لماذا وضعت وفاة العلامة القرضاوي مشيخة الأزهر في ورطة؟

- ‎فيتقارير

وضعت وفاة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الإثنين 26 سبتمبر 2022م، مشيخة الأزهر وهيئة كبار علمائه في ورطة كبرى وموقف بالغ الحرج؛ كيف ولماذا؟

ففي 9 سبتمبر الماضي 2022 عندما رحلت الملكة البريطانية إليزابيث الثانية، كتب الدكتور أحمد الطيب شيخ ، تدوينة على حسابه الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي نعيا وعزاء قال فيها "أتقدم بخالص العزاء إلى الملك تشارلز والعائلة الملكية وشعب المملكة المتحدة في وفاة الملكة إليزابيث الثانية، تلك الشخصية المؤثرة التي قضت حياتها في خدمة بلادها واجتهدت في الارتقاء بشعبها".

أما مع وفاة العلامة القرضاوي؛ فقد صمت الأزهر شيخا ومشيخة وهيئة كبار علماء على الأقل حتى كتابة هذه السطور، فملكة بريطانيا التي كانت في يوم من الأيام  تحتل بلادنا  ولأكثر من سبعين سنة، ورغم أن الإنجليز ارتكبوا آلاف الجرائم في حق بلادنا وقتلوا المئات واغتصبوا حق بلادنا في السيادة والحياة؛  تقدم الطيب لأسرتها وبلادها بالعزاء ، أما العلامة القرضاوي فلا؛ فقد وقف الأزهر شيخا ومشيخة وهيئة كبار علمائه كالصم البكم الذين لا يعقلون.

ألم يكن العلامة القرضاوي ابن الأزهر الشريف؟ قالوا ، بلى ، ألم يكن عضوا بهيئة كبار علمائها؟  قالوا ، بلى  ، ألم يكن الأكثر إنتاجا في تأليف الكتب في شتى فروع الفقه والعلوم الشرعية؟ قالوا، بلى، أليست بعض كتبه أصبحت مراجع علمية كبرى في فروعها كفقه الزكاة وفقه الجهاد وغيرها؟ قالوا، بلى،  إذا  لماذا يا شيخ الأزهر تكتب عزاء في وفاة ملكة بريطانيا  وتضن بمثل هذا العزاء لفقيه الأمة وأكبر علمائها في العصر الحديث والمعاصر؟

أهو الجحود والنكران؟  أم الحقد والحسد؟ أم الخوف من إغضاب السلطة العسكرية لأن القرضاوي صدع بالحق ورفض انقلابها على الإمام الشرعي المنتخب بإرادة الشعب الحرة في يوليو 2013م؟ أم الإحراج لأن القرضاوي عرى موقف  مشيخة الأزهر من الانقلاب وتأييدها  للتمرد على الإمام الشرعي المنتخب؟ أم لكل هذه الأسباب؟

التسريبات التي تخرج من مشيخة الأزهر تؤكد أن الطيب يميل إلى عدم التعاطي مع خبر وفاة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ تجنبا لاستفزاز النظام الحاكم، لا سيما وأن الأخير يعتبر الفقيد الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين. والاتجاه السائد داخل المشيخة  هو عدم تناول وفاة القرضاوي في أي بيانات رسمية سواء صادرة عن المشيخة نفسها، أو عن الطيب نفسه، لا سلبا ولا إيجابا، لأن التعاطي السلبي سيصب على الطيب وهيئة كبار العلماء لعنات الشعوب الإسلامية، والتعاطي الإيجابي سيعرض الطيب وكبار العلماء لغضب السيسي وسلطته العسكرية.

علاوة على ذلك، فليس في القرضاوي ما يشينه من الناحية العلمية والأخلاقية والإنسانية؛ فهو علامة قل له نظير، وهو علم من أعلام الدعوة إلى الله، فهل كان في حياة الرجل ما يشينه؟  لو كان هناك شيء لانتهزوا الفرصة ولم يتركوها، فلا يعيب القرضاوي عند أنصار نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وأجهزته سوى أنه كان يصدع بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم، أنكر انقلابهم العسكري وأيد الرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة، ودعم الصادعين بالحق الرافضين للانقلاب العسكري، وانتقد موقف الأزهر شيخا ومشيخة وهيئة كبار علما؛ واستقال من هيئة كبار العلماء احتجاجا على مشاركة الطيب في مشهد الانقلاب؛ وقال القرضاوي في بيان الاستقالة "فجعنا وفجع الشعب المصري بمشاركة شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب" منتقدا عدم دعوة شيخ الأزهر لاجتماع لهيئة كبار العلماء "لترى رأيها في الأحداث الجسام التي تمر بها مصر  ، انتظرنا شيخ الأزهر أن يرجع إلى الحق، وأن يعلن براءته من هذا النظام التعسفي، ولكن يبدو أن الرجل يفضل الجلوس بين لواءات المشيخة على الجلوس إلى إخوانه العلماء" وأشار القرضاوي في بيان استقالته إلى أن منصب شيخ الأزهر والمناصب القريبة منه الآن تعد مغتصبة بقوة السلاح، لحساب الانقلاب العسكري المغتصب المشؤوم، على حد تعبير البيان، داعيا كل الأحرار المخلصين من العلماء وأبناء الأزهر إلى أن يعلنوا رفضهم لما يجري في مصر بكل شجاعة، وأن يستقيلوا من هذه الهيئة التي ماتت وأمست جثة هامدة.

موقف الأزهر وشيخه من العلامة القرضاوي هو موقف سياسي بامتياز؛ فلو كان القرضاوي مرضيا عنه من جانب السلطة لنعاه الأزهر جامعا وجامعة ومشيخة وهيئة كبار علماء؛ ولكن لأن القرضاوي انحاز إلى رضا الله على حساب رضا السلطة العسكرية فقد بات في خصومة مع الطغاة الظالمين؛ فقد أمر نائبهم العام بوضع القرضاوي على قوائم ترقب الوصول بتهم ملفقة، وفي نوفمبر2017، أدرجت السعودية والإمارات والبحرين ومصر "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يترأسه القرضاوي، و"المجلس الإسلامي العالمي" إلى جانب 11 فردا في "قوائم الإرهاب" وذلك ضمن ما وصفته بـ"الالتزام بمحاربة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله، ومكافحة الفكر المتطرف، وأدوات نشره وترويجه" وفي 30 يونيو 2017 اعتقلت السلطات المصرية علا القرضاوي، وزوجها حسام خلف، بتهمة "الانتماء لجماعة أُسست مخالفة للقانون، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الأمن ومؤسسات الدولة وتمويل تلك الجماعة" وفي يوليو 2019، قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيل علا القرضاوي بتدابير احترازية، وبعدها بساعات قررت النيابة حبسها في قضية جديدة، وفي نهاية ديسمبر 2021م تم الإفراج عن علا القرضاوي، ولكن زوجها حسام خلف لا يزال يقبع في السجن بتهم كيدية ملفقة.

خلاصة الأمر؛ فإن الأزهر شيخا ومشيخة وهيئة كبار علماء يجدون أنفسهم في ورطة؛ فالقرضاوي فقيه كبير ومؤلفاته تشهد بذلك، فلو نعوا الرجل بما يستحق فإن ذلك قد يستفز سلطة العسكر من جهة، وقد يحسب عليهم (الأزهر والمشيخة) من جهة أخرى؛ لأن الرجل استقام على الحق وانحاز له بينما انحاز شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء إلى البغاة المتمردين على الإمام الشرعي المنتخب، انحاز القرضاوي للناس، وانحازوا هم للسلطة، انحاز القرضاوي للعدل، وانحاز الطيب وهيئة كبار العلماء للظلم والطغيان، أيد القرضاوي  وجوب طاعة الإمام الشرعي طاعة لله ورسوله ونصوص القرآن والسنة، وشارك الطيب وهيئة كبار العلماء في مؤامرة الانقلاب التي دمرت مصر ومكنت لسلطة عسكرية مستبدة تحتل مصر بالوكالة لحساب جهات ودول أجنبية معادية.  

لذلك رحل القرضاوي علما وفقيها وداعية إلى الله تودعه ملايين الدعوات الصادقة من المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، وبقي شيخ الأزهر وهيئة كبار علمائه في ورطتهم يتلاومون.