«واأقصاه..».. ما الذي تمناه العلامة يوسف القرضاوي قبل موته؟

- ‎فيتقارير

 

بينما يخشى الظالمون وأعوانهم أن يُغيّبهم الموت ويتناول الناس سيرتهم بما لا يحمدون عليه، على الجانب الآخر ينتقل أهل الله وخاصته إلى جوار ربهم وسط تشييع جارف من الثناء والذكر العطر وكأنما بكت عليهم السماء والأرض، وآخرهم سماحة الإمام يوسف القرضاوي الذي وهب حياته مبينا لأحكام الإسلام، ومدافعا عن أمته.

وقبل أن يغيّبه الموت يوم الإثنين 26/ 9/ 2022 تمنى العلامة القرضاوي أمنية ، ظل يترقبها طوال حياته، يقول رحمه الله "أتمنى لو كنت أستطيع الذهاب إلى هناك، أو يحملوني على كرسي متحرك لأشارك في الجهاد ثم تأتيني طلقة تفصل هذا الرأس عن هذا الجسد ليكون ذلك في سبيل الله".

 

في جوار الصحابة

في الحديث الشريف، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) وهكذا كان القرضاوي أحد أعلام الإسلام البارزين في العصر الحاضر في العلم والفكر والدعوة والجهاد، في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه، ولا يوجد مسلم معاصر إلا التقى به قارئا لكتاب أو رسالة أو مقالة أو فتوى أو مستمعا إلى محاضرة أو خطبة أو درس أو حديث أو جواب، في جامع أو جامعة أو ناد أو إذاعة أو تلفاز أو شريط أو غير ذلك، ولا يقتصر نشاطه في خدمة الإسلام على جانب واحد أو مجال معين أو لون خاص ، بل اتسع نشاطه وتنوعت جوانبه وتعددت مجالاته وترك في كل منها بصمات واضحة تدل عليه، وتشير إليه.

وقال عبد الرحمن القرضاوي نجل الداعية الإسلامي الراحل إن "جنازته ستشيع عصر الثلاثاء وسيدفن في العاصمة القطرية الدوحة، وأوضح أن والده كان قد أوصى بدفنه في المدينة التي يوافيه أجله فيها، وأضاف أن أسرة الراحل كلها في الدوحة ولا تستطيع العودة لمصر في الوقت الحالي، لأسباب أمنية وسياسية".

ولد القرضاوي -عليه رحمه الله- في قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتا بمصر، وهو عبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي، كما نص الحافظ بن حجر وغيره، وكان مولده فيها في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.

تخرج من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1953 قبل أن يواصل تعليمه في الدراسات العليا في الجامعة ويحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراة.

عمل القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفا على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر، ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.

 

جهاد حتى الممات

وفي ستينات القرن الماضي أعير إلى دولة قطر، التي عاش فيها وحمل جنسيتها، حيث عمل عميدا لمعهدها الديني الثانوي، ثم أسس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة قطر وترأسه، وأصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية في الجامعة نفسها.

وقد انشغل القرضاوي بالكتابة والتأليف إلى جانب عمله الدعوي، فألف عشرات الكتب التي تتناول جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية، والتي يصنفها مفكرون بأنها محاولات حثيثة لتجديد الخطاب الديني.

وأثار القرضاوي في حياته الكثير من الجدل بسبب مواقفه الداعمة للحق والكرامة والعدالة، ولذلك أيد ثورات الربيع التي شهدتها المنطقة العربية ضد أنظمة الديكتاتورية العسكرية، وبينما رأت فيه شعوب العالم الإسلامي مناصرا لقضايا التحرر، اعتبرته الديكتاتوريات العربية مؤيدا للارهاب والتطرف.

وكان القرضاوي قد أدان هجمات 11 سبتمبر وتفجيرات بالي، وانتقد تحطيم حركة طالبان تماثيل بوذا في أفغانستان، كما ندد بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وأفتى بوجوب مقاومة جنود الاحتلال الأمريكي.

وأفتى بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال الصهيوني، وهي الفتوى التي انتقدتها سلطة رام الله والكيان الصهيوني معا، ومُنع القرضاوي من دخول الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب تأييده للعمليات الاستشهادية التي تستهدف جنود الاحتلال الصهيوني، والتي يصفها الإعلام العربي المتصهين "عمليات انتحارية".

وكان القرضاوي بعيد النظر إذ دعا الثوار إلى التخلص من معمر القذافي خلال الثورة التي اندلعت ضده عام 2011 ، إذ كان كثيرون ينادون بالقبض عليه ومحاكمته مثل المخلوع مبارك الذي نال البراءة هو وأركان عصابته التي قتلت وأعدمت آلاف المصريين، وسلمت السلطة للمجلس العسكري الذي قام بالانقلاب في 30 يونيو 2013 .

وتعرض القرضاوي للسجن في مصر أكثر من مرة بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها عصابة العسكر التي تحكم مصر منذ انقلاب 1952 بأنها جماعة محظورة.

وعاد إلى مصر لبعض الوقت عام 2011، وكان أحد أبرز وجوه الثورة في يناير عام 2011، التي أطاحت بحكم المخلوع مبارك، وألقى العديد من خطب أيام الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة في تلك الفترة.

وتتهم عصابة الانقلاب العسكري العلامة الراحل القرضاوي بأنه الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2013 بعدما غدر السفاح السيسي عندما كان قائدا للجيش في يوليو من ذلك العام، بالرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي.

 

حكم بالإعدام

وفي 2015، أكدت محكمة جنايات القاهرة – إحدى أذرع الانقلاب- حكم الإعدام بحق الرئيس الشهيد مرسي في القضية المزعومة المعروفة إعلاميا باسم "اقتحام السجون" وقضت المحكمة غيابيا بإعدام أكثر من 90 بينهم العلامة الراحل القرضاوي.

وفي العام ذاته، أحال قضاء العسكر 38 بريئا، بينهم القرضاوي، إلى محكمة عسكرية، بزعم إنشاء خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة، وحوكم العلامة القرضاوي غيابيا، وأصدر الإنتربول مذكرة توقيف بحقه عام 2014 بطلب من عصابة الانقلاب في مصر، قبل أن تلغى المذكرة بعدها بـ 4 أعوام.

وتقلد القرضاوي عدة مناصب دينية كان أبرزها رئاسة "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي شارك في تأسيسه عام 2004 وقد وضعته العصابة الحاكمة في السعودية ودول خليجية وعربية أخرى على لائحة تضم شخصيات زعمت بأنها "إرهابية".

وكان وجوده في قطر أحد أسباب مقاطعة عصابات السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة لعدة سنوات، وأصدر يوسف القرضاوي فتاوى كثيرة تشمل مختلف مناحي الحياة، وكان بعضها ضد إرادة الطغاة العرب وحلفائهم الصهاينة، وقد كان ضيفا دائما على البرامج الدينية بقناة الجزيرة القطرية.