حين يتوفى "نائب" في أي برلمان بالعالم، تجري انتخابات لاختيار بديل له من المنطقة المرشح فيها، إلا في مصر، فالنائب الذي يتوفى يجري توريث مقعده لأبنائه وبالقانون.
هذا مع حدث مع العديد من نواب برلمان الانقلاب الذين توفوا وورث أبناؤهم أو أحد أقاربهم مقاعدهم بالقانون، حيث حرصوا على وضع أسماء أبنائهم فيما يسمى القوائم الاحتياطية للنواب الذين يجري الاختيار منهم في حالة وفاة النائب "المنتخب".
أحدث هذه الحالات كانت يوم 2 يناير 2022 حين دخلت شابة تُدعى رغدة عبد السلام نجاتي هنادي قاعة مجلس النواب لتقسم اليمين لتصبح عضوة في برلمان العسكر خلفا لوالدتها النائبة الراحلة، ابتسام أبو رحاب محمد، التي توفيت في أكتوبر 2022.
تتولى "هنادي" مقعد والدتها في المجلس بالتوريث أقره قانون المجلس، فيما يخص التعامل مع حالات خلو أحد المقاعد بالمجلس، سواء كان بالنظام الفردي أو القائمة.
تنص المادة 25 من القانون على أنه "إذا خلا مكان أحد الأعضاء المنتخبين بنظام القوائم حل محله أحد المرشحين الاحتياطيين، وفق ترتيب الأسماء الاحتياطية من ذات صفة من خلا مكانه ليكمل العدد المقرر".
https://pbs.twimg.com/media/FleJnzyWYAAmW9C?format=jpg&name=medium
ولأن ابنة النائبة كانت أول عضوة احتياطية بالقائمة الوطنية من أجل مصر في دائرتها الانتخابية فقد تم تصعيدها.
https://twitter.com/quality1144/status/1610029277172596737
خامس حالة
هذه ليست الحالة الأولى فمنذ انتخابات برلمان العسكر عام 2018 توفي عدد كبير من نواب القوائم الانتخابية وتم تعيين المرشح الاحتياطي الذي تصادف في أغلب الحالات أن ابن أو ابنة النائب أو النائبة.
فقبل النائبة "هنادي" تم تصعيد المرشحة الاحتياطية في القائمة الوطنية من أجل مصر النائبة الحالية، آية فوزي فتى، لعضوية مجلس نواب الانقلاب، مكان والدها بعد وفاته في 2020.
وعقب إعلان نتائج انتخابات نفس المجلس 2021، وانعقاد أول جلسة 12 يناير 2021 أبلغ وزير داخلية الانقلاب محمود توفيق، رئيس برلمان الانقلاب حنفي الجبالي، بوفاة 3 نواب منتخبين، اثنين فازا بنظام القوائم، والثالث بالنظام الفردي.
وفي هدوء تام، تم الإعلان عن تصعيد وتوريث ابنتي النائبين الفائزين بالقوائم، وحلت "آية" ابنة النائب المتوفى فوزي إسماعيل فتى، محل والدها و"أسماء" محل والدها اللواء سعد الجمال، وإجراء انتخابات جديدة على المقعد الفردي.
وكان أول برلمان في عهد السيسي عام 2015، شهد واقعة مماثلة عقب وفاة النائب السيد حسن موسى، عن قائمة ائتلاف دعم مصر وشغلت ابنته النائبة هالة، مقعد والدها بعد وفاته دون انتخابات بسبب قانون الانتخابات الذي يستهدف إبقاء سيطرة المخابرات على النواب وأبنائهم من نفس الأحزاب التي تدعم السلطة.
ولفضح هذا التوريث رصد الصحفي محمد مرسي، أسماء 76 نائبا وضع كل منهم اسما واحدا أو اثنين من أبنائه كمرشح احتياطي له، بمعدل 10 أبناء لنواب قطاع شرق الدلتا ، و10 لنواب قطاع غرب الدلتا.
ووفق ما نشره "مرسي" على صفحته بفيسبوك، كان هناك 20 مرشحا احتياطيا من الأبناء في قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا ، و36 مرشحا احتياطيا من الأبناء لنواب دائرة قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، التي شهدت أعلى نسبة توريث للمقاعد.
أيضا نشر حزب المحافظين بزعامة أكمل قرطام، على موقع صحيفة الحزب في 19 أكتوبر 2020، تفاصيل عن نواب برلمان العائلات والأقارب في مجلسي شيوخ ونواب الانقلاب.
ورصد الحزب أسماء 16 نائبا ورثوا مقاعدهم في القوائم الانتخابية لبناتهم وأبنائهم ، بحيث لو توفي النائب يصعد نجله أو نجلته تلقائيا للجلوس على مقعده بلا انتخابات.
حالات توريث بالعشرات
الباحث بمركز دراسات الأهرام عمرو هاشم ربيع كتب في صحيفة الشروق 28 يناير 2021 يؤكد أنه قام ببحث، وتبين له هناك عشرات حالات التوريث، حيث تبين من القراءة الأولى لأسماء أعضاء المجلسين أن هناك تسع علاقات قرابة بين الأعضاء أخ/أخت/زوج/زوجة/ابن/ابنة/ابن أخ/ابنة أخ/ابن عم.
الناشر والصحفي هشام قاسم أرجع الظاهرة إلى التبرعات التي سددوها لنيل الترشيح، فأصبح مقعد البرلمان ملكية عائلية.
https://twitter.com/hishamkassem/status/1357785600938569731
أشار إلى "التبرعات" أيضا الباحث أحمد مولانا مؤكدا أن "التبرعات المدفوعة من النواب لخوض الانتخابات هي من جنس الحصول على المقعد وفق قانون الإيجار القديم".
https://twitter.com/amawlana84/status/1357814027347460098
وأثار توريث المقاعد النواب لأبنائهم سخرية المصريين وكتبوا يتندرون على ذلك عبر مواقع التواصل، قائلين "فقط في مصر كرسي البرلمان بالوراثة".
قالوا: "للحد من تلك الظاهرة السلبية، يتحتم تعديل التشريع بمنع القوى السياسية التي تعد قوائم من وجود علاقات قرابة داخل القوائم حتى الدرجة الرابعة، وذلك حتى لا تحمل الترشيحات شبهة مجاملات أو فساد أو إسناد مهمة التمثيل لمن هو غير جدير بها، وحتى تكون هناك دماء جديدة ومفيدة بالبرلمان".
https://twitter.com/MagdaMahfouz10/status/1609998488393363456
ضمان السيطرة
أثار اختيار كل نائب متوفى لأحد أبنائه لتولي المنصب بعده تساؤلات حول حقيقة ما تردد عن شراء المقعد البرلماني بأموال تم الإعلان عن أنها تبرع من كل مرشح لحزبه.
الأمر لفت أيضا أنظار صحفيين ونشطاء، وتبين من خلال تتبع موقع الهيئة الوطنية للانتخابات، أن قائمة انتخابية حكومية واحدة هي الوطنية من أجل مصر، التي فازت بكل المقاعد التي ترشحت عليها، ورث نوابها بناتهم وأبنائهم المقعد الاحتياطي لهم كأنه ملكية عائلية.
وظاهرة "العائلات" قديمة في برلمانات مصر، وكانت موجودة في ترشيحات الحزب الوطني المنحل، الذي ورثه حزب مستقبل وطن بنوابه ورموزه، لكن جديد برلمان السيسي هو توريث المقاعد بدون انتخابات.
لكن المفارقة أن أغلب من ورثوا مقاعدهم، هم من نواب الحزب الوطني الذي حلته ثورة 25 يناير، وورثه حزب مستقبل وطن وأعاد ترشيحهم، ما يؤكد أن نظامي السيسي ومبارك واحد ، ولم تُحدث الثورة أي قطيعة بالماضي الفاسد.
ولكل عضو مُنتخب على قائمة حزبية، عضو احتياطي وفق هذا القانون، يكمل المدة في حال الوفاة أو ما يمنع استكمالها دون الحاجة لإجراء انتخابات تكميلية.
وفازت القائمة الوطنية من أجل مصر، التي تضم تحالفا مكونا من 12 حزبا يقوده حزب مستقبل وطن الداعم لنظام السيسي بـ 316 مقعدا في مجلس نواب 2021 من إجمالي 567 مقعدا، بنسبة 55.55 بالمئة وهو ما يمثل الأغلبية داخل البرلمان، وفازت أحزاب موالية للسلطة بباقي المقاعد.
رشوة أم تبرع؟
قصة توريث مقاعد برلمان العسكر 2021 أظهرت فضيحة أخرى، هي شراء النواب مقاعدهم، بالتبرع للحزب الحاكم الجديد "مستقبل وطن" بالملايين مقابل الترشح على قوائمه وضمان كرسي برلماني عائلي يجلب منافع ونفوذ أكثر.
شراء المقاعد فضح أيضا هندسة جهاز الأمن الوطني أمن الدولة سابقا لثاني برلمان في عهد السيسي بالتبرع بالمال، بعدما اعتمدت المخابرات العامة في هندستها برلمان السيسي الأول على عنصر الولاء للعسكر في اختيار قوائم المرشحين.
هيمن المال السياسي على انتخابات غرفتي برلمان 2021 النواب والشيوخ ، بحسب تأكيدات صحفية وحزبية ومقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي رصدت الظاهرة التي تمثلت في صورتين.
الأولي: توزيع أموال على الناخب الذي يقوم بالتصويت لصالح مرشحين محسوبين على سلطة السيسي خاصة "القائمة الوطنية" التي تضم 12 حزبا بقيادة حزب "مستقبل وطن" في صورة مبلغ مالي 50 أو 100 جنيه.
ونشرت النائبة السابقة بالإسكندرية "مي محمود" مقطعا مصورا لمواطنين يقفون لتسلُّم أموال من مسؤولي حزب مستقبل وطن، أمام اللجان الانتخابية، بواقع 100 جنيه لكل ناخب.
وقال 5 ناخبين داخل مقر انتخابي في إمبابة بمحافظة الجيزة، لوكالة رويترز إنهم تلقوا وعودا بالحصول على مبلغ مالي قدره 50 أو 100 جنيه من مندوبين لمرشح حزب مستقبل وطن إذا صوتوا لصالحه.
الثانية: توزيع كراتين مواد غذائية مكتوب عليها "حزب مستقبل وطن" وهو ما تكرر في انتخابات برلمان 2015، وانتخابات الشيوخ 2019، والرئاسة 2018، والتصويت على التعديلات الدستورية 2020.
وفي انتخابات 24 أكتوبر 2020، بث نشطاء ونواب برلمان سابقون مقاطع مصورة تؤكد توزيع مرشحين للنقود على الناخبين وفي انتخابات مجلس الشيوخ ترددت أنباء أكدتها صحف عن مطالبة مرشحين بالتبرع بمبالغ تقدر بما بين 2 و10 ملايين جنيه لقبول ترشيحهم على قوائم بعض الأحزاب، وتردد أن هذه النسبة ارتفعت في انتخابات النواب الأخيرة لتصل إلى أكثر من 10 ملايين جنيه.
انتخابات زائفة
مجلة الإيكونوميست البريطانية قالت في تقريرها 23 أكتوبر 2020 تحت عنوان "انتخابات زائفة أخرى تسلط الضوء على مشاكل مصر ، وإن الانتخابات كذبة وديمقراطية السيسي مزيفة ورجال الأعمال الأغنياء يضخون الأموال في الأحزاب المدعومة من الدولة ليمتلئ البرلمان بالسياسيين الذين يتملقون السيسي".
وأضافت أن "بعض الأماكن في القوائم الانتخابية بيعت بملايين الجنيهات عشرات الآلاف من الدولارات ، حتى إن إحدى الصحف الموالية للدولة استهزأت بالمدفوعات المزعومة، في رسم كاريكاتيري يُصور نائبا يحمل كرسيه الخاص إلى البرلمان، لأن المقاعد الموجودة بداخله باهظة الثمن".
سبعة مرشحين برلمانيين اتصلت بهم وكالة رويترز، قالوا في 27 أكتوبر 2020، إنهم "كانوا مطالبين بتقديم تبرعات كبيرة لحزب مستقبل وطن أو صندوق عام أنشأه السيسي تحيا مصر ، كي يمكن إدراج أسمائهم على قوائم الحزب".
واعترف اللواء حمدي بخيت لموقع صحيفة "إندبندنت عربية" 25 أكتوبر 2020 "الانتخابات طغى عليها المال السياسي داخل الأحزاب بنسبة كبيرة".
واعترف موقع "القاهرة 24" القريب من أجهزة الأمن في تقرير نشره 25 يوليو 2020 بتدخل الأمن في هندسة الانتخابات بالمال، ثم حذف التقرير بعد ساعات قليلة من نشره.
التقرير الذي جاء بعنوان ، كيف هندّس الأمن غرفة البرلمان الثانية مجلس الشيوخ؟ نشر تفاصيل تدخل الأجهزة الأمنية والمخابرات في تشكيل واختيار أعضاء مجلس الشيوخ والنواب لاحقا.
التقرير قال بوضوح إن "مصطلح الملاءة المالية، كان هو الشرط الرئيسي في قبول أوراق المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ، عن حزب مستقبل وطن أو الشعب الجمهوري، لحد دفع أحد مرشحي القائمة 25 مليون جنيه لحجز مكان بالقائمة".