"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ربما ذلك ما ينطبق على محمد معيط، وزير مالية العسكر، الذي طمس الله بصيرته وأعماه أن يرى معاناة المصريين من عدم توفر فرصة عمل، وارتفاع الأسعار بشكل لا يتناسب مع دخولهم، وانعدام الخدمة التعليمية والصحية وغيره ، ورغم ذلك زعم معيط أن المصريين شعروا بمردود الإصلاح الاقتصادي في توافر الكهرباء دون انقطاع وتوفر الأدوية والسلع المهمة.
لم ولن يتحرك معيط ولا أسياده لإنقاذ الدولة المصرية التي تحاكي قصة غرق السفينة تيتانيك، حتى إن عصابة الانقلاب تتفاخر بالقبض على مالك مصنع حاول تهريب 30 ألف دولار خلال سفره عبر مطار القاهرة، لشراء معدات لمصنعه من الخارج، وهو خبر جاء كاشفا للأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، خاصة فيما يتعلق بتوافر الدولار.
تجريف اقتصادي
تشهد مصر ما بعد الانقلاب أزمة بسبب عدم توافر الدولار، أثرت على المصنّعين والمستوردين، ودفعت إلى وجود سعرين أحدهما رسمي، حيث واصل سعر الدولار ارتفاعه أمام الجنيه المصري في البنوك الرسمية خلال الساعات الماضية، وتراوح سعر الدولار في البنوك وشركات الصرافة ما بين 24.61 و24.64 جنيها، والآخر في السوق الموازية، حيث كسر حاجز 30 جنيها.
وزادت التكهنات بشأن وضع الجنيه مع اقتراب جلسة صندوق النقد الدولي المخصصة لمناقشة إقراض مصر حزمة تمويلية بقيمة 9 مليارات دولار، يقدم الصندوق منها 3 مليارات.
وحول أسباب تعثر الوصول إلى اتفاق نهائي بين عصابة الانقلاب وصندوق النقد وتداعيات القرض على الاقتصاد، يكشف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والاستراتيجية نقاط الخلاف بين فريقي المفاوضات من حكومة الانقلاب وصندوق النقد الدولي.
يقول يوسف "هناك اختلاف جذري بين خبراء الصندوق والحكومة المصرية في موضوعين جوهريين ، هما طرح شركات المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص ورفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد، والأمر الآخر هو تخفيض قيمة الجنيه وتركه للعرض والطلب، وهو ما تخشاه الحكومة المصرية".
مضيفا "لأن سعر الجنيه المتوقع سيتراوح من ٢٢-٢٤ جنيها للدولار، وهو ما سيؤدي إلى غلاء أسعار كافة السلع؛ مما ينذر بانفجار مجتمعي وحراك تخشاه الحكومة، لأن الغالبية العظمى من الخبراء وأغلب جموع الشعب تعزو هذا الانهيار الاقتصادي إلى الفشل الحكومي في إدارة موارد الدولة وسياسة الإنفاق السفهي والاقتراض الضخم للإنفاق على مشروعات عديمة الجدوى اقتصاديا".
وتابع يوسف " تسير الحكومة في تقديري بسياسة اقتصادية خاطئة، تقوم على مزيد من الاقتراض وعدم وجود مشروعات تنموية، وعمل مشروعات ذات طابع إبهاري تحاول أن تحاكي نموذج دبي على اعتبار أن الداعم الأكبر للنظام منذ 2013 هي الإمارات، تقوم أي تجربة اقتصادية ناجحة على الاستثمار في خطط تنموية كبيرة مع الاهتمام بالصحة والتعليم والزراعة والصناعة، وهو ما أهمله النظام؛ مما أدى إلى فشل اقتصادي مع ازدياد معدلات الفساد وكلفته غير الطبيعية وغياب القانون والشفافية ، مما أدى إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن الدخول بأي استثمارات مباشرة بينما يبيع النظام الأصول مما يؤدي إلى تجريف البنية الاقتصادية المصرية".
كان إجمالي الدين المصري قد بلغ 392 مليار دولار، منها 137 مليار دولار ديونا خارجية، بنهاية العام المالي 2020/ 2021، لكن الدَّيْن الخارجي يبلغ الآن 145 مليار دولار، وعلى حكومة الانقلاب أن توفر 20 مليارا لخدمة تلك الديون حتى نهاية العام الجاري، وهو ما يمثل مأزقا ضخما.
إنهاك الموازنة
وتسرّع حكومة السفاح السيسي حاليا من عملية بيع الشركات المملوكة للدولة، في محاولة لإنقاذ الموقف، رغم ما يثيره ذلك من انتقادات لأسباب متعددة، منها مدى جدوى بيع أصول رابحة وضيق الوقت وتخوفات أخرى.
وفي هذه الأجواء الصعبة، يتخوف البعض من أن التوسع في الاقتراض الخارجي قد يتسبب في انهيار العملة المحلية، بعد أن تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي بنحو الربع خلال الأشهر الستة الماضية فقط.
في إطار محاولات عصابة الانقلاب لمواجهة الضغوط الاقتصادية الخانقة، عادت لتطرق مجددا باب الاقتراض للحصول على الأموال بشروط تزداد صعوبة في ظل التطورات الراهنة.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن مصادر داخل عصابة الانقلاب قولها إنها "تُجري حاليا مباحثات مع بنوك إقليمية ودولية للحصول على قرض بقيمة 2,5 مليار دولار في أقرب وقت ممكن، وهناك جهود حثيثة يتم بذلها للحصول على أموال خليجية بعشرات المليارات على شكل إيداعات وقروض واستثمارات".
وعلى ضوء المؤشرات الأولية يبدو أن عصابة الانقلاب مستعدة للحصول على مزيد من القروض رغم تشديد شروطها وارتفاع فوائدها، غير أن مخاطر ذلك ليست بالهينة بالنسبة إلى بلد تخطى حجم ديونه ثلثي حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو الحد الذي يُعتبر تجاوزه من المؤشرات الخطيرة على مستقبل الاقتصاد، بحسب تحليل لموقع دويتش فيله الألماني.
ففي عام 2021، احتلت عصابة الانقلاب المركز الـ158 من أصل 189 دولة، على صعيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحصلت على المركز الـ100 بالنسبة لمتوسط نصيب الفرد من الدين.
وفي يناير الماضي، وصلت نسبة الدين الحكومي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6%، بعد أن كانت 87.1% في 2013. وتقول الحكومة إنها "تأمل خفض نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 85% في السنوات الثلاثة القادمة".
لكن هذا الهدف يبدو من الصعب الوصول إليه، بالنظر إلى خطط عصابة الانقلاب الرامية إلى اقتراض 73 مليار دولار إضافية عن طريق بيع السندات هذا العام.
وواصل الدين الخارجي ارتفاعه منذ انقلاب السفاح السيسي والإطاحة بالرئيس الشهيد محمد مرسي، والاستيلاء على سُدة الحكم في 2014 فقد بلغ 46.5 مليار دولار في 2013، ثم انخفض إلى 41.7 مليار دولار في 2014، قبل أن يرتفع بحدة في السنوات اللاحقة، ليصل إلى 84.7 مليار دولار في 2016، وإلى 100 مليار دولار في 2018، وإلى 115 مليار دولار في 2019.
ويؤدي تراكم الديون إلى زيادة أعباء خدمتها سواء على صعيد دفع الفوائد أو الأقساط المترتبة عليها، وهو أمر ينهك الموازنة المصرية التي يتوقع أن يكون عجزها بحدود 30 مليار دولار هذه السنة، ويدل على زيادة الأعباء وصول حجم السداد إلى 24 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.