يواصل نظام الانقلاب بيع أصول الدولة المصرية والتفريط في ثروات البلاد ورهن قراراتها السيادية ومستقبل الأجيال الجديدة بأيدي الدائنين.
تأتي هذه الخطوة نتجية طبيعية للخضوع لسياسات صندوق النقد والبنك الدولي ، وكذلك لجوء السيسي إلى القروض وتضاعف الديون الخارجية لتصل إلى ما يقارب الـ 200 مليار دولار لأول مرة في التاريخ المصري .
يشار إلى أن الصندوق السيادي السعودي يُجري محادثات للاستحواذ على "المصرف المتحد" وهناك تنافس خليجي بين الصناديق السيادية السعودية والإماراتية، والقطرية للاستحواذ على الأصول المالية والبنوك المصرية وآخرها "بنك القاهرة" الحكومي و"المصرف المتحد" التابع للبنك المركزي، وذلك بعد عدة مصارف وشركات مالية جرى بيعها لأبوظبي والرياض.
وخلال مارس الماضي، أجرى صندوق "أبوظبي السيادي" محادثات لشراء حصص بـ"البنك التجاري الدولي" ضمن حصص بـ5 شركات مدرجة بسوق الأوراق المالية المصري، بقيمة 1.8 مليار دولار، "فوري" للخدمات المصرفية، و"أبوقير للأسمدة" و"موبكو" و"الإسكندرية لتداول الحاويات".
وفي فبراير الماضي، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية عن تقديم بنك "أبوظبي الأول"، عرضا إجباريا للاستحواذ على حصة أغلبية بنحو 51 بالمئة من المجموعة المالية "هيرميس" بقيمة تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار.
واستحوذ بنك "أبوظبي الأول" على "بنك عودة" بشكل نهائي بعد إتمام الاندماج الكامل للعمليات والأنظمة مطلع نوفمبر الماضي، بإجمالي أصول يبلغ 187 مليار جنيه ، و69 فرعا و211 ماكينة صراف آلي.
ومن بين استحواذات الخليج على القطاع المالي أصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودي أكبر المساهمين بشركة "إي فاينانس" للمدفوعات الإلكترونية، بصفقة تمت في أغسطس الماضي، وذلك بعد حصول الشركة التي جرى تأسيسها في الشهر ذاته على نسبة 25 بالمئة من أسهم الشركة من بنك الاستثمار القومي بقيمة 7.49 مليار جنيه.
سياسات خاطئة
من جانبه قال الدكتور مصطفى يوسف مدير المركز الدولي للدراسات التنموية في عام 2022، تم التخلص من شركات حكومية عديدة، ودائما يتم التلويح ببيع شركات للجيش، وهو ما لم يتم، معربا عن اعتقاده أنهم سيبيعون شركة أو اثنتين من 80 شركة تستحوذ عليها القوات المسلحة.
وأضاف يوسف في تصريحات صحفية ، الصناديق السيادية العربية تنتقي أفضل الأصول السيادية، وفي القطاع البنكي أفضل البنوك .
ولفت إلى أن البيع المتواصل يأتي بسبب سياسات نظام الانقلاب الاقتصادية والمالية الخاطئة التي أوصلت البلاد لتعويم العملة المحلية 4 مرات منذ حفر تفريعة قناة السويس في 2015، بعدما جرى تدمير سوق العملة فاضطر السيسي للتعويم الأول في عام 2016 .
وأكد يوسف أن الدولار سجل 6.35 جنيهات قبيل انقلاب 2013، وأكثر من 7 جنيهات ببداية انقلاب السيسي، ثم 8 جنيهات بعد حفر التفريعة، لكنه مع التعويم الأول وصل 19 جنيها، ثم تراجع إلى 16 جنيها تقريبا حتى 2022 .
وأوضح أن أخطاء السيسي تواصلت، فاضطر إلى تعويم ثاني في مارس الماضي أوصل الدولار إلى 19 جنيها، ثم تعويم ثالث في أكتوبر الماضي أوصله إلى 24.5، ومع التعويم الرابع من المتوقع أن يصل الدولار إلى نحو 33 جنيها .
وأشار يوسف إلى أنه منذ أقيمت جمهورية السيسي الجديدة انخفضت قيمة الجنيه 5 مرات، ولأن حجم الخراب كبير مع سياسات الاقتراض والديون فإنه واصل بيع الأصول في 2022، وفقا لطلب صندوق النقد الدولي حتى لا يتبقى من أصول مصر شيئا وتصبح بيد السعوديين والإماراتيين .
وكشف عن بيع شركات في قطاعات الموانئ والأسمدة والقطاع المالي دون القيم العادلة، وخسر الاقتصاد المصري عشرات المليارات من الدولارات خلال عامين، خاصة في ظل فساد وعدم شفافية وغياب حرية تداول المعلومات .
وقال يوسف إن "الحل للخروج من هذا المأزق أن تخرج هذه الإدارة الفاشلة، وبعدها يجب دمج جميع الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية للموازنة العامة للدولة، ثم بيع بعض الشركات القليلة للمصريين مع عدم تملك الأجانب لها".
مسار خطير
وعن أسباب توجه نظام الانقلاب نحو بيع الأصول والبنوك الحكومية قال الدكتور أشرف دوابة أستاذ التمويل والاقتصاد في جامعة إسطنبول إن "هذا البيع يأتي نتيجة سير حكومة الانقلاب وراء صندوق النقد الدولي".
وحذر دوابة في تصريحات صحفية من خطورة هذا المسار مؤكدا أن السير خلف الصندوق لن يخرج مصر من دائرة الإفلاس.
وأكد أن الوضع الاقتصادي خطير جدا متوقعا لجوء نظام الانقلاب في النهاية إلى نادي باريس.
ولفت دوابة إلى أن خطط البيع والتفريط في المصارف الحكومية تخضع لشروط صندوق النقد الدولي القاسية جدا، والسير وراءه شبرا بشبر كما حدث للأرجنتين التي تم معها هذا الإطار بالكامل ونفس ما حدث من بيع للأصول.
وعن أسباب تباري الصناديق العربية للاستحواذ على البنوك، أعرب عن أسفه الشديد من أن تسارع بيع الأصول للخليج الآن ناتج عن توقف المنح وقلة وضع الودائع الخليجية بالبنك المركزي المصري كما كان ، موضحا أن الخليج يدفع الآن مقابل الاستحواذ على أفضل الأصول، وشيء مقابل شيء.
وأوضح دوابة أن المشكلة في بيع القطاع الحكومي ومنه المصرفي أنه لم يعد غير البنك الأهلي ومصر، بعد بيع بنك الإسكندرية فى عهد المخلوع حسني مبارك لبنك (إنتيسا) الإيطالي، والآن الدور على المصرف المتحد ولحكومة الانقلاب متمثلة في البنك المركزي نسبة كبيرة منه .
وكشف أن بيع الأصول المصرفية والبنوك الحكومية يجعل دور دولة العسكر في الجانب المصرفي معدوما ، لافتا إلى أنه حينما تسيطر دول الخليج بهذه الصورة للأسف تقع مصر تقع تحت استعبادها واستعباد صندوق النقد الدولي .
وقال دوابه إنه "نتيجة للوضع والسياسات الخاطئة فإن مصر أصبحت دولة مستعمرة ماليا واقتصاديا نتيجة لهذا السلوك ودخول مشروعات لا صلة لها بالتنمية، وأصبحت الديون أساس هيكل الدولة نفسها، والمشكلة في تراكم الديون مع بيع الأصول مع المشروعات المظهرية".
خسارة كبيرة
وانتقد الخبير السياسي والاقتصادي مجدي حمدان موسى، سياسة بيع أصول وشركات مصر، مؤكدا أن خسارة الاقتصاد المصري كبيرة جدا ولا يمكن حصرها.
وقال موسى في تصريحات صحفية "من المفترض أنه كانت لدينا شركات ذات تاريخ وثقل في السوق المصرية ولها سمعة محلية وعربية، ولها مساحات واسعة من الأراضي، وظلت تعمل وتنتج قائمة بلا أزمات؛ ولا شك أن بيعها يمثل خسارة كبيرة مالية واقتصادية لمصر، وخسارة بأمور أخرى كثيرة".