أصبر معي قليلا وسترى أن كلامي معقول جدا ، انطلق قبل قليل المؤتمر الاقتصادي الذي دعت إليه الحكومة ، ويشارك فيه بالدرجة الأولى خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال ، وجاء في وقت يعاني فيه الاقتصاد بشدة من عدة مصائب أهمها صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار لمختلف السلع الأساسية وضروريات الحياة ، وهذه المصيبة لا يشعر بوطئتها الفقراء فقط ، بل امتدت إلى الطبقة الوسطى ووصلت حتى إلى شرائح من الأثرياء.
ومصيبة الديون وسداد القروض مصيبة أخرى ، والانخفاض المستمر للجنيه في مواجهة الدولار بلوى ثالثة ، وكلها بلاوي مترابطة لا تنفك إحداها عن الأخرى ، ولوحظ أنه في هذا التوقيت بالذات ترى دول الخليج والسعودية باستثمارات هائلة للسيطرة على العديد من المرافق الأساسية في مصر في محاولة من الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية ، فالنظام الذي يحكمنا عايز الفلوس بأي طريقة ولو ببيع الشركات الناجحة ، ولا أعترض أبدا على استثمارات أشقائنا العرب ، لكن يؤلمني جدا كمواطن مصري أن يضعوا أيديهم على مرافق شيدها أبناء بلدي وتعمل بكفاءة ، ورأينا ذلك في القطاع الصحي حيث تم بيع عدة مستشفيات ناجحة للإمارات ، والسعودية أيضا منافس قوي في الاستيلاء على صروح مصرية ناجحة.
ودولة قطر التي كان النظام المصري في خلاف شديد معها نجحت مؤخرا في الاستيلاء على نسبة محترمة جدا من شركة فودافون للاتصالات وهي من كبرى الشركات في هذا المجال .
وفي يقيني أن السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلادي الخلل الفادح في ترتيب الأولويات ، وقد وضعها السيسي بإرادته المنفردة ، وأسألك هل العاصمة الإدارية من الأولويات ، وقد تكلفت مبالغ باهظة وفيها مظهرية وفشخرة غير موجودة حتى في الدول المتحضرة ، مثل أطول برج ، وأكبر "مش عارف إيه" وأضخم كذا وكذا ، وحتى البرلمان الجديد أكبر من الكونجرس.
ويكفي أن تعلم أن دور العبادة الضخمة هناك من مساجد وكنائس زادت تكلفتها على ألف مليون جنيه ، وحدث ولا حرج عن الأوبرا الجديدة الفخمة والمدينة الرياضية ، ويقال أن هناك مدينة ترفيهية في الطريق .
وكذلك المصيبة الاقتصادية الأخرى التي اسمها العلمين الجديدة ، وقد تكلفت مبالغ هائلة وفيها قصر جمهوري ومقر للحكومة ينتقلون إليها لقضاء الصيف هناك ، وكأننا عدنا إلى عصر الحكم الملكي عندما كان الملك وحكومته ينتقلون إلى الإسكندرية في فصل الصيف الممتد لثلاثة أشهر.
وبالمناسبة أصدر السيسي بإرادته المنفردة قرارا بهدم شاطئ المنتزه أجمل شواطئ الإسكندرية الذي قضى فيه جيلي أحلى أيامه هناك ، وهذا الأمر بالتأكيد ليس من الأولويات ، وهذه الأموال الهائلة لو كان قد تم صرفها على المرافق الأساسية والصحة والتعليم وإصلاح الاقتصاد والحد من الغلاء وتوفير الاحتياجات الضرورية للغالبية الساحقة لشعر الناس في بلدنا بالفارق ، ولما وصلت بلادنا إلى الأزمة الاقتصادية التي تشكو منها حاليا ، وبالتأكيد لن يناقش المؤتمر الاقتصادي الذي انطلقت أعماله الحد من الإسراف وترتيب الأولويات لأنها من أفكار الرئيس وحده ، وعجائب .