع المؤسسات المنتخبة بإرادة الشعب الحرة في مخطط شيطاني إجرامي مدعوم من القوى العلمانية بالداخل والتي مثلت غطاء مدنيا لأكبر جريمة في حق مصر في العصر الحديث والمعاصر، حتى تبقى مصر محكومة بقوى الاستبداد والطغيان وكأنه مفروض عليها ألا تنعم بالحرية والديمقراطية مثل باقي شعوب الأرض.

على كل حال احتوى حوار ربيع على المضامين الآتية:

  • في البداية أقر ربيع بوجود وساطات وتدخلات خليجية وتركية منذ نحو شهرين لمحاولة إنهاء الأزمة، لكن أبعاد وأشكال ونتائج هذه التدخلات والوساطات الخارجية لم تتضح بشكل جلي حتى الآن.
  • ورهن ربيع نجاح هذه الوساطات بتحوّل الإخوان لجماعة دعوية، وإقرارها بالدستور الحالي، ونبذ العنف، واعترافها بأحداث 30 حزيران/ يونيو 2013م.ويرى ربيع أن هذه روشتة جيدة لعودة الإخوان من جديد للمشهد!.
  • في حال تنازلت الجماعة واعترفت بالنظام سيُقدم النظام على اتخاذ بعض التنازلات المُماثلة لصالح الجماعة، "لأن السياسة هي فن المفاوضة والمساومة، ولا يوجد شيء بلا مقابل على حد وصفه، مؤكدا أنه حينها سيتم الإفراج عن قادة الإخوان المحبوسين داخل السجون. وهو إقرار بأن المعتقلين من قادة الجماعة هم مجرد أسرى لمساومة الجماعة وابتزازها يستخدمهم النظام كورقة ضغط على الجماعة، والأمر لا علاقة له بالقضايا والمحاكمات فكل هذا  فبركة وتلفيق لأهداف سياسية لا قانونية.
  • في ذات الوقت يقر ربيع بوجود خلافات داخل مؤسسات وأجهزة الدولة بشأن مثل هذه المصالحة جازما أن الجيش، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، مع الإفراج عن كل المحبوسين من السجناء، لكن الأمن الوطني يتوجس من هذه الخطوة.

 

تباين المنطلقات

يبقى تباين المنطلقات أحد أهم العقبات في طريق مثل هذه المصالحة المزعومة؛ فهناك تباين شاسع بين تصورات السيسي ونظامه للمشكلة ورؤية الإخوان لها؛ فالسيسي وأجهزته ينظرون إلى الأمر بوصفه أزمة فصيل أو جماعة،  أما الإخوان فينظرون إلى الموضوع بوصفه أزمة وطن وحريات. وبدعوة السيسي إلى «حوار وطني» يكون ذلك في حد ذاته إقرارا غير مباشر بأن الوطن يعاني والنظام أيضا يعاني؛ ويستهدف النظام بالحوار محاولة الخروج من المأزق الكبير الذي يحاصره والورطة التي سقط فيها لا سيما في الملف الاقتصادي ولجوئه إلى بيع أصول الدولة من أجل تسير أعمال الدولة.

من جهة أخرى فإن هاشم ربيع يتبنى رواية السلطة؛ فهو لا يتمتع بأي سلطات أو صلاحيات تخوله بإصدار تصريحات حول هذا الملف الشائك، لكنه ينقل وجهة نظر السلطة كما سمعها من قيادات بالجيش والمخابرات بنوعيها العامة والحربية، كما أنه كان أمينا في نقل موقف الأمن الوطني بوصفه الجهاز الذي يتحفظ على أي مصالحة بل يعرقل الإفراج عن معتقل رأي واحد على حد وصفه. وهو أمر معروف. ويبقى التساؤل المهم: إذا كان السيسي قد أغلق الباب فعليا بتصريحاته في ذكرى الانقلاب التاسعة مساء الأحد 3 يوليو 2022م، التي أكد فيها أن «الحوار الوطني الأول بعهده لـ"للجميع" باستثناء "فصيل واحد»، قال إنه دعاه في 3 يوليو/ تموز 2013 لإجراء انتخابات رئاسية دون استجابة؛  فلماذا يفتح هاشم ربيع الملف من جديد؟ ولماذا لم يلتزم بتوجهات السيسي بغلق هذا الملف؟  ذلك أن تصريحات السيسي الأخيرة باستثناء الجماعة من حواره المزعوم لم يأت من فراغ؛ بل جاء بعدما فوض قيادات الجماعة بالخارج قيادات الداخل بالسجون في هذا الأمر؛ وردت الجماعة على النظام بأن فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع ونائبه المهندس خيرت الشاطر ولفيف من قادة الجماعة لديكم في السجون فتفاوضوا معهم؛ ويبدو أن قادة الجماعة رفضوا هذه الصفقة المعروضة واعتبروها إهدارا لدماء الشهداء وتضحيات الملايين لا سيما وأنهم دفعوا بالفعل أثمانا باهظة خلال سنوات ما بعد الانقلاب؛  فما الذي يدفعهم إلى الاعتراف بشرعية نظام اغتصب الحكم بأداة غير دستورية وغير ديمقراطية وهي العنف والبلطجة والانقلاب العسكري ثم قتل الآلاف منهم وزج بعشرات الآلاف في السجون ظلما وعدوانا؟!

إقرار الجماعة بشرعية السيسي في هذا التوقيت وبعد كل هذه التضحيات قد يمثل طوق نجاة للنظام الذي يتداعى بالفعل؛ علاوة على ذلك فإن السيسي يبدي على الدوام رفضه أي مصالحة مع الجماعة؛ وله مئات التصريحات التي تؤكد ذلك؛ فما الذي دفعه إلى التراجع  منذ أواخر سنة 2021؛ ففي  سبتمبر 2021م، خلال كلمته في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان،  قال السيسي «إنه ليس مختلفا مع الفكر الذي يتم صبغ المجتمع به منذ 90 عاما، لكن بشرط أن يحترم مساري، ولا يتقاطع معي، ولا يستهدفني»، في إشارة إلى جماعة الإخوان التي لم يسمّها. وهي التصريحات التي تطرح صفقة (القبول بالجماعة مقابل الاعتراف بالنظام)، وطرح السيسي ثلاثة شروط لذلك، وهي التسليم بسلطته وشرعيته، وألا يقفوا في طريقه أو ينازعوه الحكم، ولا ينتقدوه". وهي ذات الشروط التي تحدث عنها هاشم ربيع.

وبقراءة مضامين وتوجهات هذه التصريحات،

  • فهي أولا، كلام عام فضفاض تحدث فيه عن مطالبه لكنه لم يتبعه بتصور كامل متماسك يتضمن خطوات عملية ملموسة حول ملفات المعتقلين والدماء التي أراقها في رابعة والنهضة وغيرها.
  • ثانيا، هذه التصريحات تنظر إلى الملف بوصفه أزمة فصيل وليس أزمة وطن على عكس رؤية الجماعة التي ترى الأمر على أنه أزمة وطن وحريات وليس أزمة فصيل.
  • ثالثا، السيسي بهذه التصريحات يفرض على الجماعة التسليم بسلطته وشرعيته رغم أنه اغتصب الحكم بانقلاب عسكري دموي. وهو أمر ليس هينا لأنه يتعلق أولا بحكم الشرع في ذلك، وثانيا بتحليل مآلات هذا القرار سياسيا واجتماعيا على البلاد والجماعة والفكر الإسلامي عموما بشأن ما يتعلق بأحكام ولاية «الإمام المتغلب» ومدى توافقها مع نصوص الشرع من عدمه؛ خصوصا وأن مثل هذا الاعتراف من الجماعة قد يعني إقرار بشرعة مغتصب الحكم بالبلطجة وقوة السلاح ضد ولي الأمر الشرعي المنتخب من الشعب.
  • من جهة رابعة فإن السيسي بهذه التصريحات ينظر إلى مصر باعتبارها ملكية عسكرية للجيش وله خاصة؛ لذلك يشترط عدم منازعته في الحكم بمعنى التسليم به حاكما أبديا دون حتى المشاركة في أي انتخابات تنافسية مقبلة، كما ينظر إلى أفراد الجماعة وهم بالملايين باعتبارهم مواطنين درجة ثانية، فلا يحق لهم  حتى انتقاده ومعارضته حتى وإن أساء  استخدام السلطة وأفسد في البلاد وهدد أمنها القومي على النحو القائم بالفعل؛ بما ينسف أي معنى لمفهوم الدولة.
  • خامسا، تصريحات السيسي وحتى تصريحات هاشم ربيع تتجاهل الدماء التي أريقت والمذابح التي ارتكبها والجرائم التي وقعت من جانب أجهزته الأمنية على مدار السنوات الماضية؛ فهو حريص على تسوية تضمن التسليم بشرعيته دون قيد أو شرط،  وتضمن كذلك إفلات القتلة والمتورطين في الدماء من أي محاكمة عادلة  في إطار مصالحة أو تسوية رغم أنها أحد بنود بيان الانقلاب وتم النص عليها في دستور 2014م؛ ورغم أن غياب القصاص للدماء التي أريقت خلال السنوات الماضية؛ تمثل أكبر عائق أمام أي مصالحة.
  • سادسا، على المستوى السياسي،  إذا قبلت الجماعة بمثل هذه التسوية؛ فلماذا لم تقبل بها في بداية الأزمة وتتجنب كل هذه الدماء والمظالم؟ ألا يمثل ذلك اعترافاً ضمنياً بأن الدماء التي سالت على مر السنوات الماضية وآلاف المعتقلين والمطاردين في سبيل إسقاط منظومة الانقلاب المستبدة، لم يكن لها قيمة حيث عادت الجماعة إلى ما كان يمكن أن تقبل به مع اعلان الانقلاب في الثالث من يوليو، مما يجعل مسألة مجرد قبول الإخوان فكرة التصالح مع النظام في ظل وجود السيسي، تهديداً للجماعة كتنظيم ومصداقية وحاضنة شعبية.  من جانب آخر، هل هناك ضمانات تجبر السيسي ونظامه وأجهزته على الوفاء بهذه التسوية؟ وهل يمكن الوثوق في السيسي وقد جربنا غدره وخيانته آلاف المرات؟  وبالتالي ستفتح قيادة الجماعة على نفسها أبواب الجحيم إذا أقرت بشرعية السيسي.  الأمر على هذا النحو يحمل في طياته مخاطر بالجملة ويضع مستقبل الجماعة في مهب الريح ويمكن أن تتسبب التسوية على هذا النحو في تعميق الأزمة الداخلية للإخوان وفقدان الجماعة لقطاع عريض من أفرادها ومؤيديها ومحبيها. لكن الأكثر خطورة في مثل هذه التسوية إذا تمت هو القبول بالطغيان و التطبيع مع الاستبداد والتعايش مع الدكتاتورية؛ لتبقى مصر ترزح تحت سلطة عسكرية شمولية لعقود طويلة  قادمة.

الخلاصة أن السيسي وزبانيته يشترطون التسليم بسلطته وشرعيته أولا وقبل أي شيء، بينما تشترط الجماعة الإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين كشرط مسبق للقبول بمبدأ الحوار وليس التسليم بشرعية النظام؛ وهذا مربط الفرس؛ ولذلك ستبقى العربة أمام الحصان ولن تتزحزح إلا إذا غاب السيسي عن المشهد. وما  ذلك على الله بعزيز.