الجوع يطارد المصريين بعد أزمة المطاحن وتكدس القمح بالموانئ وارتفاعات الدولار

- ‎فيتقارير

كل يوم تنفجر في مصر أزمة جديدة وسط صمت نظام الانقلاب الذي يكتفي بأذرعه الإعلامية لتقليل حجم الأزمات وتضخيم الإنجازات أمام الشعب المصري ، فمن أزمات غياب السكر والأرز عن المتاجر إلى ارتفاعات أسعار جميع السلع الغذائية وعلى رأسها البيض والدواجن، وصولا لأزمات رفض التوكيلات التجارية تسليم السيارات الجديدة لحاجزيها، نتيجة أزمة الدولار، وحتى غياب الأدوية ومستلزمات الإنتاج، ومن ثم تشريد العاملين  وتأزم الأوضاع المعيشية للمواطنين، واليوم، تثور أزمة جديدة تهدد المصريين في أهم ما يسد جوعهم وهو رغيف الخبز.

 

انهيار الشركات الصغيرة 

حيث كشفت تقارير  اقتصادية، عن تمكن شركات القمح الكبرى في مصر من الصمود أمام نقص العملة الأجنبية، لكن الشركات الصغيرة الممثلة في المطاحن الخاصة معرضة للانهيار؛ لعدم قدرتها على توفير الالتزامات المالية لجلب الشحنات، رغم بدء السلطات الإفراج عن مخزونات القمح المحتجزة في الموانئ، وإن بكميات قليلة في كل مرة.

موقع Africa Intelligence  الفرنسي قال مؤخرا إن "الموانئ المصرية لا تزال فيها كمية كبيرة من القمح  تبلغ ما بين 600 ألف و650 ألف طن عالقة هناك".

واضطرت معظم مطاحن الدقيق الخاصة في مصر، خلال الأشهر الستة الماضية، إلى إغلاق أبوابها، وتفاقم الأزمة حتى أوشكت المطاحن الصغيرة على الانهيار.

كانت الأزمة قد بدأت بقرار اتخذه البنك المركزي لمواجهة نقص العملة الأجنبية في البلاد، فقد توقف البنك المركزي عمليا عن إصدار خطابات الاعتماد التي يحتاج إليها أصحاب المطاحن الخاصة لدفع أموال مورديهم الدوليين بالدولار.

سعى البنك المركزي إلى تيسير هذه السياسات، فأصدر بعد يوم من إعلان صندوق النقد الدولي عن قرض بقيمة 3 مليارات دولار للحكومة في 27 أكتوبر قرارا برفع سقف إعفاء المستوردين من الحصول على خطابات الاعتماد من 5 آلاف دولار إلى 500 ألف دولار.

ومع ذلك، بقيت الأمور دون تغيير عملي لشركات المطاحن الخاصة التي تعاني ضائقة مالية، إذ لا تزال هذه الشركات في حاجة إلى مزيد من الأدوات المالية لجلب الشحنات، حتى إن 70% منها لم يستأنف إنتاج الدقيق والمكرونة حتى الآن.

ولا يُرجح أن يتم الإفراج عن مزيد من القمح المحتجز في الموانئ إلا بعد الموافقة النهائية على منح قرض صندوق النقد الدولي التي تتحدد يوم 16 ديسمبر الجاري.

ومع أزمة شح الدولار، باتت معظم الشركات الخاصة المصرية غير قادرة على العودة لإنتاجها الطبيعي، حيث خفضت الإنتاج إلى نحو الثلثين.

وضمن سياسات الاستحواذ الأجنبي على الأصول الاقتصادية والإنتاجية المصرية، كانت مجموعة "الهزاع" العراقية للمطاحن، قد استحوذت على شركة مطاحن "الطحانين المصريين" في أغسطس 2021، وتمكنت من تصدير إنتاجها إلى السودان وتزويد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بالإمدادات قبل الأزمة، أما الآن فقط اضطرت الشركة إلى توجيه تركيزها إلى السوق المصرية.

ويبقى المستقبل غامضا لدى عشرات المصانع التي لا يزال العمل فيها خاملا منذ أن بدأت الأزمة، وقد عرضت الهيئة العامة للسلع التموينية، وهي الهيئة المكلفة بتوريد القمح لقطاع الخبز المدعوم من الدولة، في 15 أكتوبر مساعدة هذه الشركات من خلال بيع حصة من مخزونها لها، ومع ذلك فإن ما ورد بعد ذلك في واقع الأمر أن الهيئة سلمت بالكاد 8 مطاحن من بين نحو 80 مطحنا طلبت المساعدة، وقد يؤدي هذا الانقطاع الطويل إلى اختفاء بعض المطاحن الصغيرة التي لا تخدم إلا السوق المحلي، والتي يبلغ عددها بضع مئات في مصر.

كنما تفاقمت سياسة الاستحواذ على الشركات المصرية، فاستحوذت شركة مطاحن الجمل للدقيق التابعة لـمجموعة المعتبر، في أوائل نوفمبرعلى حصة الأغلبية في شركة مطاحن الخمس نجوم التي كانت تواجه صعوبات في الوفاء بديونها طيلة عامين، واتجهت الشركة المصرية السويسرية للأغذية إلى تصنيع نوع جديد من الدقيق، يعتمد في إنتاجه على الأرز والذرة والعدس ومنتجات الكينوا، لتقليل الاعتماد على دقيق القمح، وهي تنتظر موافقة وزارة التجارة لإطلاق منتجها الجديد في الأسواق التجارية.

 

انهيار جديد للجنيه

وفي مقابل تلك الأزمة، يتزايد منحنى انحدار قيمة العملة المصرية، حيث قالت وكالة "بلومبيرج"، مؤخرا، إن "مصر ستتجه إلى مزيد من خفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار قبل أن تحصل على قرض صندوق النقد الدولي وأنه مرشح لمزيد من الانخفاض خلال الـ12 شهرا المقبلة".

وأشارت الوكالة إلى ضعف مرونة سعر الصرف في مصر مقارنة بأوضاع السوق الذي من المتوقع أن يشهد مزيدا من الاضطراب خلال الأشهر المقبلة.

وأضافت أنه رغم أن مصر خلال الربع الحالي من العام سمحت للجنيه بالهبوط بمعدل أكبر من كل العملات الأخرى تقريبا في العالم، إلا أن المستثمرين يتساءلون عما إذا كانت السلطات ستخفف قبضتها تماما عن العملة إذا تعرضت لمزيد من الضغط، مشيرة إلى أن الإجابة عن تساؤلاتهم لن تتأخر طويلا.

وتعد مصر الاقتصاد الناشئ الأكثر عرضة لأزمة العملة على مدار الـ12 شهرا القادمة، وفقا لمقياس نومورا "Nomura Holdings Inc" الذي توقع عمليات البيع السابقة.

كما أن بنك "اتش اس بي سي"، الذي توقع سابقا أن يستقر الجنيه عند حوالي 24 لكل دولار، رفع توقعاته حاليا إلى تحرك سعر الصرف نحو 26 جنيها للدولار، ما يعني انخفاضا بنسبة 5.5% تقريبا عن المستويات الحالية، ويبلغ سعر الدولار رسميا حاليا بين 24.5 و24.6 جنيها. بينما يتراوح سعره بالسوق الموازية بين 26 إلى 30 جنيها.

وهو ما يعني تفاقم جميع أزمات مصر والمصريين المعيشية، حي انهيار مخزونات القمح والغذاء وارتفاعات أسعار الأدوية ومستلزمات الحياة والملابس، ومن ثم دخول ملايين المصريين في دائرة الفقر والجوع.