تعيش مصر أوضاعا اقتصادية صعبة؛ نتيجة تخريب الاقتصاد وتطفيش المستثمرين وإهدار الأموال في مشاريع بلا جدوى، ومراكمة الديون بشكل غير مسبوق بسبب الاعتماد الكامل على الديون، والبدء في بيع أصول مصر، وبدأ وزير نقل الانقلاب يروج لفكرة بيع أو تأجير الموانئ المصرية للإمارات وقطر أو شركات أجنبية، مشيرا إلى أن السوق المصري كبير والسواحل المصرية طويلة وموقعها متميز، ما يمثل فرصة للمستثمرين، بدلا من تسهيل الاستثمار في تلك الموانئ للمصريين.
ويعتبر صندوق قناة السويس أحدث حلقات التفريط في التراب الوطني، حيث وافق برلمان العسكر على إنشاء صندوق لبيع وتأجير قناة السويس.
استمرار الاقتراض
وفي مقابلة مع جريدة "العربي الجديد" زعم رئيس لجنة الخطة بمجلس نواب الانقلاب فخري الفقي، أن الأسواق لن تهدأ بدون اكتمال القروض المستهدفة وتعويم العملة وفتح باب الاستيراد عبر خطابات الضمان المعتادة.
وأضاف أن قيمة القرض ليست في حجمه، رغم أنه في حدود 3 مليارات دولار، ولكن في إجمالي التمويلات التي ستحصل عليها الحكومة، التي تصل إلى 18 مليار دولار، وهي ثلاثة مليار من الصندوق، ومليار من صندوق الاستدامة والتنمية، و14 من بيع أصول مصرية للشركاء الخليجيين ، وفق توجيه صندوق النقد الدولي.
مشيرا إلى أن الصندوق يمنح ضمانة بالتزام مؤسسات التمويل العربية والدولية لبدء الدعم النقدي للاحتياطي النقدي، المقدر بنحو 14 مليار دولار، عبر قروض تمويل صفقات استيراد القمح والسلع الاستراتيجية وبيع أصول وفقا لوثيقة الملكية العامة، والتي ستبدأ ببيع 20% من حصة ملكية شركة الاتصالات المصرية بشركة "فودافون مصر" للصندوق السيادي القطري والبنك المتحد للصندوق السعودي، وغيرهما من المؤسسات.
وذهب الفقي إلى أنه بعد الإفراج عن القرض المنتظر، لم تهدأ الأسواق، وزاد الجنيه هبوطا والأسعار في تصاعد، مبررا ذلك بأن هذه الأزمات لن تنتهي بسرعة في الأسواق، فالأمر يحتاج إلى فترة زمنية للاستقرار على حالة الارتفاعات في سعر العملة التي وصلنا إليها أولا، قبل أن نصل إلى مرحلة التراجع، وهناك تعهدات من الحكومة والبنك المركزي بإلغاء قرار فتح الاعتمادات المستندية الذي وضع أمام الموردين ، وحال دون قدرتهم على شراء مستلزمات الإنتاج، وأثر سلبا على حاجة المصانع والشركات.
وزعم أنه سيعود، خلال أيام، العمل بنظام التحصيل البنكي، الذي يسمح للمستوردين ووكلاء الشركات العالمية بالاستيراد بخطابات الضمان المعتادة، بما يمكنهم من العمل دون تدبير سوى نحو 10% من قيمة كل صفقة، بدلا من 120% حاليا، ويتيح للبنوك تدبير العملة على طريقتها من السوق المحلية ستنتهي بذلك طوابير الانتظار للموردين والمصنعين خلال 6 أشهر، وتتوقف المضاربات، ليعود سعر الدولار في البنوك منافسا للسوق السوداء التي ستنتهي مع توافر العملة رسميا.
وتوقع الفقي أن يتم رفع الفائدة على الجنيه المصري إلى 20% أو ما فوقها، لسحب السيولة الزائدة في جسم الاقتصاد، وسيتوقف سعر الجنيه على حجم العرض والطلب، والمتوقع بذلك أن يزداد انخفاضا ليتوازى مع حركة السوق.
مضيفا، قد يرتفع التضخم إلى مستويات لا يرتضيها البنك المركزي، لكن ذلك سيستمر لفترة، أقصاها العام المقبل، ليبدأ في التراجع عام 2024، مع الرهان على الإقبال على زيادة معدلات الادخار بالجنيه، والتباطؤ في معدلات التضخم، وزيادة الإيرادات الدولارية، ووضع الأموال الساخنة بالبنوك داخل الإطار الثاني، حتى لا تؤثر في سعر الصرف والاحتياطي النقدي، الذي يجب أن يمتص الصدمات التي تصيب الأسواق.
وحول المشروعات التي استدانت الدولة لحسابها كثيرا من القروض الأجنبية والمحلية، بضمان الموازنة العامة مثل العاصمة الإدارية والمرافق التي ارتبطت بها، توقع الفقي أن الدولة ستلتزم خلال المرحلة المقبلة بعدم تمويل أي مشروعات خارج الموازنة، وسيتولى صندوق النقد مراجعة ذلك دوريا كل 3 أشهر، ويمنح شهادة صلاحية بإدارة هذه الموارد كل 6 أشهر، وفي حالة الالتزام سيصرف الدفعات الجديدة من القرض، الموزع على 46 شهرا.
وبالتالي أصبحت تلك ضمانة بحسن استغلال الموارد العامة أمام المواطنين والجهات الدولية التي ستقرض مصر المزيد من الأموال أو المستثمرين الراغبين في العمل بالسوق المصري، ويسعون إلى الحصول على المعلومات بشفافية وإزالة حالة عدم اليقين التي تعرضوا لها خلال الفترة الماضية.
لذلك ستفصل أي مشروعات تحتاج تمويلات خارج الموازنة لتصبح كيانا اقتصاديا مستقلا، يوفر احتياجاته من التمويل ذاتيا، من دون الاقتراض بضمان الموازنة العامة.
ستبدأ الحكومة نقل 40 ألف موظف إلى العاصمة، ليكونوا نواة لتشغيل مشروعاتها، والأحياء القريبة منها في مدينتي بدر والقاهرة الجديدة، العام المقبل.
ستكون شركة العاصمة الإدارية مسؤولة تماما عن سداد الديون ومستحقات الموردين بالتصرف في بيع مشروعاتها أو أراضيها، ستتحول كثير من الشركات العامة إلى مؤسسات خاصة أو يتشارك القطاع الخاص المصري والأجنبي في ملكيتها.
وستنفذ وثيقة ملكية الدولة التي تعهدت فيها ببيع أصول قيمتها 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، من بينها شركات تابعة للجيش.
توقعات برفع الفائدة
وكان استطلاع أجرته وكالة "رويترز" أمس، توقع أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة 200 نقطة أساس يوم الخميس، في إطار محاولاته لكبح التضخم المتزايد بعد الانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية.
وأشار متوسط التوقعات في استطلاع شمل 12 محللا إلى رفع البنك المركزي أسعار الفائدة على الودائع إلى 15.25% ورفع فائدة الإقراض إلى 16.25% في الاجتماع الدوري للجنة السياسة النقدية.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس في اجتماع مفاجئ عُقد في 27 أكتوبر، وفي اليوم نفسه، انخفضت قيمة العملة المحلية 14.5% وأعلن البنك المركزي أنه توصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من خفض قيمة العملة المحلية، استمرت الفجوة بين سعرها أمام الدولار في الاتساع في السوقين الرسمية والموازية إذ وصل سعر الدولار إلى نحو 24.70 جنيه في البنوك وما يصل إلى 33 جنيها في السوق السوداء، وبلغ السعر الرسمي للجنيه المصري أمام الدولار 19.7 قبل تخفيض قيمة العملة في أكتوبر.
وتوقع بعض المحللين أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة بصورة أقل، حيث قال محمد أبو باشا من المجموعة المالية هيرميس "في ظل عدم وجود حراك في سوق الصرف الأجنبي، فإننا نتوقع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في محاولة للإشارة إلى استمرار التشديد النقدي وسط توقعات بازدياد التضخم".
وقفز معدل التضخم الرئيسي في مصر إلى أعلى مستوى في خمس سنوات عند 18.7% في نوفمبر مرتفعا من 16.2% في أكتوبر.
وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر فلادكوفا هولار لـ"رويترز" أمس، إن "الصندوق سيترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بعد إلغاء شرط تمويل الواردات بخطابات اعتماد في نهاية الشهر الجاري".
وأضافت أن البنك المركزي لم يتدخل بعد لضخ احتياطيات في سوق الصرف الأجنبي منذ أن توصلنا لاتفاق على مستوى الخبراء، لكننا نعلم أيضا أن الواردات المتأخرة لم يتم الافراج عنها".
وأكدت فلادكوفا هولار أنه بمجرد رفع شرط خطاب الاعتماد ، ما نتوقع أن نراه هو تغير يومي في سعر الصرف يشبه التغيرات التي نراها في أنظمة الصرف التي تشهد تحريرا حقيقيا لسعر العملة.
وهكذا تنهار إمكانات مصر يوما تلو الآخر، في ظل حكم عسكري لا يؤمن بدراست الجدوى ، ورّط مصر في مديونيات عالية أفقدت البلاد مقدراتها الاقتصادية وحولت الشعب لمجرد فقراء ملتاعين بنيران الأسعار التي لن تتوقف عند حدود معينة وستظل مرتبطة بأسعار الدولار المتغيرة للأعلى لسنوات قادمة.